تساءلت كثيرا وأنا صغيرة: ما معنى"مفتاح الشخصية" ؟؟
بحثت كثيرا عن معنى هذه الكلمة، ولكنني لم أجده.. رغم أن معرفة مفاتيح شخصيات الناس مهم جداً لأستطيع مخاطبتهم انطلاقا من هذا المفتاح، وذلك لأحصل على القبول ولأتمكن من إقناع الآخرين.. بل إنني لم أكن أعرف ما هو مفتاح شخصيتي أنا، وبالتالي لم أكن أعرف كيف أقود نفسي ولا كيف أفكر، كنت تائهة في هذه الحياة ما بين مفتاح شخصيتي والذي لا أعرفه وبين مفاتيح شخصيات الآخرين.. فتارة أعمل الأمور بالطريقة التي أحبها أنا فأنتهي منها وأنا في قمّة السعادة، وكثيرا ما أستعير من الآخرين مفاتيح شخصياتهم، فتتعقد الأمور في وجهي ولا أكون مبسوطة أبداً..
ومع أنني رأيت رؤيا عندما كنت في الثانية والعشرين من عمري، إلا أنني لم أفهمها ولم أستفد منها إلا الآن، أي بعد ما يقرب من عشر سنوات..
ماذا رأيت؟ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما يريد الصلاة وهو ينزل أكمامه إذ أنه قد فرغ من الوضوء تواً، وأنا سأقتدي به، وإذا به قبل أن يبدأ بالصلاة، يلتفت إليّ ويقول:" خذ الله إليك يا أبا بكر " .. كان وجهه طافحاً بالنور، وثيابه كذلك، وشعره أسود، لم أتبين ملامح وجهه، لكنه شخص تشعر وأنت معه بالسكينة الغامرة والرحمة العارمة ولا تريد أن تفارقه.. صلى الله عليه وسلم، وأسأل الله الذي جمعني معه في المنام أن يجمعني معه في الجنة.. آمين..
استيقظت من نومي على هذه الرؤيا، وأخذت أتمعن وأفكر بمغزى كلمته التي قالها لي:" خذ الله إليك يا أبا بكر"، ما معنى" خذ الله إليك"؟ ولماذا ناداني ب "أبي بكر"؟؟ وأبو بكر وهو الغني عن التعريف رجل قام الإسلام عليه، كيف يشبهني رسول الله بأبي بكر؟ ولماذا رجل؟ لماذا لم يناديني باسم أي واحدة من نساء الصحابة؟؟
أسئلة كثيرة أخذت تدور في رأسي، وازداد هذا اللغز تعقيداً، ولم أصل فيه إلى جواب شاف..
وأخذت أقرأ أكثر وأكثر في سيرة حياة أبي بكر، علّني أصل منها إلى وجه شبه واحد بيني وبين هذا الرجل العظيم الذي ناداني رسول الله باسمه.. لكن لا جديد..
خطر في بالي أنني سأكون يوم القيامة ممن يُدعون لدخول الجنة من أبوابها الثمانية تماما مثل أبي بكر، إن شاء الله سيحدث هذا، ولكن أنا لست في ورع أبي بكر ولا أعمالي قد طالت كل وجوه البر لأستحق دخول الجنة من كل أبوابها، يعني الواقع الحالي لا يبشر بهذه النتيجة، ثم إن رسول الله نبهني على شيء أن أفعله الآن، في الدنيا، وهو أن آخذ الله إليّ، ولم يكن في كلامه شيء عن الآخرة... فاستبعدت هذا المعنى للرؤيا.. كادت الحيرة تقضي علي..
ولكن هذه الرؤيا ظلّت تلح علي لأعرف تفسيرها، يعني الواحد ما بيصدق متى يشوف الرسول أو يسمع صوته، يقوم يبقى هيك مثل الأطرش في الزفة، موفهمان شي؟!؟!؟
وبدأت خيوط هذا اللغز المعقدة تتفكفك شيئاً فشيئا، ولكن بعد سنوات.. وتحديدا سنة2002 .. عندما كان الأستاذ عمرو خالد يتحدث في برنامجه"ونلقى الأحبة" عن الخلفاء الراشدين، وبدأ بأبي بكر رضي الله عنه..
فقلت الحمد لله، ربما سأستفيد شيئا ما الآن، وإذا بعمرو خالد يبدأ كلامه عن أبي بكر بتحديد مفتاح شخصيته، وقال: هذا المفتاح الذي إذا فهمناه، فإننا نفهم الشخصية كلها: كيف تفكر، ما هي اهتماماتها، ماذا تحب وماذا تكره.. كيف تتصرف، ما هي أولوياته.. ما الذي يسعدها وما الذي يحزنها..
