إغلاق
 

Bookmark and Share

السياسة ولغة الشارع: .. فى الهرْْدَبِيزْ (3 من 3) ::

الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 31/05/2008


الوعي الشعبي غير التراث الشعبي

التراث الشعبي هو الذي أشرنا إلى بعضه في التعتعين السابقتين (يومية العتاب على الشعب 2-3)، (يومية السياسة واللغة الشبابية والتراث الشعبى 1-3)، وهو ما يظهر في مثل قديم، أو موال ليس له مؤلف؛

أما الوعي الشعبي: فهو حركية وعى عموم الناس "هنا والآن"، تلك الحركية المسئولة عن إفراز تلك اللغة الجديدة الغريبة التي تنطلق في طلقات رمزية، أو سخرية حكيمة، أو حتى أغنية هابطة (ولا مؤاخذة)، تنطلق بإيجاز مفيق، وبدلا من الإنصات ومحاولة الفهم، نفاجأ بأن كل من لا يعرف هذه اللغة يتخذ منها موقف الحكم، والشجب، والتعالي، وخاصة المثقفون، والوعاظ، وأهل السلطة، وكبار السن، وكافة من عين نفسه وصيا على حركية وعى الناس في الشارع خاصة، وعلى وعى الشباب أكثر.

ما شأن هذا بالسياسة، والحكومة التي تمارس السياسة في غير أوقات العمل الرسمية، وهى لا تعرف أصلا شيئا اسمه "الوعي الشعبي". "وعى" يعنى ماذا؟ و"شعبي، عيب كذا.
اسأل مسئولا عن كلمة "وعى" ماذا تعنى عنده وستجده يشير غالبا إلى أنه: عليك أن "تأخذ بالك" مما يمكن أن يجرى لك إذا خطر لك أن الأمور هي كما هي، لأن الأمور هي كما تراها الحكومة وتبلغك عنها أولا بأول، وليست "كما هي"، فإنْ لم تأخذ بالك بهذه الطريقة، فإن معنى ذلك أنك لست "واعيا" بما قد يضر صحتك السياسية والأمنية.

أما في مؤسسة ما يسمى الحزب الوطني (كمثال: وهى مؤسسة للمصالح الخاصة، ولا تهدف للربح العام أي للاشتغال بالسياسة) فإنهم لا يهتمون بتفسير كلمة "وعى" أيضا، ويركزون على تعريف من هو "الواعي"، تحديدا، فالواعي في هذه المؤسسة هو الذي يعرف طريقه، ويحذق اتصالاته، ليتمكن من الفوز بترشيحه في المجلس المحلي، أو المحل المجلسي، تمهيدا لاحتمالات ترقيته للجلوس على نَـفَس الشعب في مجلسه.

كلمة الشعب، بالنسبة لأغلب حكامنا المجتهدين هي كلمة أوضح وأكثر تحديدا: "الشعب" هو صاحب المجلس الذي يسمى "مجلس الشعب"، وهو المجلس المكلف بإلغاء دور الشعب، فيما يهم الشعب.
هل هناك ما هو أوضح من ذلك ؟
وهل هناك أدعى للشباب (والناس "البيئة") أن يخترعوا لغتهم الخاصة الجديدة؟
تنشأ هذه اللغة كما نشأت الحكم والأمثال قديما- مصادفة، أو إثر حادث غريب مشهور مثير (لأمرٍ ماَ جَدَعَ قصيرٌ أنفَه!!) أو مقتطعة من مقطع أغنية، أو من مشهد في فيلم، فيكررها البعض في مواقف دالة، ثم يتداولونها، ثم تنفصل عن أصلها، ثم تصير لغة لها دلالاتها.

من هنا جاءتني فكرة أن أعرض على أهل الحل والربط أن نتعلم السياسة معا ونحن ننصت إلى بعض مغزى هذه اللغة التي تترجم حركية "الوعي الشعبي" هنا والآن، بدلا من التعالي عليها ورفضها ابتداء.

وفيما يلي قراءة "سياسية" لبعض أبجدية هذه اللغة:
0 كبّر.... (اختصارا لتعبير "كبّر دماغك"، وأشياء أخرى):
كلمة واحدة، فعل أمر: "كبّر..."، نتعلم منها أن الناس قد فاض بهم، وأنهم انسلخوا عن الحكومة وما تفعل وما تزعم، كلمة تنصحك أن تكبر دماغك أو جمجمتك، وتوفر وقتك للبحث عن الحلول الذاتية، المشروعة وغير المشروعة.
فَهْمُ دلالة هذه الكلمة تفصيلا يعتمد على الموقف الذي تستعمل فيه: خذ مثلا الموقف الأخير لانتخابات المجالس المحلية، ألا تفسر هذه الكلمة "كبّر..." العزوف عن المشاركة في الانتخابات؟ وأن الناس قد تبادلوا هذه الطلقة "كبّـر..."، وانصرفوا لمصالحهم بعيدا عن هذه الصغائر التمثيلية المعادة؟. ألا يصلح ذلك تفسيرا سياسيا لهذا الموقف أفضل من اتهام الشعب باللامبالاة، وعدم الانتماء والسلبية.... إلخ.

