إغلاق
 

Bookmark and Share

نجيب محفوظ: بداية بلا نهاية ::

الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 11/03/2009


"أخلِق بذي الصبر أن يحظى بحاجته، ومدمن القرع للأبواب أن يلجا".
أدمنتُ قرع كل باب منذ أرسلت الاقتراح بإصدار دورية فصلية متخصصة في نقد أعمال نجيب محفوظ، أرسلتها للمرحوم أ.د. عز الدين إسماعيل بتاريخ أول نوفمبر سنة 1988، بعد تشريف جائزة نوبل بحصول شيخنا محفوظ عليها. أخيراً، وبفضل لجنة الحفاظ على تراثه وفضل الله، تقرر إصدارها حولية تمهيداً لأن تكون فصلية، على أن يتولى رئاسة تحريرها ذلك المثابر الشامخ المبدع الطيب القوي: جابر عصفور، كما يتولى سكرتارية تحريرها الابن الناقد الملتزم د. حسين حمودة. يا خبر!!! الحمد لله! ها هي تظهر أخيراً بعد عشرين عاماً بالتمام. طلب مني الابن الصديق د. حسين حمودة أن أسهم في العدد الأول بلمحة عما أعرفه عن أية بداية مارسها محفوظ وعايشتُها معه، فرأيت أن أقتطف مما كتبت لهذه الحولية بعض المقتطفات الدالة بمناسبة عيد ميلاده الموافق يوم باكر 11 ديسمبر 1911.

المقتطف الأول
... يراوغنا نجيب محفوظ عادة وهو يلوح لنا بأن ثمة نهاية، لكننا نكتشف دائماً أنه لا ينتهي إلا ليبدأ.

المقتطف الثاني
.....
المعروف عن نجيب محفوظ أنه شديد الانضباط في حياته اليومية، وكأن اليوم يتكرر عنده بحذافيره، اكتشفت أنه ليس تكراراً وإنما هو محاولة إحاطة بقفز البدايات من محيط الإبداع,
نجيب محفوظ يبدأ جديداً في كل ما يأتي ويبدع.

المقتطف الثالث
.....
أتيح لي أن أرصد بداية من بداياته الجديدة القديمة، بداية معاودته الكتابة ضد كل التوقعات والحسابات العلمية والعملية، تعلمت ما لم أكن أتصوره، علماً وواقعاً. عايشته وهو يعيد تأهيل نفسه ليبدأ الكتابة من جديد حتى انتصر‏ ‏على ‏الإعاقة‏ ‏بتدريب‏ ‏يومي ‏طوال‏ ‏خمس‏ سنوات‏،..... في ‏السنة‏ ‏الأولى ‏كنت‏ ‏أفرح‏ ‏فرحاً‏ ‏لا‏ ‏يخفى ‏حين‏ ‏أنجح‏ ‏أن‏ ‏أقرأ‏ ‏حرفاً‏ ‏واحداً‏ ‏بين‏ ‏كل‏ ‏ما‏ "‏شخبط‏"، ‏بدأت‏ ‏الحروف‏ ‏تتميز‏ ‏في ‏شكل‏ ‏هلامي ‏أسفل‏ ‏يسار‏ ‏كل‏ ‏صفحة‏. ‏لم‏ ‏أسأله‏، ‏تبينت‏ ‏بعد‏ ‏شهور‏ ‏طويلة‏ ‏أنه‏ ‏توقيعه‏، ‏اسمه‏، ‏لكن‏ ‏ماذا‏ ‏تحت‏ ‏ما‏ ‏يشبه‏ ‏التوقيع‏، ‏أشكال‏ ‏أخرى ‏ليست‏ ‏حروفاً‏، ‏وبعد‏ ‏شهور‏ ‏تبينت‏ ‏أنها‏ ‏أرقام. ‏ثم‏ ‏بعد‏ ‏عام‏ ‏وبعض‏ ‏عام‏ ‏عرفت‏ ‏أنه‏ تاريخ اليوم الذي كتب فيه "الواجب"‏. ‏وكان‏ ‏يشاركني ‏فرحتي ‏وأنا‏ ‏أبلغه‏ ‏بعض‏ ‏ما‏ ‏نجحتُ‏ ‏في ‏قراءته‏، ‏أعني ‏كنت‏ ‏أشاركه‏ ‏فرحته‏، ‏وحين‏ ‏استطاع‏ ‏بعد‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏عامين‏ ‏أن‏ ‏يكتب‏ ‏جملة‏ ‏على ‏بعضها‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏عيدنا‏ ‏الكبير‏، ‏ورحت‏ ‏أميز‏ ‏في ‏بعض‏ ‏الصفحات‏ "‏رب‏ ‏اشرح‏ ‏لي ‏صدري‏"، "إن الله مع الصابرين"، "سبحان الملك الوهاب"، وكذلك: "سالمة يا سلامة"، "خفيف الروح بيتعاجب"، ثم لمحت اسمه أيضاً ليس في أسفل الصفحة، ما هذا؟ إنه يسبقه اسم آخر، آه!! هذا هو: إنها فاطمة نجيب محفوظ، أم كلثوم نجيب محفوظ، فأدعو لهما وله.