وكان مفتاح شخصية أبي بكر الصديق هو: الحق، حيثما كان الحق اتبعه.. يحب الحق جدا، ولا يرضى عنه بديلاً.. بل إن الحق هو المحرّك الوحيد لهذه الشخصية في الحياة.. وهو محور تفكيرها..
أخذت أعرض على نفسي هذا المفتاح، هل أنا حقا أحب الحق؟ وأتبعه حتى ولو كان ضد رغباتي وأهوائي؟
نعم هناك مواقف في حياتي كنت أغلّب فيها الحق وأتبعه، ولكن هناك مواقف أخرى لم تكن كذلك.. فاستبعدت أن يكون وجه الشبه بيني وبين أبي بكر هو في مفتاح الشخصية..
وتوالت الأيام.. وأخذت أعافر في هذه الدنيا، فأغلبها وتغلبني.. وكل ذلك ولا زالت هذه الرؤيا تلح علي لأجد لها تأويلا.. فأفهمها وأستفيد منها.. إلى أن كان من حوالي أسبوع، كنت جالسة مع نفسي، وإذا بالله عز وجل يهديني للجواب وللتأويل الصحيح لهذه الرؤيا..
نعم، وجه الشبه بيني وبين أبي بكر رضي الله عنه هو فعلاً في مفتاح الشخصية، فأنا أجد سهولة كبيرة في التنفيذ حين أربط ما أنفذه بالله عز وجل وأجعله تبارك وتعالى هو الهدف وهو القصد من وراء هذا التنفيذ، تفكيري بهذا الشكل يسهّل علي كثيرا ما أريد فعله حتى ولو كان من أصعب الأمور على نفسي، بل ويجعلني أشعر بمتعة وسعادة ما بعدها سعادة..
مثلا.. إنني لم أنجح في الرجيم الذي عملته إلا حين وضعت نية: أريد أن أكون ممثلة كويسة عن الدين، وأرضي زوجي ليرضى الله عز وجل.. وعندها فقط استطعت أن أصبر على شهور الرجيم القاسية.. بل إنني وخلال هذا الرجيم ورغم شدّة اشتهائي للشوكولا وللحلوبات بصورة عامة، كنت أستطيع أن أدّخر قطع الشوكولا ولا ألتهمها رغم أنها في متناول يدي، حين كنت أضع نية أنني سأهديها للأطفال وذلك لأدخل الجنة من باب مفرّح الصبيان.. ولكن حين لا أفكر بهذه الطريقة، فعلى الريجيم السلام، بل إنه يصبح رجيما عكسيا، كنت بدلاً من أخفقد الوزن: أكسبه!! لأنني لم أكن أطيق صبرا على هذا العمل القاسي واللاانساني..
وهلمّ جرا.. الدراسة.. لم يكن يصبّرني عليها إلا هذه النية: سأدرس لأكون فهمانة لأنصر دين الله عز وجل وأعرّف الناس على الله عز وجل.. وساعتها كنت أحس بالحب للدراسة حتى للمادة التي لم أكن أُكنّ لها أي ذرّة من تقدير أو حب.. وأما حين لم أكن أفكر بهذه الطريقة، فكنت أتثاقل كثيرا من الدراسة وأملّ وأتكاسل وأتقاعس..
والآن.. أستطيع تحمّل" غلاظة" البنات اللواتي أدرسّهن لأنني أريد أن أحقق معهن قول الله عز وجل:" أبصر به وأسمع" أريدهن أن يعرفن الله، ليحببنه، وبالتالي ليهتدين.. وأسأل الله أن يجعل كل ما يهتدين له من خير على يدي في ميزان حسناتي وأن يتقبل مني ويرضى عني..
بل إنني ما استطعت أن أتخلص من" الرهاب الاجتماعي" الذي كنت أعاني منه إلا بهذه الطريقة، وتخيلوا من لا تستطيع أن تواجه الناس بل وتتجنبهم ما استطاعت، وإذا بها تعمل: مدرّسة، أي في مواجهة الناس دائما، لأ.. مش كدة وبس.. بل هي في مركز الضوء دائما.. كانت الأيام الأولى.. لا والله بل الأشهر الأولى عصيبة جدا: تعرق شديد، جفاف في الحلق، رجفة في اليدين والركب، رجفة في الصوت..... الخ.. لم يخرجني منها إلا حين وضعت الله عز وجل هدفي وغايتي من التدريس الذي أقوم به، وأنني أريد أن أحبب الطالبات به عز وجل وأعرفهن عليه ليحببنه وبالتالي يلتزمن شرعه.. حتى التزاماتي التي ألتزمها أون لاين، فإنني ألتزم مرة وعشرة لا، ولنفس السبب، حين يكون الله عز وجل هو محور تفكيري، فإنني ألتزم بل وأبدع، وأما حين يخرج الله عز وجل من محور التفكير فعندها تحدث الطامة..
