إغلاق
 

Bookmark and Share

"مؤامرة العولمة" و"عولمة المؤامرة" ::

الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 07/06/2008


أثار‏ ‏إريك‏ ‏فروم (العالم النفسي الأشهر) في كتابه عن "تشريح عدوانية الإنسان 1973" ‏تساؤلا‏ ‏مزعجا‏ ‏يقول‏: ‏هل‏ مازال ‏الإنسان‏ ‏نوعا‏ ‏(حيويا) واحدا؟‏ ثم‏ ‏عرض‏ ‏احتمال‏ ‏أنه‏ ‏نظرا‏ ‏لاختلاف‏ ‏اللغات‏ ‏والألوان‏ ‏والأوطان‏، ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏استقبالنا‏ ‏لبعضنا‏ ‏البعض‏ ‏قد‏ ‏وصل‏ ‏إلى ‏اعتبارنا‏ ‏أجناسا‏ ‏متعددة‏، ‏لا‏ ‏جنسا‏ ‏واحدا‏.

لا أظن أن المسألة تتوقف عند اختلاف اللغات والألوان والأوطان ولا يكفى أن نعزوها لذلك، الجاري الآن عبر العالم يشير فعلا إلا اختلاف حاد بين فريقين من البشر، اختلاف لا يحدده تخريف السيد دبليو بوش بتقسيمه العالم إلى محور للشر ومحور للخير، (بحسابات دينية، عنصرية، عسكرية، استغلالية، مالية، فوقية)، وإنما يتحدد باختلاف نوعية الحياة وأهدافها ورقيها وتطورها. إن كان الأمر كذلك وهو غالبا كذلك- فلابد من دراسة متأنية لهذا التعدد النوعي داخل الجنس البشري، ربما يمكن أن يحدد كل منا إلى أي نوع ينتمي، ومن ثم يستعمل، ما دام أصيب بمحنة العقل والوعي، آليات التطور ومنجزات التاريخ للحفاظ على نوعه.

لقد توقفتْ معارف المتعجلين السطحيين عند قانون للبقاء تم نسخه عدة مرات يزعم أن "البقاء للأقوى"، ثبت مؤخرا (ليس مؤخرا جدا): أن "البقاء للأكثر تكافلا"، ليس فقط مع أفراد نوعه، وإنما مع سائر الأحياء، ثم أضيف قانون أرحب يقول "البقاء للأكثر تلاؤما مع محيطه بما فيه"، ثم أخيرا صيغ الأمر في صيغة أشمل تقول "البقاء للأذكى تآمرا"، ياه!! فالتآمر للبقاء طبيعة حيوية منذ بدء الخليقة، هذا ما بينه الكاتب الألماني "ماتياس بروكز" في كتابه "المؤامرة 11/9": أن المؤامرة في أصولها هي قانون (برنامج) بقائي حيوي! فلماذا كلما استعملناه أو اكتشفناه أو تحدثنا عن بعض آثاره علينا، اتهمونا "بالتفكير التآمري"، ونصحونا بأن كل ما علينا لكي نبقى أحياء هو أن نضرب تعظيم سلام لكل ما يصدر عن بابا نويل الأمريكي القاتل الفاجر الغبي، فهو أدرى بمصالحنا، ومستقبل أجيالنا القادمة؟

ما يجري تحت اسم العولمة (الأمريكية) هو مؤامرة ضد الحياة ليس لها أدنى علاقة ببرنامج التآمر البقائي الحيوي،.هذا ما عنيته بـ "مؤامرة العولمة" (الأمريكية)، هذه العولمة تحاول تشكيل العالم بقوانين ونظم صادرة من الأقوى (ظاهريا وليس بقائيا) يتصور أنها لمصلحته مع أن هذا الغبي يطبقها فعلا ضد مصلحته وليس فقط ضدنا (الأحياء تنقرض معا إذا تشاركت في الغباء الحيوي)، فهي مؤامرة سلبية مدمرة، وعلينا أن نعى أبعادها نحن الناس (الجنس الثاني).
ولا يفل المؤامرة إلا المؤامرة.

المؤامرة البقائية التي أدعو للوعي بها تتمثل في ما أتاحته لنا فرص التواصل التكنولوجية الجديدة عبر العالم، وهذا ما أسمتيه "عولمة المؤامرة" (إيجابا)، هنا تستعمل كلمة المؤامرة بالمعنى الحيوي الأصلي، وهذا ليس تجنيا حتى على اللغة، فالمعنى الأصلي للتآمر هو التشاور: "تآمروا: تشاوروا"، نحن الآن عبر العالم نتشاور مع بعضنا البعض، ربما كجنس ثان من البشر، يحاول أن يدافع عن بقائه (وربما أيضا: لصالح بقاء الجنس الآخر معه تكافليّا).

جاءني في الميل مؤخرامن نفس المصدر الصديق الطيب الثائر- تنويه عن كتاب صدر حديثا في ألمانيا أيضا لدكتور يورجين تودن هيجر يفضح الصورة المشوهة التي يقدمها الإعلام الغربي لما يجرى في العراق، تصورت أنه لو كان مؤلف هذا الكتاب مصري أو عربي، إذن لاتهم بالتفكير التآمري والشعور بالنقص والدونية والتبرير..إلخ . عدت أتأكد أن مؤلف الكتاب ألماني من أوربا، وحمدت الله أن من بينهم من هو كذلك، ذكرتني هذه الأمانة والموضوعية بكتاب الألماني آخر هو "يورجن كين كوليل" الذي عالج فيه المؤلف ملف مقتل الحريرى بكل الأمانة والموضوعية، التي وصلتني أوقع من مائة محاكمة دولية.

