إغلاق
 

Bookmark and Share

تعتعة سياسية: هل أنت مثقف؟ ::

الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 27/04/2009


‏ماذا‏ ‏نقصد‏ ‏بكلمتي "‏الثقافة‏"‏ و"المثقف‏ ‏وهل‏ ‏المجلس‏ ‏الأعلى ‏للثقافة ‏(‏مثلاً‏) ‏هو مجلس‏ ‏مثقَّفين (‏بتشديد‏ ‏القاف‏ ‏وفتحها‏) ‏أم‏ ‏هو‏ ‏مجلس‏ ‏مثقـِّفين‏ (‏بتشديد‏ ‏القاف‏ ‏وكسرها‏)‏؟‏ ‏وهل‏ ‏استعمال‏ ‏كلمة‏ ‏ثقافة تشير‏ ‏إلى نفس ما تشير إليه ‏كلمة‏ "‏مثقف‏" ‏أم‏ ‏أن‏ ‏الاختلاف‏ ‏قائم‏ ‏حسب‏ ‏السياق وبناء الكلمة؟ ولماذا تترادف كثيراً –عند الخاصة وأكثر عند العامة- كلمات ليست مترادفة مثل: المثقفون والتنويريون والمبدعون والعقلانيون وأحياناً المتفلسفون، ونادراً الفلاسفة؟.

المسألة قديمة حديثة، ثمَّة كتاب صغير، نال من الشجب والرفض بقدر ما نال من الترحيب والتقريظ، هذا الكتاب تناول هذه المسألة بإفاضة، كتبه ت. س. إليوت بعنوان "ملاحظات نحو تعريف الثقافة"، ترجمة د. شكري عيّاد، وهو يحتاج لنقد مستقل.

أصل‏ ‏الكلمة‏ ‏العربية‏ "‏ثقف‏"، ‏لا‏ ‏يفيد‏ ‏كل‏ ‏الاستعمالات‏ ‏الأحدث‏ ‏لتشكيلاتها‏. "‏ثـقف‏":(‏تعني‏) "‏صار‏ ‏حاذقاً‏ ‏فطِناً‏"، ‏و‏"‏ثقف‏" ‏الشيء‏ ‏ظفر‏ ‏به (‏واقتلوهم‏ ‏حيث‏ ‏ثقفتموهم‏)، ‏أما‏ "‏الثقافة‏" ‏بمعنى‏: ‏العلوم‏ ‏والمعارف‏ ‏والفنون‏ ‏التي ‏يـطلب‏ ‏فيها‏ ‏الحذق،‏ ‏فهي ‏مـحدثة‏ (‏الوسيط‏).

هذا‏ ‏التوجه‏ ‏المعجمي ‏الأخير والأحدث‏ ‏هو‏ ‏الاستعمال‏ ‏الغالب‏ ‏لألفاظ‏ ‏الثقافة‏ ‏والمثقفين حاليا‏ًً، ‏لكن‏ ‏للأمر‏ ‏وجوهاً‏ ‏أخرى‏. ‏الكلمة‏ ‏المقابلة‏ ‏بالإنجليزية‏ (‏وبالفرنسية‏) Culture ‏تحمل‏ ‏نفس‏ ‏الإشكال ‏تقريباً؛، ‏فهي ‏من‏ ‏ناحية‏ (1) ‏تعني ‏هذا‏ ‏النشاط‏ ‏الذي ‏يقوم‏ ‏به‏ ‏صفوة‏ ‏من‏ ‏الذهنيين‏ ‏المتميزين‏ ‏الحاذقين‏ ‏المبدعين‏، ‏ومن‏ ‏ناحية‏ ‏أخرى‏ (2) ‏تشير‏ ‏إلى ‏صفات‏ ‏مشتملة‏ ‏لمجموعة‏ ‏من‏ ‏الناس‏ ‏تجمعهم‏ ‏لغة‏ ‏واحدة‏ ‏ويحيط‏ ‏بهم‏ ‏وسط‏ ‏اجتماعي ‏وبيئي ‏معين‏. ‏وقد‏ ‏بدأ‏ ‏استعمال‏ ‏لفظ‏ة "‏الثقافة‏" ‏في ‏العربية‏ ‏بالمعنى ‏الأول ‏(‏الصفوة‏ ‏الحاذقة‏ ‏الماهرة‏ ‏المبدعة‏) ‏ثم‏ ‏امتد‏ ‏استعماله‏ ‏إلى ‏المعنى ‏الثاني (‏الوعي ‏المحيط‏ ‏المميز‏ ‏لمجموعة‏ ‏من‏ ‏البشر‏)، ‏فماذا‏ ‏يفعل‏ ‏الشخص‏ ‏العادي ‏وهو‏ ‏يتلقى ‏المعنيين‏ ‏متداخلين‏ ‏دون‏ ‏تمييز‏؟‏.

