إغلاق
 

Bookmark and Share

دعوة إلى: الوعي بما تملك (2/أ) ::

الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 03/02/2009


دعوة إلى: الوعي بما تملك!! (1)

انتهت التعتعة السابقة إلى وعد بشرح فقرة أن "إللي ماعندوش دا عنده، لأْ، وغيره مايلزموش"، وسوف أمضي في ذلك بكل حذر، منتبهاً ما أمكن إلى خدعة الترويج للرضا الخائب والزهد الكذاب.

أنتمي –جزئياً على الأقل- لمدرسة نفسية اسمها مدرسة "العلاقة بالموضوع" وهي مدرسة تتجاوز التحليل النفسي الفرويدي خاصة، وتركز على أن ما يضبِط، وينظّم، ويحفِز خطوات النمو البشري، منذ الولادة، هو كيفية التدرج في علاقاتنا "بالموضوع"، هذا يعني أساساً "علاقاتنا بالآخر"، أي: بإنسان آخر، بدءاً من الأم، لكنني في ممارستي الطويلة انتبهت إلى أن "الموضوع" يمتد ليشمل أي موضوع يمكن أن نوجه إليه طاقة الحياة وهي تحمل "ما تيسر من معنى" (ضد الاغتراب)، يشمل ذلك العمل ذا المعنى، والطبيعة، والأشياء. وكلما توثقت علاقة مريضي بأي من ذلك (إنسان آخر، أو عمل ذي معنى... الخ) احتاج لجرعات أقل من الأدوية المثبطة حتى ينطلق في معاودة مسيرة حياته، فيستغنى عني وعن الأدوية.

هذه المقدمة ضرورية قبل أن ندخل إلى البحث في مسألة "المال باعتباره "موضوعاً" حياتياً له دلالته (النفسية! أيضاً) في مسيرة الإنسان:
إلى أي قدر يمكن أن يكون الأمر كذلك؟ ولماذا لم يهتم النفسيون بدراسة "العلاقة" بهذا "الموضوع" (النقود) بشكل جاد وتفصيلي؟ هل هو ثانوي؟ أم أنه الهرب؟
خطر كل ذلك ببالي وأنا أحاول الإجابة أول أمس عن تساؤلات مذيع نابه (قناة OTV "برنامج البورصة اليوم") عن التأثيرات النفسية على الفرد والمجتمع إثر هذه الهزة (أو الكارثة) الاقتصادية التي يمر بها العالم. حاولت في إجاباتي أن أبين أولاً أن البديهة العادية تستطيع أن تجيب عن معظم الأسئلة إذْ هي لا تحتاج إلى متخصص، حاولت أيضاً أن أميّز بين التفاعلات المحتملة عند المستثمر الكبير، والمستثمر الصغير، منتبهاً إلى أن كل (أو أغلب) الصغار المساهمين في البورصة –في بلدنا على الأقل- ليس عندهم فكرة عن كلمة "البورصة" أصلاً وما تعني، هم لا يعرفون قواعدها ولا قوانينها، ولا أحاييلها، ولا ألاعيبها، ولا حركاتها، هي بالنسبة إليهم أقرب إلى المقامرة أو ربما إلى شركات توظيف الأموال.

أما الكبار فهم لا يخسرون فقط فمن يخسرون، وإنما يخسرون ما كانوا يطمعون فيه، ليس في البورصة وإنما في عمق جشعهم، فالذي يخسر مليون جنيه وهو يضارب في خمسة ملايين يخسر –نفسياً- خمسين مليوناً كانوا في أعماقه. وحين سألني المقدم الفاضل عن سر كل هذا الجزع، اجتهدت أن أقول: إن هذه الأحداث تعرّي الطبيعة البشرية، بل الطبيعة الحيوية، فيما يتعلق بـ "الخوف من الموت جوعاً"، وحين تعجب المقدم الكريم، صعب عليّ أن أشرح أكثر، كيف يكون داخل ملياردير مثلاً هذا الخوف البدائي من الموت جوعاً.
تصورت وأنا في طريقي عائداً أن الوعي بالمال (بما أملك) كموضوع لا بد أن يرتبط ببعد أخلاقي (وربما دينيّ) بشكل ما، وتذكرت أن ما يسمى "سياسة السوق" ليس بها أخلاق أصلاً، بل إن من يدخلها، وينسى أن يترك كل مكارم الأخلاق خارج السوق، لا بد أن يخسر ما وراءه وما أمامه، ثم تراجعت عن هذا التعميم وقلت "إلا نادراً".
أنا لا أقصد بالأخلاق ذلك البعد الترهيبي المثالي، بقدر ما أقصد الأخلاق التي تعود على صاحبها بما يستحق حالة كونه بشراً سوياً، فتعود على الناس بما يكرمه قبل أن يكرمهم.

