إغلاق
 

Bookmark and Share

أين الأزمة؟ صعوبة الأسئلة؟ أم نفاق الجميع؟ ::

الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 17/08/2008


تعتعة سياسية: أين الأزمة؟ صعوبة الأسئلة؟ أم نفاق الجميع؟


كتبت في هذا الموضوع عدة مرات، وبالرغم من يقيني من أن العودة إليه لن تغير شيئا، فقد وجدت أن اشتراك إعلام المعارضة والحكومة (والمستقلين) في دغدغة مشاعر الناس صغارا أو كبارا، بدون مسئولية، هو نوع من اتفاقهم أخيرا(!!).

طالعتنا صحف الأربعاء 11 الماضي بعناوين وصور مثيرة، في الصفحات الأولى غالبا: عينا فتاة جميلتان، وبعض شعرها، الصورة تملأ ثلث نصف الصفحة الأعلى، والدموع تنساب على خديها، صورة تليق بالإعلان عن مسلسل لحبيبة شابة فقدت خطبيها في حادث سيارة!!، لكنك تفاجأ بالمكتوب تحت الصورة عن "اليوم الحزين بسبب صعوبة امتحان التفاضل وحساب المثلثات"، صورة أخرى لفتاة محجبة، جميلة رقيقة، تلبس عوينات أنيقة، وتضع يدها على فمها شاهقة وتحتها "طالبة تبكي من صعوبة الامتحان"، صورة ثالثة لأم وابنتها وكل منها تضع يدها على وجهها في جزع لم أر مثله إلا يوم وفاة جمال عبد الناصر. صورة رابعة لفتاة أحنت رأسها فلم يظهر وجهها ووضعته بين كفيها، تقف زميلتها بجوارها تواسيها وهي في أسى بالغ!! تحت عنوان "شكاوى بجميع المحافظات من صعوبة أسئلة التفاضل والتكامل" نجد تحته صورة خامسة لبنتين رقيقتين واحدة تضع يدها على فمها ووجها كله أسى!! والأخرى تضع يدها على عينيها في جزع ساحق، وتحت الصورة "صدمة وبكاء من صعوبة الامتحان!!"،

تسارع الحكومة بإصدار بيانات متلاحقة كأنها اعتذار واجب ومحاولة تصحيح "الخطأ"، وهي تعد بتعديل توزيع الدرجات وعمل اللازم: ترتفع التوسلات إلى الرئيس فيلوح في الأفق ما يشبه الوعد بالاستجابة، ولم يبق إلا أن يتعهد وزير التعليم ألا يعقد امتحانات من أصله.

يبدو أن بعض الأهالي قد أشفقوا على الناس مقدما، فسارعوا بحل المشكلة بالجهود الذاتية، من باب الوقاية من هذه الآلام النفسية، فنجد العنوان التالي في اليوم التالي ".. امتحان اللغة الإنجليزية يتم توزيعه على الأرصفة في محافظة كفر الشيخ، وورقة الأسئلة تخرج بعد خمس دقائق من بداية الامتحان للإجابة عليها وإعادتها للجان، (ويا دار ما دخلك شرّ) وفي صحيفة أخرى في نفس اليوم: "بيع نموذج إجابة امتحان اليوم بثلاثمائة جنيه". (عالبركة!!)

ما هذا بالضبط؟ ما الذي يجرى؟ ما الهدف؟ ما هو هدف صحف المعارضة، ما هدف الصحف القومية (وهل صحف المعارضة ليست قومية؟) أخيرا: تساوت الرؤوس وإن اختلف الهدف.

الحمد لله!!! يوم الجمعة يظهر عنوان في الصفحة الأولى أيضا تحت صورة طالبتين جميلتين ضاحكتين راضيتن هانئتين، يقول "البسمة عادت للثانوية"، ".. خرج الطلاب سعداء بأسئلة اللغة الإنجليزية ... إلخ"،

وأخيرا يظهر تحقيق في الدستور له دلالة ختامية يتساءل "هل يكون واضع امتحان التفاضل سببا في إقالة الحكومة" ولا أظن أن أحدا انتبه إلى إيجابيات ما جاء في هذا التحقيق على لسان أ.د. حسام بدرواي، برغم أنه من الحزب الوطني.

