في غرفتنا الدافئة، وبينما نحن نتحدث بهدوء، لفت نظرنا ابننا البكر ذو الأربع سنوات يلعب ببعض السيارات الصغيرة والألعاب المختلفة بهدوء ويصدر أصواتاً طبيعية غير حادة وهو يقوم بالأدوار المختلفة للشخصيات الخيالية التي تؤدي مسرحيته التي يمثلها. لفت نظري لطف طريقته وهدوء صوته والجو الساكن الذي يسود الغرفة فحمدت الله عز وجل أن من علينا ببعض المعرفة. حيث كان هذا الطفل ذاته قبل حوالي الشهرين يعلب بطريقة عنيفة وبأصوات مزعجة حتى لو كان وحده. فالشخصيات الخيالية كانت إما وحوشاً أو أشراراً (يريدون تدمير العالم)، وهذه ليست جملة من ابتكاري بل هي إحدى الجمل التي تتردد في البرامج الكرتونية المشهورة.
أخبرت ابني أننا نحن الأبطال نريد تعمير العالم ومساعدة الناس وجلب الخير ولا نريد أن نكون أشخاصاً سيئين لندمر العالم. ولكني بقي هذا التعبير يزعجني فعقدت اتفاقاً معه على أن نتوقف عن مشاهدة قنوات معينة والاكتفاء ببعض القنوات الأخرى الهادفة ولمدة محددة. ومع أنني أغيب عن المنزل نصف النهار لثلاثة أيام في الأسبوع يبقى حينها في المنزل إلا أنه نفذ الأمر حتى في غيابي ولم يوافق على تغيير القناة المسموح بها إلى قناة أخرى غير مسموح بها.
تدفعني هذه التجربة للتذكير ببعض النقاط المهمة في موضوع التلفاز:
1- إن تحديد مدة معينة للمشاهدة توجد للطفل مساحة كافية من الوقت لممارسة أنشطة وألعاب أخرى يعيش من خلالها في عالمه الخاص ويكون له حرية الاختيار والتحكم بطريقة اللعب ووسائلها خارج ضوابط تنظيم المدرسة وبرمجة وتنظيم التلفاز. فالوقت الحر للطفل هو المساحة التي تسمح له بالإبداع وبالابتكار.
2- ينسى الكثير من الآباء تقديم البديل عندما يمنعون أبناءهم من ما يجدون فيه الضرر. عندما تقدم لابنك البديل فأنت بذلك تسهل عليه طاعتك. قدم له قصصاً ومجلات وادعه إلى مشاركتك القراءة بعد إطفاء التلفاز لأن القراءة تشتمل على شكل مركب من النشاط العقلي، فهي تدرب العقل على مهارات التركيز، وتنمي قدرات الخيال والتصور الداخلي. إن القراءة تستحوذ على الفكر والانتباه، لكنها لا تنوم مغناطيسياً أو تشغل القارئ عن مسؤولياته الإنسانية كما يفعل التلفاز. أنت بذلك تمنعه عن إدمان التلفاز ولكنك في نفس الوقت تشبع حاجته إلى التخيل والمعرفة.
3- إن كان من الصعب منع التلفاز نهائياً في هذا الزمن فلم لا نشدد الرقابة على ما يشاهده أطفالنا ونبقي أعيننا مفتوحة وآذاننا منصته لما يسمعه. ولا نتجاهل بعض الجمل التي تخترق بيوتنا وغرفنا وتستأصل ما نزرعه في هذه العقول الصغيرة من إيجابية وحب الخير ومساعدة الآخرين وتمثل الأخلاق العالية. تتردد على ألسنة بعض الشخصيات الكرتونية في إحدى قنوات الأطفال المشهورة بعض العبارات التي تحتوي على مضمون جنسي لا يتناسب بشكل من الأشكال مع أخلاقنا وقيمنا. ومع ذلك وللأسف ترى أن الآباء يثنون على جمال برامج هذه القناة (وخفة دمها) ويوافقون بدون أي ضابط على مشاهدتها. ثم بعد بضع سنوات سيتساءلون من أين لأبنائنا بهذه القدرة على الجرأة و(الوقاحة).
4- إن الملاحظة المستمرة لسلوك الأبناء تعطينا فكرة عن تفكيرهم ومشاعرهم فمن النادر أن يقول طفل في الرابعة لأمه: أنا متحمس، أو أنا منشرح، أو منزعج... إلا أنه يبعث برسائل واضحة من خلال سلوكياته وطريقة لعبه وانسحابه أو اندماجه في مجموعات الأطفال تدل على مشاعره. ومن طريقة لعبة الحر نستطيع فهم الكثير عن شخصيته وميوله ومخاوفه ورغباته. ومن خلال اللعب أيضاً نستطيع إيصاله إلى المبادئ التي نرغب بغرسها في شخصيته ثم تطبيقها في سلوكياته.
أنا أوقن أن الكثير من الآباء لديهم مخاوف تجاه ما يشاهده أبناءهم على هذه الشاشة لكن عجلة الحياة السريعة تبرر لهم الحاجة لإبقاء أولادهم صامتين وهادئين بعض الوقت. دعونا نواجه مخاوفنا ولا نتجاهل وجودها فهي جرس الإنذار للخطر المحدق.
واقرأ أيضاً:
المقترحات العشرة في تنمية مواهب الأطفال / .... حتى لا يشتري أطفالنا أدمغتهم!! / إدمان الأطفال ....على الألعاب الإلكترونية مشاركة