وبعد:
إذا كنت قد تجنبت أن أخدع من ليس عنده (اللي ما عندوش) بأن أذكره بأنه يمتلك عينين يرى بهما، وأنه يمشي على قدميه وكلام من هذا، فماذا عندي أوضحه أكثر من ذلك لمن ليس عنده، حتى يعي به، فيفرح، وماذا عندي أقوله لمن عنده حتى يكون إنساناً بحق؟ هذا ما أرجو أن أواصل تقديمه.

اكتشفت مؤخراً ثروات مجانية أخجل أن أوصلها للناس، خاصة "من ليس عنده"، وأشعر أنهم إما سيسخرون مني ولسان حالهم يقول "خلّ الهم لأصحابه" أو ربما "إحنا في زفت ولا في شم ورد"، لكنني أيضاً حين أحبسها أشعر أنني غير أمين لأني أحتكر ما لا يحق لي احتكاره (ما دامت ثروات).
مجرد عناوين الثروات (شطحاً):
أولاً: ثروة أن تعرف جديداً (تعرفه لا تتباهى به فقط).
ثانياً: ثروة أن تُحِب (بكسر الحاء) دون استئذان (وبدون انتظار أن يحبَّك المحبوب، أو حتى أن يعرف أنك تحبه، حتى لو لم يكن يستأهل حبك).
ثالثاً: ثروة أن تستغني (ربما لأنك تكتشف أنك لست في حاجة حقيقية إلى ما كنت تريده!).
رابعاً: ثروة أن تملك –سرّاً– ما لم تملكه –فعلاً- (وهذا أصعب من أن يوجز، فانتظرونا).

اقرأ أيضا:

تعتعة سياسية: حاول ألا تفهم...! / تعتعة:الحلم والشعر والواقع والسياسة
 / تعتعة: فحتى المحاكاة ليسوا لها / تعتعة لطبيب النفسي، ومفهوم "الإنسان"1 /  تعتعة سياسية يا رب سترك / تعتعة سياسية تجاوز للعلم..ووشم للمرضى! / تعتعة نفسية هل توجد عواطف سلبية؟ / تعتعة نفسية: عندك فصام يعني إيه(2) / تعتعة نفسية عندك فصام يعني إيه؟ / تعتعة نفسية: أنا عندي إيه يا دكتور؟ / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(3) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(2) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(1) / تعتعة سياسية: الشعب المصري ملطشة / حركية الناس بين النت والشارع / تعتعة: التغابي حيث لا داعي للتحايل!  /  يا هنود العالم الحُمْر، اغضبوا أو انقرضوا..! / تعتعة سياسية حتى لو أجهضوها ألف عام!  / الدين العالمي الجديد! هيه..!وضحكت عليك!! / قبلات وأحضان، وحوار الأديان / صيد الأحاسيس، وذباب الكلمات في معرض الكتاب  / خليَط من الرأي والشعر: قوة النظام في ضعفه / أحب المؤرخين، ولا أثق في التاريخ / الشعور بالذنب في السياسة والحرب / سياسة دي يا يحيى؟!؟! / تخثُّر الوعي الوطني (والثقافة) / الحلول الذاتية: "نعمل إيه"؟ "نعمل جمعية"!! / من كلِّ صوبٍ وحدبْ، من كل دينٍ ودربْ / .. شم النسيم../ السياسة واللغة الشبابية والتراث الشعبي / السياسة ولغة الشارع: .. فى الهرْْدَبِيزْ (3 من 3) / السياسة ولغة الشارع: .. فى الهرْْدَبِيزْ (3 من 3) / "مؤامرة العولمة" و"عولمة المؤامرة" / برغم كل الجاري، مازال فينا: ".. شيءٌ مـَا" / لكنّ سيّد قومه المتغابي..!! / هل تنتحر البشريةُ "بغباءٍ انقراضي"؟! / أين الأزمة؟ صعوبة الأسئلة؟ أم نفاق الجميع؟ تعتعة سياسية: الامتحانات، وقيمة اسمها "العدل"! / تسويق "الإيمان" في "سوبر ماركت" العولمة!!!  / تعتعة سياسية: قصيدة اسمها: عبد الوهاب المسيري / بين دموع الشعب ونفاق الحكومة / تعتعة سياسية: تألّم: الصورة تطلع / العودة من المنفى: درويش، ذلك الشعر الآخر / تعتعة نفسية: الطبيب النفسي والفتوى الإعلامية / تعتعة نفسية: لا شكر على "تسويق" دواء جديد!! / تعتعة نفسية: المجنون لا يفعل مثل هذا!!! / تعتعة نفسية: كيف تعمل العقاقير النفسية (2) / الحق في الفرحة وسط المصائب، والأحزان!!

نشرت في الدستور بتاريخ 5-11-2008



الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 03/02/2009