‏مثلاً: حين يقرأ هذا العادي عناوين كتب أو أبواب أو مقالات ‏مثل‏: "‏مستقبل‏ ‏الثقافة‏" ‏أو ‏"‏تطور‏ ‏الثقافة‏"، ‏أو‏ "‏صفحة‏ ‏الثقافة‏"، ‏أو‏ "‏أزمة‏ ‏المثقفين‏" ‏أو‏ "‏اغتراب‏ ‏المثقفين‏"، أو حتى "وزارة الثقافة"، ‏هل‏ ‏يصله ‏نفس‏ ‏المعنى ‏الذي ‏يصله وهو يقرأ أو يسمع عن "‏ثقافة‏ ‏العولمة‏" ‏أو‏ "‏ثقافة‏ ‏المعلوماتية‏"، ‏وأيضاً ‏‏"‏ثقافة‏ ‏الإنترنت‏"‏ و"ثقافة الإدمان"، و"ثقافة الميكروباس ما الحكاية بالضبط؟.

الثقافة‏ ‏في واقع نبض الجماعة (الخاصة فالعامة)‏‏ ‏هي ‏جُماع‏ ‏وعي ‏مجموعة‏ ‏من‏ ‏الناس‏ ‏في ‏بقعة‏ ‏جغرافية‏ ‏معينة‏، ‏في ‏فترة‏ ‏تاريخية‏ ‏بذاتها‏، ‏وجُماع‏ ‏الوعي ‏هذا‏ ‏يشمل‏ ‏اللغة، ‏والعادات،‏ والدين، ‏والأعراف،‏ ‏والتقاليد، ‏والقيم‏، ‏كما يشمل غلبة‏ ‏أنواع‏ ‏بذاتها‏ ‏من‏ ‏نشاطات‏ ‏ملء‏ ‏الوقت‏ ‏وتوجُّهات‏ ‏الإنجاز‏. ‏نلاحظ‏ ‏أن‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏لا‏ ‏يشير‏ ‏‏إلى "‏فئة‏ ‏بذاتها‏"، ‏ولا‏ ‏إلى ‏أية ‏خصوصية‏ ‏في ‏الحذق‏ ‏والفطنة‏، ‏وبالتالي ‏فهو‏ ‏لا‏ ‏يفيد‏ ‏تحديد‏ "‏صفوة"‏ ‏بذاتها‏، ‏هذا‏ ‏المعنى ‏يسمح‏ ‏لأي ‏منهم‏ ‏لثقافة‏ ‏ما‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏مشروع‏ ‏مثقف‏، ‏لأن‏ ‏المثقف‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏هذا‏ ‏التحديد‏: ‏هو‏ ‏أي ‏واحد‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يستوعب‏ ‏وعي ‏جماعته‏ ‏ويمثلهم‏ ‏في ‏نفس‏ ‏الوقت‏، ‏هو‏ ‏نموذج‏ ‏لجماعته‏ ‏ولسانها‏، ‏ما‏ ‏ظلَّ‏ ‏يصدُقُ‏ ‏في ‏الانتماء‏ ‏لها‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏يساهم‏ ‏في ‏تحديد وتجديد ‏هويتها‏.‏

حين‏ ‏نقبل هذا التعريف فإننا نفتح الباب لأي واحد‏ أن ينظر في نفسه ليتعرف على صفة "مثقف" فيها، فإن وجد أنه يستوعب وعي جماعته، ويعمل على تطويرها فهو "المثقف"، يستوي في ذلك "الرجل الطيب الناصح" لا يفك الخط، والعالم، والسياسي، ‏والإعلامي، ‏والتربوي، ‏والواعظ، ‏والحرفي مبيض المحارة، وشيخ المنصر، وفتوة الحي، وشيخ المسجد، والقس. إن أي شخص يمثل ناسه وهو يمارس‏ ‏وجوده‏ بينهم منهم لهم ‏بوعي ‏يقظ‏،، إنما ‏ ‏يقوم ‏بدوره ‏‏الفاعل‏ ‏في ‏جماعته‏، وينمّيها، وغالباً ما يقودها، هو المثقف الذي نعنيه.

لو صح ذلك، فعلينا أن نبحث عن تصينف آخر للمثقف المكتبي الوصي على الثقافة الأعلى؛ فمن كان منهم ‏يمثل وعي ناسه هناك في الأعلى فهو كذلك، أما حامل مفاتيح الثقافة وجداول ضرب أبجديته، فأليق به أن نسميه "الذهني"، "أو المعقلن"، ولنعترف له بفضله أنه أحسن واحد جداً، لكن ليس من حقه، من هذا المنطلق، أن يحتكر لفظ المثقف لو سمحتم.