0 إنسَ..
فعل أمر آخر، منتهى الإيجاز، يعنى سياسيا ألا تأخذ كلام بيانات الحكومة أو أرقامها مأخذ الجد، حتى لا تصاب بالإحباط السياسي والبله التفاؤلي.

0 هات مالآخر
هو تعبير مفيد أيضا لو ترجم سياسيا، فهو يلخص موقف الناس من كل ما يصلهم من كلام عن الخطط الخمسية والعشرية، والخمس وعشرينية، وعن ارتفاع الدخل القومي، ومعدل نصيب الفرد من كذا وكيت، هو تعبير يطلب تحديد كيف يمكن للشخص العادي أن يترجم كل هذا: في البيت، وأمام المخبز، ومصاريف الدروس الخصوصية، والمواصلات، هاتى من الآخر يا حكومة، وقولي لنا: إذن ماذا؟

0 وأخيرا يمكن أن نستمع للشارع وهو يلخص الموقف السياسي كله بأن:
الحكومة ".... جابت جاز"
كدت أسمع أحدهم يقول لخطيب رسمي جدا مهم جدا:
"ما تفرشهاش سيراميك"
فيرد عليه جاره المستمع لنفس الخطاب:
فوّت فوّت، ما هو كله:
"في الهردبيز"
وهل يحتاج ذلك إلى شرح سياسي أكثر

اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية: حاول ألا تفهم...! / تعتعة:الحلم والشعر والواقع والسياسة
 / تعتعة: فحتى المحاكاة ليسوا لها / تعتعة لطبيب النفسي، ومفهوم "الإنسان"1 /  تعتعة سياسية يا رب سترك / تعتعة سياسية تجاوز للعلم..ووشم للمرضى! / تعتعة نفسية هل توجد عواطف سلبية؟ / تعتعة نفسية: عندك فصام يعني إيه(2) / تعتعة نفسية عندك فصام يعني إيه؟ / تعتعة نفسية: أنا عندي إيه يا دكتور؟ / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(3) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(2) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(1) / تعتعة سياسية: الشعب المصري ملطشة / حركية الناس بين النت والشارع / تعتعة: التغابي حيث لا داعي للتحايل!  /  يا هنود العالم الحُمْر، اغضبوا أو انقرضوا..! / تعتعة سياسية حتى لو أجهضوها ألف عام!  / استحالة الممكن وحتمية المستحيل / أدنى من النمل الأبيض!!! / يا هنود العالم الحُمْر، اغضبوا أو انقرضوا..! / تعتعة: التغابي حيث لا داعي للتحايل! / تعتعة سياسية: حاول ألا تفهم...! / تعتعة:الحلم والشعر والواقع والسياسة / تعتعة : فحتى المحاكاة ليسوا لها / صرح بأي شيء تقرره ستجد من يبرره!! / وبرغم الأسئلة التآمرية / كفر الزيات ـ"جوجل" ـ أمستردام (وبالعكس)/ تعتعة سياسية: والله العظيم البنت معها حق! / تعتعة سياسية: أبدا كنت أمزح!! / أولادنا! والحزب الوطني. الإخواني (وبالعكس) / ست الناس.. والدستور.. والمواطنة!! / النادي الأهلي.. وهل هم يكذبون؟؟! / أسئلة ممنوعة، وإجابات مرفوعة!!!! / تعتعة سياسية: استقالة وزير / تعتعة سياسية: ثقافة السلام وثقافة الحياة!!! / .... تشربها مادامت إنت ماليها !!!!(11) / فضيلة‏ ‏الدهشة  / الدهشة طريق إلى الله / ما هو لازم إني أزعل!! أغنية للكبار خارجنا.... / توتا توتا، واهي خلصت مني الحدوتة!  / الطفل‏... سلطان زمانه لمَ لا نعلمه الرحمة  / الإدارة الأمريكية للدين العالمي الجديد / الإدارة الأمريكية والدين العالمي الجديد 2 / غسيل المخ.. والوعي البشري الجماعي الجديد / قلمي وأنا.. والسياسة والطب / الدين العالمي الجديد! هيه..!وضحكت عليك!! / قبلات وأحضان، وحوار الأديان / صيد الأحاسيس، وذباب الكلمات في معرض الكتاب  / خليَط من الرأي والشعر: قوة النظام في ضعفه / أحب المؤرخين، ولا أثق في التاريخ / الشعور بالذنب في السياسة والحرب / سياسة دي يا يحيى؟!؟!  / تخثُّر الوعي الوطني (والثقافة) / الحلول الذاتية: "نعمل إيه"؟ "نعمل جمعية"!! / من كلِّ صوبٍ وحدبْ، من كل دينٍ ودربْ / .. شم النسيم..  

نشرت في الدستور بتاريخ 16-4-2008



الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 31/05/2008