المقتطف الرابع
..... بعد مخاض طويل صعب، تمت ولادة الأولاد الحروف والبنات الكلمات، فبدت الأحوال جاهزة للتقارب معا لتصنع إبداعاً جديداً، تيقنت أنه أصبح قادراً على أن يصوغ أفكاره هو، وليس فقط أن يخط اسمه أو اسم إحدى كريمتيه أو آية قرآنية كريمة، ‏تأكدت أنه على وشك أن "يعملها"، تجرأت فسألته،‏ ‏هل‏ ‏ثم‏ ‏شيء ‏في ‏الطريق‏؟‏ ‏أجابني ‏مبتسماً‏ ‏وهو‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏دماغه‏ ‏أنه‏ ‏يشعر‏ "‏بنغبشة‏" ‏ربما‏ ‏يتمخص‏ ‏منها‏ ‏شيء ‏ما‏، ‏وقد‏ ‏كان‏، فكانت "أحلام فترة النقاهة".
هذه الذرية الجميلة لم يكن يمكن حبسها في حجرته أو أدراج مكتبه، فجاءت حفلة السبوع الجماعية صاخبة حين ظهرت أولى أحلام فترة النقاهة للناس في مجلة أسبوعية (نصف الدنيا).

المقتطف الأخير
...
حتى الموت لم يستطع أن يبلغني منه أي معلم من معالم أية نهاية.
حين أشفق شيخنا علينا فلم يستأذننا وهو يختار أن يرجع إليه ليرضى "... وعجلت إليك ربي لترضى"، رضى الله عنه فرضيَ عنه، رحت أعيش جزع الفقد ولوعة الفراق، لكن لم يخطر ببالي أبداً أنها النهاية، أو أنه الموت أصلاً، كان بداخلي يقين أنها ليست إلا بداية جديدة، فقط هي بداية معالمها ليست في متناولنا "الآن".
ينتقل الوعي الفردي إلى الوعي الكوني إلى وجهه الله تعالى، فأين النهاية؟!!

إلى هذه البداية كان شيخنا يسعى طول عمره حتى تحقق له ما أراد، فإذا لم يكن في مقدورنا أن نحيط بإبداعه الجديد هذا "الآن"، فلنشحذ أدوات كدحنا، ونحن نقتفي بداياته المتجددة أبداً، أعني بداياتنا، ربما يصلنا بعض ما تيسر مما أراد توصيله بكل ما "كان" وما "فعل" و"يفعل" و"نفعل"..!!

اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية: حاول ألا تفهم...! / تعتعة:الحلم والشعر والواقع والسياسة
 / تعتعة: فحتى المحاكاة ليسوا لها / تعتعة لطبيب النفسي، ومفهوم "الإنسان"1 /  تعتعة سياسية يا رب سترك / تعتعة سياسية تجاوز للعلم..ووشم للمرضى! / تعتعة نفسية هل توجد عواطف سلبية؟ / تعتعة نفسية: عندك فصام يعني إيه(2) / تعتعة نفسية عندك فصام يعني إيه؟ / تعتعة نفسية: أنا عندي إيه يا دكتور؟ / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(3) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(2) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(1) / تعتعة سياسية: الشعب المصري ملطشة / حركية الناس بين النت والشارع / تعتعة: التغابي حيث لا داعي للتحايل!  /  يا هنود العالم الحُمْر، اغضبوا أو انقرضوا..! / تعتعة سياسية حتى لو أجهضوها ألف عام! / الدين العالمي الجديد! هيه..!وضحكت عليك!! / قبلات وأحضان، وحوار الأديان / صيد الأحاسيس، وذباب الكلمات في معرض الكتاب / خليَط من الرأي والشعر: قوة النظام في ضعفه / أحب المؤرخين، ولا أثق في التاريخ / الشعور بالذنب في السياسة والحرب / سياسة دي يا يحيى؟!؟! / تخثُّر الوعي الوطني (والثقافة) / الحلول الذاتية: "نعمل إيه"؟ "نعمل جمعية"!! / من كلِّ صوبٍ وحدبْ، من كل دينٍ ودربْ / .. شم النسيم../ السياسة واللغة الشبابية والتراث الشعبي/ السياسة ولغة الشارع: .. فى الهرْْدَبِيزْ (3 من 3) / السياسة ولغة الشارع: .. فى الهرْْدَبِيزْ (3 من 3) / "مؤامرة العولمة" و"عولمة المؤامرة" / برغم كل الجاري، مازال فينا: ".. شيءٌ مـَا" / لكنّ سيّد قومه المتغابي..!! / هل تنتحر البشريةُ "بغباءٍ انقراضي"؟! / أين الأزمة؟ صعوبة الأسئلة؟ أم نفاق الجميع؟ تعتعة سياسية: الامتحانات، وقيمة اسمها "العدل"! / تسويق "الإيمان" في "سوبر ماركت" العولمة!!! / تعتعة سياسية: قصيدة اسمها: عبد الوهاب المسيري / بين دموع الشعب ونفاق الحكومة / تعتعة سياسية: تألّم: الصورة تطلع / العودة من المنفى: درويش، ذلك الشعر الآخر / تعتعة نفسية: الطبيب النفسي والفتوى الإعلامية / تعتعة نفسية: لا شكر على "تسويق" دواء جديد!! / تعتعة نفسية: المجنون لا يفعل مثل هذا!!! / تعتعة نفسية: كيف تعمل العقاقير النفسية (2) / الحق في الفرحة وسط المصائب، والأحزان!! / الزمن والتاريخ، ومعنى ما هو: أوباما / غزة، والبشرُ خلايا المخ العالمي الجديد!! / دعوة إلى: الوعي بما تملك (2/أ) / الحذاء الطائر، والبصقة العالمية، ومسؤولية الفرحة

نشرت في الدستور بتاريخ 10-12-2008



الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 11/03/2009