‏‏الرسل‏ ‏عليهم‏ ‏السلام‏ قاموا بهذا الدور في أعلى تجلياته لأنقى أهدافه، بدءاً بجماعتهم التي نزلت عليهم الرسالة وهم أحد أفرادها، امتداداً لسائر البشر، الرسل بعد أن استوعبوا وعي ناسهم، راحوا ‏‏يبلغون‏ ‏رسالات‏ ‏ربنا‏ ‏لإنقاذ‏ ‏البشرية‏ ‏من‏ ‏التخثر‏ ‏وإنقاذ‏ ‏النوع‏ ‏الإنساني ‏من‏ ‏الانقراض‏.

‏الفرق‏ ‏الجوهري ‏هو‏ ‏أن‏ المثقف المعاصر ‏يقوم‏ ‏بدوره‏ ‏الهام‏ ‏جداً‏ ‏في ‏دائرته‏ ‏الصغيرة‏ ‏مهما اتسعت إلى أوسع فأوسع، ‏وهو‏ ‏ليس‏ ‏مكلفاً‏ ‏تحديداً‏ ‏من‏ ‏قبل‏ ‏رب‏ ‏العالمين‏ ‏بهداية‏ ‏كافة‏ ‏البشر‏، ‏لكن‏ ‏إسهاماته‏ ‏المسؤولة، وجدله المتصل مع ناسه والزمان إلى وعود الحياة، هما ما يميزه.
والدعوة عامة!

اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية: حاول ألا تفهم...!
 / تعتعة سياسية تجاوز للعلم..ووشم للمرضى! / تعتعة نفسية هل توجد عواطف سلبية؟ / تعتعة نفسية: عندك فصام يعني إيه(2) / تعتعة نفسية عندك فصام يعني إيه؟ / تعتعة نفسية: أنا عندي إيه يا دكتور؟ / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(3) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(2) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(1) / تعتعة سياسية: الشعب المصري ملطشة / تعتعة: التغابي حيث لا داعي للتحايل! / تعتعة سياسية حتى لو أجهضوها ألف عام! / الدين العالمي الجديد! هيه..!وضحكت عليك!! / قبلات وأحضان، وحوار الأديان / صيد الأحاسيس، وذباب الكلمات في معرض الكتاب / خليَط من الرأي والشعر: قوة النظام في ضعفه / الشعور بالذنب في السياسة والحرب / سياسة دي يا يحيى؟!؟! / تخثُّر الوعي الوطني (والثقافة) / الحلول الذاتية: "نعمل إيه"؟ "نعمل جمعية"!! / من كلِّ صوبٍ وحدبْ، من كل دينٍ ودربْ / .. شم النسيم../ السياسة واللغة الشبابية والتراث الشعبي/ السياسة ولغة الشارع: .. فى الهرْْدَبِيزْ (3 من 3) / السياسة ولغة الشارع: .. فى الهرْْدَبِيزْ (3 من 3) / "مؤامرة العولمة" و"عولمة المؤامرة" / برغم كل الجاري، مازال فينا: ".. شيءٌ مـَا" / لكنّ سيّد قومه المتغابي..!! / هل تنتحر البشريةُ "بغباءٍ انقراضي"؟! / أين الأزمة؟ صعوبة الأسئلة؟ أم نفاق الجميع؟ / تسويق "الإيمان" في "سوبر ماركت" العولمة!!! / تعتعة سياسية: قصيدة اسمها: عبد الوهاب المسيري / بين دموع الشعب ونفاق الحكومة / تعتعة سياسية: تألّم: الصورة تطلع / العودة من المنفى: درويش، ذلك الشعر الآخر / تعتعة نفسية: الطبيب النفسي والفتوى الإعلامية / تعتعة نفسية: لا شكر على "تسويق" دواء جديد!! / تعتعة نفسية: المجنون لا يفعل مثل هذا!!! / تعتعة نفسية: كيف تعمل العقاقير النفسية (2) / الحق في الفرحة وسط المصائب، والأحزان!! / الزمن والتاريخ، ومعنى ما هو: أوباما / غزة، والبشرُ خلايا المخ العالمي الجديد!! / دعوة إلى: الوعي بما تملك (2/أ) / الحذاء الطائر، والبصقة العالمية، ومسؤولية الفرحة / نجيب محفوظ: بداية بلا نهاية / متواطئــون!!! / قبلات وأحضان، وسط الدماء والأحزان  / أتعلم من بني كيف أنهزم بشرف وشجاعة؟ / "دورية" محفوظ بين ملحمة الحرافيش، وملحمة غزةلكنّ دَسَّ السم في نبض الكلامْ: قتلٌ جبانْ

نشرت في الدستور بتاريخ 25-3-2009



الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 27/04/2009