إغلاق
 

Bookmark and Share

اختزالٌ لا يليق برمضان وصومه! ::

الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 20/08/2009


عن الصوم وتبريره الشائع نقول: المسألة أننا تنازلنا عن علاقتنا المباشرة بالدين والإيمان، لصالح علاقتنا النفعية بالصحة والفوائد الظاهرة العاجلة. بما في ذلك ما يسمى الصحة النفسية. كنت لا أريد أن أكرر ما سبق أن قلته في أكثر من مناسبة رمضانية من قبل، لكن ما العمل؟ فبمجرد أن يهلّ هلال رمضان المبارك، يغرقوننا بنفس النصائح المتعجلة، والتأويلات السطحية، بلا انقطاع، حتى العيد؟.

العبادات هي مفاتيح الوعي إلى المطلق، إلى وجه الحق سبحانه وتعالى، إلى الإحسان (الذي هو مرتبة أرقى من الإسلام والإيمان). الإحسان، كما علّمنا الحديث الشريف، هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك، وأنت صائم بحق، لا تستطيع أن تفطر في السر لأنه يراك، ربما لهذا فإن الصوم –بالذات- هو له تبارك وتعالى، وهو يجزي به.

الإيمان الفطري يتجلى في الأديان عبادات وعقيدة، فإن كانت العقيدة تخاطب العقل الظاهر كما نعرفه، فإن العبادات تعرض نبض الإيمان بانتظام وتكرار على الوعي الأشمل جسداً وحركات وإيقاع حيوي. من هنا يكون الاقتصار على تبرير العبادات من خلال إقناع العقل البشري بنفعيتها المحتملة الجاهزة هو تجاوز لقنوات التواصل الأخرى مع الوعي الكوني الذي نكدح من خلاله إلى وجه الحق سبحانه، لنلاقيه.

لا فائدة من العبادة إلا العبادة نفسها، لا أكثر ولا أقل. نحن نصوم لأن ديننا قال ذلك، وبنى عليه. حركات الصلاة ليست رياضة بدنية، وصوم رمضان ليس علاجاً لضغط الدم والسكري، الاجتهادات النفسية التي تشير إلى فائدة الصوم في تقوية الإرادة أكاد اقرأها باعتبارها فكاهة طيبة، لا أكثر. الزعم بأن الجوع يجعلنا نشعر بجوع الفقراء يبطل تماماً على مائدة الإفطار الزاخرة بكل ما لا تحلم به معظم الطبقة الوسطى، وأنت نازل.

مرة أخرى أنا لا أنكر حسن النية وراء اجتهادات الزملاء وهم يعددون فوائد الصوم على علاج البدانة والصداع، وآثار التدخين، والنقرس، والقرحة المعوية... لكني أدعو لي ولهم بالهداية والارتقاء إلى ما يمكن أن نرقى به وإليه، بالصوم وغير الصوم من العبادات الصحيحة والممارسات الأعمق التي تهذّب الوعي وتنقيه لإبداع أجمل ما في الوجود في علاقتنا بأنفسنا، وببعضنا البعض، نحو الحق سبحانه وتعالى.

نحن نصوم لأننا نصوم لله، وهو سبحانه وتعالى يجزي به، لا أكثر ولا أقل، الناس تحتاج إلى الإيمان لتصوم، كما تحتاج للصوم لتزداد إيمانأ. أما كل ما عدا ذلك من تبرير، وتأويل، وتفسير، ورشاوى صحية، فهو اختزال لا يليق، مهما حسنت النوايا.

اقرأ أيضا:
تعتعة نفسية: المجنون لا يفعل مثل هذا!!! / تعتعة نفسية: كيف تعمل العقاقير النفسية (2) / الحق في الفرحة وسط المصائب، والأحزان!! / الزمن والتاريخ، ومعنى ما هو: أوباما / غزة، والبشرُ خلايا المخ العالمي الجديد!! / دعوة إلى: الوعي بما تملك (2/أ) / الحذاء الطائر، والبصقة العالمية، ومسؤولية الفرحة / نجيب محفوظ: بداية بلا نهاية / متواطئــون!!! / قبلات وأحضان، وسط الدماء والأحزان  / أتعلم من بني كيف أنهزم بشرف وشجاعة؟ / "دورية" محفوظ بين ملحمة الحرافيش، وملحمة غزةلكنّ دَسَّ السم في نبض الكلامْ: قتلٌ جبانْ  / تعتعة سياسية: هل أنت مثقف؟ / النظام العالَمي القَـبَـلي الجديدْ: آلهةٌ وأنعام!! / الوصايا العشر، لحكّام العصر، في بر مصر / تعتعة... الآخرون / تعتعة: لؤلؤة غامضة وسط كومة قش مشبوهة!! / تعتعة: معنى آخر لـ: "حسن نصر الله"!! / تعتعة: الوطن: وعيٌّ يتشكل!! إياكم أن يتخثَّرَ / تعتعة: تحديث أرجوزة: عن المفاوضات وخطة الطريق / تعتعة:‏ ‏هل ماتت الدهشة فينا من فرط الاستقرار؟ / تعتعة: أغنية إلى الله: حزنٌ جليلٌ، وشعبٌ جميلْ!!

نشرت في الدستور بتاريخ 5-10-2005 



الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 20/08/2009