بل إن أوّل موقف عبّرت فيه عن رأيي بحرية وكان مخالفاً لرأي زميلاتي– وذلك أيام الثانوي – كان أيضا بسبب الله عز وجل، فلم أطق أن أرى كل تقصيرنا يلصق بالله عز وجل بدعوى القدر، فلم أسكت يومها، مع أنني كنت لا أجرؤ على مخالفة زميلاتي، لأنني لا أريد أن افقد" الشلّة" بتاعتي، لكن يومها قلت الحق وليكن بعدها ما يكون!
ما قال لي رسول الله:" خذ الله إليك" إلا ليدلّني على الطريقة التي تجعلني أعيش حياتي مرتاحة وسعيدة، حتى ولو كانت كلها بذل وتضحيات..
حياتي كلها من أولها إلى آخرها ومن أكبر قضية فيها" كالزواج مثلا " إلى أتفه شيء فيها" ماذا سآكل.. مثلا" كم أكون مرتاحة وسعيدة وواثقة حين أجعل الله عز وجل محور تفكيري وهدفي وغايتي وحين أجعل شرعه هوالمقياس الذي أقيس عليه ما يصح ومالا يصح..
الحمد لك يا رب أن هديتني لتأويل هذه الرؤيا وفهمها، والحمد لك أن عرّفتني مفتاح شخصيتني، فلن أتخبط بعد اليوم بين مختلف النوايا، خلص.. عرفت نفسي.. وعرفت كيف أمسكها وكيف أوجهها.. وأرجو أن تتم نعمتك علي فتجعلني فعلا مثل أبي بكر: في الدنيا.. وفي الآخرة..
إذاً: اعرف مفتاح شخصيتك.. تعش سعيداً ومرتاحاً..
ولكن السؤال المهم الآن هو: ماذا لو اكتشفت أن مفتاح شخصيتك ليس الله عز وجل، بل أي شيء آخر، المال، الشهرة، النساء، أولادك.. أي شيء.. فما العمل؟؟
بالتأكيد ستكون المصيبة كبيرة، لأنه إذا بقيت هذه الأشياء إلى أن تموت هي مفاتيح شخصيتك، فعلى الجنة السلام.. ستخسر الآخرة، ومن قبلها الدنيا..
فما العمل ؟؟
هل تصدّق أن الله عز وجل راعى هذه الناحية، فلم يترك شيء من الأشياء التي يمكن ان تكون مفاتيح لشخصية ابن آدم إلا ووعده بها إذا التزم شرعه، وبذلك ساعد الله عز وجل ابن آدم ليغير مفتاح شخصيته فيجعله: الله..
كيف؟؟
ألم يعد من التزم شرعه بأشياء كثيرة: الجنة وفيها الحور العين، وما لذ وطاب من كل أنواع المتع واللذائذ مما نعرفه وكثيرا لا نعرفه.. وهذه لمن يضعفون أمام شهوات أنفسهم في الدنيا فإذا بها تقودهم بدلاً من أن يقودوها، بل إنه جعل المال في متناول الجميع في الجنة رغم انعدام قيمته الشرائية، ألم يجعل حصباء الجنة" اللؤلؤ والياقوت" وبنى قصورها من الذهب والفضة؟؟
ألم يعد الله عز وجل من يذكره في الدنيا بأن يذكره هو في الملأ الأعلى، وكلّما وسّع ابن آدم الدائرة التي يذكر الله فيها، وسّع الله تعالى الدائرة التي يذكره فيها في الجنة؟؟ " إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه" .. وهذه لعشّاق الشهرة.. وهكذا..
وأما إن كان أولادك هم مفتاح شخصيتك وهم أغلى شيء عندك، فقد جعل الله عز وجل حسن تربيتهم سبيلا لك إلى الجنة إن أحسنت تربيتهم وتأديبهم على أخلاق الاسلام ومبادئه، وسواء كانوا ذكوراً أم إناثا، بل لقد جعل أعمارهم امتدادا لعمرك فكل ما يفعلونه من خير نتيجة تربيتك الصالحة هو في ميزان حسناتك، بل إنك إذا فقدت أحدهم وهو صغير واحتسبته عند الله تعالى، جعله الله سبيلاً لك إلى الجنة.. وهلمّ جراً...
إخوتي.. هل بعد هذه الوعود والتي هي من الله عز وجل الذي" لا يخلف الميعاد "، هل من متقاعس عن أن يجعل الله عز وجل هو مفتاح شخصيته؟؟
وفي النهاية أوجه دعوتي لكل من يقرأ هذه المداخلة:..
اعرف مفتاح شخصيتك.. ثم وجهها لله عز وجل.. تعش سعيداً ومرتاحاً..
اقرأ أيضاً على مجانين:
يوميات مجانين: الاستماع لسورة طـه / ما وراء الأحداث كلاكيت 1426مرة / حكايات صفية: نسيم أهل الحجاز / حكايات بنت الفرات: مدارس ماريا