من الصعب أن تتفحص مقالاً أو تستمع إلى حديث ثقافي، بل وحتى سياسي إن لم تسمع إشارة صريحة مباشرة أو غير مباشرة إلى الحب. لكن الحب الذي يثير اهتمام البشر في حياتهم اليومية هو الحب كما نعرفه بين ذكر وأنثى بعد مرحلة البلوغ، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هو تعريف الحب؟
ربما التعريف الذي لا يصعب إدراكه هو أن الحب نقيض الكراهية. كذلك يمكن القول بأن الحب تعريف لتجربة شخصية للإنسان حين يعشق امرأة والعكس صحيح للأنثى. هناك من يعرف الحب فقط بأنه العاطفة والرعاية التي يشعر بها الإنسان تجاه إنسان آخر، ويضيف البعض الانجذاب جنسياً. بعبارة أخرى يمكن القول بأن مثلث الحب هو: العاطفة، الرعاية، والانجذاب الجنسي.
هناك في الحقيقة تعاريف أخرى لا عد لها ولا حصر في مختلف الثقافات والملل، ولكن الإغريق القدامى قسموا الحب إلى ثلاثة أصناف:
1- الحب الأخوي Agape
2- حب المعرفة Philein
3- الحب الجنسي Eros
هذا التعريف لحكماء الإغريق يدركه ويستعمله الكثير من الناس، ولكنه في نفس الوقت لا يعني بأن الإنسان يكتفي بصنف من الحب دون آخر، ويبقى الحب الجنسي هو الذي يثير فضول العلم.
أبعاد الحب النفسية الاجتماعية
هناك اتفاق شامل على أن أبعاد الحب النفسية الاجتماعية تكاد تكون ثابتة في مختلف الثقافات ويتم تصنيفها كالآتي:
1- بُعد التركيز ويقصد بذلك اهتمام كبير يشغل فكر الإنسان في من يحبه، ويشغل حيزاً واسعا من اهتمامه بأمور الحياة والأخرين بصورة عامة.
2- بُعد التزام عاطفي ويعني بذلك مشاعر قوية في داخل الإنسان تجاه من يحبه.
3- بُعد التصاعد Altitudinal ويعني ذلك إحساس الإنسان بمشاعره القوية بصورة أو بأخرى.
4- بُعد معرفي وهو تفكير الإنسان بمن يحبه.
5- بُعد الإقدام ويعني بذلك اتخاذ خطوات ما تجاه الإنسان الآخر.
6- بُعد مشاهدة وهو حرص الإنسان على مشاهدة من يحبه.
7- بُعد سلوكي يتعلق بالتعبير عن مشاعر الحب.
8- بُعد التواصل وهو محاولة الإنسان إيصال مشاعره إلى الإنسان الآخر.
9- بُعد التفاعل ويعني تفاعل الإنسان مع من يحبه.
هذه الأبعاد بحد ذاتها تكاد تكون بديهية للقارئ، ولكنها في نفس الوقت تعكس حقيقة الحب في الحياة، ولكن ما هو جدير بالملاحظة هو عدم الإشارة إلى المشاعر الجنسية بصورة منفردة لأنها تدخل ضمن بُعد التفكير والعاطفة وتصاعد شدة المشاعر. في نفس الوقت يسعى الإنسان لعمل شيء ما تجاه هذه المشاعر ومحاولة حسمها مع التقرب والتفاعل والتعبير عن مشاعره لمن يحبه.
يمكن القول بأن الأبعاد أعلاه تمثل مقطعا عرضياً لتجربة الحب أو تجارب الحب، وغياب بُعد أو آخر يعني عدم وجود الحب أو نهايته. في نفس الوقت من المتوقع أن تستمر هذه الأبعاد في فعاليتها بدرجات مختلفة مع مسار طولاني لتجربة ناجحة. الأبعاد الثلاثة الأخيرة (سلوك، تواصل، تفاعل) تلعب دورها الحيوي في استمرار علاقة حب بين رجل وامرأة، وغياب أو فتور أحدها أو جميعها ينذر بنهاية الحب.
الأبعاد الثلاثة الأولى (تركيز، التزام عاطفي، ارتفاع، تفكير) تمثل بداية تجربة الحب التي يمر بها الإنسان، واستمرارها لفترة طويلة دون الأبعاد الأخرى لا تمثل سوى تجربة حب فاشلة قد يتمسك بها الإنسان لتجاوز أزمات نفسية في داخله أو عصاب لم يقوى على التخلص منه.(1)
عبر الكثير من الأدباء والفلاسفة عن الحب وطبيعته ومساره، ولكن وصف الفيلسوف الأسباني Jose Ortega Y Gasset ربما أفضلهم ويعكس الجانب الإيجابي لتجربة الحب في قوله: يكشف كل من الذكر والأنثى عن طبيعتهم الأساسية في اختيارهم للعشاق. نوع الإنسان الذي نفضله يكشف عن ملامح قلبنا. هذه المقولة ليست مجرد مقولة عاطفية، ولكن لها أبعادها النفسية والمعرفية وتوضح ما توصل إليه العلوم النفسانية في دراسة الحب وعلاقته بتجارب الإنسان، شخصيته، وتفاعله مع من حوله.(2)
ملاحظات
1- يثير موضوع الحب العذري فضول الكثير وخاصة في الأدب العربي. صدر كتاب في الحب والحب العذري عام ١٩٦٨ للكاتب الراحل صادق جلال العظم الذي شكك في مصداقية هذا المفهوم وفي انتقاده للنصوص الأدبية والتاريخية.
2- In their choice of lovers, both the male and female reveal their essential nature. The type of human being which we prefer reveals the contours of our heart.
ويتبع>>>>: روايات الحب التحليق في الفضاء الرومانسي
واقرأ أيضاً:
ما هو القلق؟ / اضطراب الحزن المطول