كثير من الكوارث التي تجرى الآن في العالم غامضة غموضا شديدا، وكلما زاد الأمر غموضا، وزادت دعايتهم ضبابية وألاعيب، لزم البحث عن "مؤامرتهم الغبية"، خذ مثلا: أحداث 11 سبتمبر أو مقتل الحريري أو قتل الأطفال والعجائز في قرى الجزائر.... إلخ

الذي يحكم العالم الآن ليس بوش ولا كوندي ولا ساركوزي ولا ميركل، الذي يحكم العالم هو هذه الشركات العملاقة والمافيا، وتجار المخدرات، وقوّادو الدعارة. مؤامرة العولمة (الأمريكية) هي التي تحاك لصالح هذه الفئات الأربع وتوابعها ومن يحتمي بها ومن يتآمر معها، وهى عملية إجرامية تغسل عقول البشر لصالح أقساهم وأغباهم، أما عولمة المؤامرة الجارية على الناحية الأخرى عبر شبكات التواصل العالمية بعيدا عن السلطات، فهي ذلك الوعي البشرى الجديد الذي يتخلق بنشاط متزايد.
لا يفل التآمر إلا التآمر.

اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية: حاول ألا تفهم...! / تعتعة:الحلم والشعر والواقع والسياسة
 / تعتعة: فحتى المحاكاة ليسوا لها / تعتعة لطبيب النفسي، ومفهوم "الإنسان"1 /  تعتعة سياسية يا رب سترك / تعتعة سياسية تجاوز للعلم..ووشم للمرضى! / تعتعة نفسية هل توجد عواطف سلبية؟ / تعتعة نفسية: عندك فصام يعني إيه(2) / تعتعة نفسية عندك فصام يعني إيه؟ / تعتعة نفسية: أنا عندي إيه يا دكتور؟ / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(3) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(2) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(1) / تعتعة سياسية: الشعب المصري ملطشة / حركية الناس بين النت والشارع / تعتعة: التغابي حيث لا داعي للتحايل!  /  يا هنود العالم الحُمْر، اغضبوا أو انقرضوا..! / تعتعة سياسية حتى لو أجهضوها ألف عام!  / استحالة الممكن وحتمية المستحيل/ أدنى من النمل الأبيض!!! / يا هنود العالم الحُمْر، اغضبوا أو انقرضوا..! / تعتعة: التغابي حيث لا داعي للتحايل! / تعتعة سياسية: حاول ألا تفهم...! / تعتعة:الحلم والشعر والواقع والسياسة / تعتعة: فحتى المحاكاة ليسوا لها / صرح بأي شيء تقرره ستجد من يبرره!! / وبرغم الأسئلة التآمرية / كفر الزيات ـ"جوجل" ـ أمستردام (وبالعكس)/ تعتعة سياسية: والله العظيم البنت معها حق! / تعتعة سياسية: أبدا كنت أمزح!! / أولادنا! والحزب الوطني. الإخواني (وبالعكس) / ست الناس.. والدستور.. والمواطنة!! / النادي الأهلي.. وهل هم يكذبون؟؟! / أسئلة ممنوعة، وإجابات مرفوعة!!!! / تعتعة سياسية: استقالة وزير / تعتعة سياسية: ثقافة السلام وثقافة الحياة!!! / .... تشربها مادامت إنت ماليها !!!!(11) / فضيلة‏ ‏الدهشة  / الدهشة طريق إلى الله / ما هو لازم إني أزعل!! أغنية للكبار خارجنا.... / توتا توتا، واهي خلصت مني الحدوتة!  / الطفل‏... سلطان زمانه لمَ لا نعلمه الرحمة / الإدارة الأمريكية للدين العالمي الجديد / الإدارة الأمريكية والدين العالمي الجديد 2 / غسيل المخ.. والوعي البشري الجماعي الجديد / قلمي وأنا.. والسياسة والطب / الدين العالمي الجديد! هيه..!وضحكت عليك!! / قبلات وأحضان، وحوار الأديان / صيد الأحاسيس، وذباب الكلمات في معرض الكتاب  / خليَط من الرأي والشعر: قوة النظام في ضعفه / أحب المؤرخين، ولا أثق في التاريخ / الشعور بالذنب في السياسة والحرب / سياسة دي يا يحيى؟!؟! / تخثُّر الوعي الوطني (والثقافة) / الحلول الذاتية: "نعمل إيه"؟ "نعمل جمعية"!! / من كلِّ صوبٍ وحدبْ، من كل دينٍ ودربْ / .. شم النسيم../ السياسة واللغة الشبابية والتراث الشعبي / السياسة ولغة الشارع: .. فى الهرْْدَبِيزْ (3 من 3) / السياسة ولغة الشارع: .. فى الهرْْدَبِيزْ (3 من 3)

نشرت في الدستور بتاريخ 30-4-2008



الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 07/06/2008