تساءلت في تعتعة الأسبوع قبل الماضي عن هذا الذي يدس مثل هذه "المقالب" لصناع القرار فيضعهم في مواقف حرجة تكاد تخل بتوازن الحكومة، وضربت لذلك مثلا حكاية قرار العلاوة ولحسها، أتساءل الآن: هل يجوز أن واضعي أسئلة التفاضل وحساب المثلثات هو من ضمن هذا الطابور الخامس الذي يعمل على إحراج أولي الأمر هكذا جدا؟.
أختم التعتعة بعنوان أخير، تحته صورة أم طيبة حزينة باكية تدفن ابنتها رأسها في صدرها، أجّلت الإشارة إليه لما فيه من بيان للدور النفسي – بالمرة- للوقاية من هذه الكارثة، يقول العنوان "مذبحة التفاضل والتكامل: دموع وانهيارات في لجان الامتحانات وخبير يطالب بإجراء اختبارات نفسية لـ"واضعي الامتحانات"، وتفصيل هذا الجزء الأخير جاء هكذا:

"من ناحية أخرى طالب "فلان" استشاري الطب النفسي بإجراء اختبارات وتقييم لواضعي الامتحانات في مصر من قبل لجنة تضم علماء نفس وتربية للتأكد من خلوهم من العقد النفسية، وتمتعهم بضمير حي، مشيرا إلى أن بعض واضعي الامتحانات، يعانون قهرا اجتماعيا ووظيفيا (ولم يشر طبعا أنهم لذلك "ينتقمون من الطلبة وأسرهم!" وفي نفس الوقت يحرجون الحكومة) أنا لا ألوم الزميل فلست متأكدا أن هذا نص كلامه، لكن الجو العام يبرر مثل هذه الآراء!!

هل يحتاج الأمر إلى تعليق؟
الجميع ينتظرون توجيهات الرئيس حفظه الله. فهو المنقذ في كل أزمة في آخر لحظة، فقط على المستشارين الأفاضل – رحمة بنا - أن يحددوا لنا وله أولا: ما هي الأزمة بالضبط؟
هل هي في صعوبة أسئلة التفاضل والتكامل وحساب المثلثات؟
أم في دلالة كل ما جاء في هذه التعتعة؟

نشرت في الدستور بتاريخ 18-6-2008

اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية: حاول ألا تفهم...! / تعتعة:الحلم والشعر والواقع والسياسة
 / تعتعة: فحتى المحاكاة ليسوا لها / تعتعة لطبيب النفسي، ومفهوم "الإنسان"1 /  تعتعة سياسية يا رب سترك / تعتعة سياسية تجاوز للعلم..ووشم للمرضى! / تعتعة نفسية هل توجد عواطف سلبية؟ / تعتعة نفسية: عندك فصام يعني إيه(2) / تعتعة نفسية عندك فصام يعني إيه؟ / تعتعة نفسية: أنا عندي إيه يا دكتور؟ / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(3) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(2) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(1) / تعتعة سياسية: الشعب المصري ملطشة / حركية الناس بين النت والشارع / تعتعة: التغابي حيث لا داعي للتحايل!  /  يا هنود العالم الحُمْر، اغضبوا أو انقرضوا..! / تعتعة سياسية حتى لو أجهضوها ألف عام!  / الدين العالمي الجديد! هيه..!وضحكت عليك!! / قبلات وأحضان، وحوار الأديان / صيد الأحاسيس، وذباب الكلمات في معرض الكتاب  / خليَط من الرأي والشعر: قوة النظام في ضعفه / أحب المؤرخين، ولا أثق في التاريخ / الشعور بالذنب في السياسة والحرب / سياسة دي يا يحيى؟!؟! / تخثُّر الوعي الوطني (والثقافة) / الحلول الذاتية: "نعمل إيه"؟ "نعمل جمعية"!! / من كلِّ صوبٍ وحدبْ، من كل دينٍ ودربْ / .. شم النسيم../ السياسة واللغة الشبابية والتراث الشعبي / السياسة ولغة الشارع: .. فى الهرْْدَبِيزْ (3 من 3) / السياسة ولغة الشارع: .. فى الهرْْدَبِيزْ (3 من 3) / "مؤامرة العولمة" و"عولمة المؤامرة" / برغم كل الجاري، مازال فينا: ".. شيءٌ مـَا" / لكنّ سيّد قومه المتغابي..!! / هل تنتحر البشريةُ "بغباءٍ انقراضي"؟!



الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 17/08/2008