السلام عليكم،
أود أن أعرفكم بنفسي أولاً؛
أنا طالب في كلية الهندسة الميكانيكية عمري الآن 23 سنة من أسرة متوسطة الحال مؤلّفة من خمسة شباب وخمسة بنات، أنا مدللٌ كثيراً والجميع يحبني، والدي عمره 70عاماً ووالدتي 60 عاماً. إخوتي جميعهم حصلوا على الثانوية وتوظفوا عليها أو على المعاهد المتوسطة، وأنا الوحيد الذي دخل الجامعة بينهم بعد تفوقي في الثانوية، فكنت بنظرهم مثال للطالب المجتهد والخلوق والمؤدب عدا عن الصفات التي دائماً يذكرونها على الرغم من عدم معرفتي بوجودها في نفسي، فهم منحوني ثقة كبيرة وأنّه لا يجب عليّ أن أُخطئ.
كبر هذا الشيء بنفسي وجاءت دراستي الجامعية في محافظة بعيدة عن أهلي وهي مسقط رأسي حيث أقاربي، وكانوا جميعهم يحبونني، فكان الجميع من أهلي وأقاربي والمجتمع المحيط ينظرون لي بأني مجتهد وحسن الخلق ومؤدب، وعشت في بيتنا الخاص لوحدي. وعندما وصلت للسنة الثالثة رسبت فيها وحملت ستة مواد ولم أترفّع للرابعة لأنه لا يجب عليّ أن أحمل أكثر من أربع مواد. حزنت كثيراً على رسوبي وضياع سنة من عمري وتكتّمت على الموضوع ولم أخبر أحداً بذلك، فقد خجلت من رسوبي فلا مبرر لذلك بنظر أهلي فكل ما أحتاجه مؤمّن وكل ما عليّ فعله هو الدراسة والتخرّج...
لم أستطع تحّمل فكرة رسوبي، لكن زملائي واسوني، وبعد فترة تقبّلت الموضوع لكن الحزن ظل صديقي لفترة طويلة وبقيت لوحدي في المنزل لا أخرج إلا قليلاً ولم أستطع التركيز على الدراسة بشكل جيد ففي الدورة الامتحانية الأولى نجحت في مادة واحدة فقط من الستة.
وفي الدورة الثانية درست جيداً لكني لم أتمكن من أن انجح بأي من المواد الخمسة، عندما أخبرني صديقي فوجئت كثيراً بذلك ولم أتوقع حصوله أبداً أبداً، واسودت الدنيا في وجهي وبكيت كثيراً لما حلّ بي، فسنة رسوب واحدة لم أتحملها لأتحمل الثانية. ساءت حالتي وأصبحت أحب الوحدة وأتجنّب الناس حتى لا يسألوني عن الجامعة، وقفلت جوالي، وأصدقائي في الجامعة أصبحت أخجل من لقائهم فلم يعد لي وجه أن أقابل أحداً، حتى أهلي لم أذهب لقضاء العطلة عندهم إلا في العيد ولم أصم رمضان هذه السنة وأصبحت بعيداً عن كل شيء عن أهلي وأصدقائي وجامعتي وحتى ديني وربي....
ودراستي ساءت كثيراً، فتركيزي انخفض كثيراً وأحلام اليقظة والشرود زادا كثيراً، وحياتي هذه السنة ليست سوى نوم للظهر ثم تلفاز ونت ودخان وسهر لوحدي حتى الصباح وسماع الأغاني الحزينة. قد كتبت هذه الرسالة الساعة الخامسة صباحاً، فكل تفكيري كيف سوف أواجه والدي وأمي وإخوتي وأقاربي والمجتمع، فأنا الآن في السنة الخامسة بنظرهم والحقيقة أنا الآن سنة ثالثة عدا عن الوظيفة التي خسرتها بعد تخرجي...
التي هي حلم الطالب بها.
أصبحت أتمنى الموت فقد أيقنت أن قطار المستقبل قد فاتني ولم يعد هناك سوى قطار الموت، ولقد أصبحت أفكر بأشياء لم أكن أفكر فيها لكن فكرة الموت تريحني كثيراً ودائماً ببالي على الرّغم من معرفتي بالعواقب لهذا التصرف لكني لا أعرف ماذا أفعل..؟
الآن، أنا يائسٌ وحزين كثيراً وكرهت نفسي .. كلما أفكر بفشلي أتألم وأحزن كثيراً. الآن أجلس في المنزل وحيداً لا أريد أن أقابل أحداً، حاولت أن أخرج لأحد النوادي الرياضية لكني قطعته.
الآن لا أعرف ماذا أفعل؟ ماذا أقول؟ كيف سأواجه المشكلة؟ عندما أفكر لا أفكر سوى بالانتحار فلا قدرة لي أبداً على المواجهة بالحقيقة،
أرجوكم ساعدوني.. ولا تهملوا رسالتي أرجوكم
ولكم جزيل الشكر.
16/11/2007
رد المستشار
الأخ المحترم المهندس فمن توقعي أنك منظم التفكير ومتسلسل في أفكارك كما يتضح من رسالتك وطريقة عرضك للمشكلة فدعني أرد عليك بنفس الطريقة، فآخر عبارة في شكواك هي لب القضية (فلا قدرة لي أبدا على مواجهة الحقيقة)، وهذا هو المربع الذي أدخلت نفسك فيه من أول وهلة عرفت فيها النتيجة سنتين سابقتين، وهذا ـفي تقديريـ أول فكرة طرأت على بالك عندما علمت نتيجتك أنك لن تستطيع مواجهة الواقع الحقيقي ـوهذه من سمات (الشخصية المدللة) كما أطلقت هذا الوصف على نفسكـ فأصحاب هذه الشخصية يعتادون دائما أن الآخرين هم أصحاب القدرات الخارقة في مواجهة الواقع، وأنهم (أي أصحاب هذه الشخصية) خلقوا بدون استطاعة على المواجهة، أو أن سيحدث لهم شيء كارثي إذا واجهوا، ويغرمهم ذلك مجهودا طائلا بالالتفات حول المشكلة وتعقد حلقاتها عليهم، وهم يندبون أقدراهم التي حملتهم كل هذه المشاكل مع أنها حدثت بفعل أيديهم هم وليس أحد آخر، لكنهم لا يتعلمون ذلك ولم يتربوا عليه أصلا وهنا أشارة لابد منها من نصيحة إلى كل مربي بأن التربية لا تكن بتلبية كل المتطلبات المادية، وأننا قد نحرم أبناءنا من بعض متطلباتهم بقصد سلامة تربيتهم لمواجهة ما ستأتي به الأيام لاحقا.
وأعود إليك أخي المتسائل وأسألك ما أقسى وأقصى ما يمكن أن يحدث لك إن عرف أهلك أنك رسبت، دعني أضع الاحتمالات.
ستهان وأقول لك حقهم كما أنك أنت أهنت نفسك أكثر بسقوطك في الوهم والحزن والدخان والسهر...الخ.
ستسقط من نظرهم وأقول لك رب ضارة نافعة فسيعلمون وقتها قدراتك ويعينونك بدلا من الصورة الخيالية المرسومة لك في أذهانهم التي تجعلهم لا يعينونك في مشاكلك.
سيصدمون وأقول لك ليست هذه نهاية الكون (صدمة وتعدي)
ستعاقب وأقول لك أنت عاقبت نفسك بشكل أسوأ.
إذن أترى ما هو الأسوأ، الأسوأ هو ما أنت فيه الآن، ولكن أبشرك فأنت واضع أصبعك على المشكلة وإن شاء الله بعد قراءة هذه الأسطر ستعينك على لم شمل نفسك، والذهاب إلى أهلك والارتماء في أحضانهم (وهم أنفسهم الذين دللوا من قبل ولهم خبرة في ذلك) وتحمل ما سيحدث (وتكون هذه أول تجربة لك في الحياة لتتعلم مواجهة الواقع) علها تفيدك في تجارب أقسى وأكثر عملية في حياتك المقبلة، ربما يجعل الله بعد عسر يسرا، ويبدلك بمصيبتك خيرا منها وتخرج منها بتجربة تعينك على حياتك، وما أدراك عن خبر ما سيعم أن أنت خرجت إلى النور ثانية واستعدت قواك وأهلك وأصدقاءك، ولقد جربت الظلام سنتين فلم يأت لك إلا بالشر والأحزان وإني أخاف عليك أن استمريت في هذا أن يجلب عليك ما هو أسوأ وهي صحبة السوء والمخدرات، فاحذر يا أخي فإن اليأس من رحمة الله هو باب كبير لدخول الشيطان وأعوانه، فارجع إلى ربك وإلى أهلك وإلى دراستك وأصدقائك واستعن بالله.
واقرأ على مجانين :
من عدم التأقلم إلى الاكتئاب
سنة ويمضي الاكتئاب لماذا العلاج؟
الانتحار بين المرض والاختيار : الجزء الثاني
زهرة البنفسج تريد الانتحار وكارول أيضًا