الوسواس القهري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولا أرجو منكم عدم إظهار البيانات الشخصية
ومن ثم أود أن أذكر لكم قصتي، فربما تستطيعون مساعدتي، ولدت في عائلة مسلمة وملتزمة إلى حد كبير، فنشأت تنشئة إسلامية صحيحة، عندما كنت صغيرة أصابني وسواس في قول كلمات كفرية كنت أخاف كثيرا وأستمر بالبكاء كلما أتتني هذه الوساوس، وكان من حولي ينصحوني بأن أصلي ركعتين لله وأستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، لكن هذه الوساوس وبحمد الله لم تطل.
عندما كنت في الحادية عشر من عمري تغربت مع أهلي في بلد بالخارج، وأنا أشعر أن غربتي هذه كانت سبب مشكلتي وجوهرها، لم أتقبل الغربة وكنت أشعر بالملل والوحدة هناك، كنت بعيدة عن من حولي بالمدرسة، فتولد بداخلي شعور أنه علي أن أثبت نفسي بين من حولي، وبدأت أجلس لأوقات طويلة أتخيل نفسي فيها بمواقف أثبت فيها نفسي بين الجميع، وهذه العادة التي ربما ما زلت أمتلكها ولكن بدرجة أقل إلى الآن.
عندما أصبحت في الثانية عشر من عمري أصبحت تأتيني أفكار غريبة، كنت أتخيل مثلا أن كل من في بلدي سيموت وسأبقى أنا وحدي، وكنت أفكر كثيرا ماذا سأفعل في وقتها وأخاف وأبكي، عدت إلى بلدي في الثالثة عشر من عمري وكنت في قمة سعادتي بذلك فقد عدت إلى حياتي الطبيعية المريحة، إلا أن موضوع التفكير الذي كان يستغرق مني ساعات طويلة بقي يرافقني فكنت أجلس بالساعات أتخيل الكثير من المواقف التي أتمنى أن تحدث والتي ربما لا يكون لها أي معنى.
وعندما كنت في الصف العاشر أي في الخامسة عشر من عمري بدأ عندي الوسواس في العقيدة وبدأ الشك يتخللني شيئا فشيئا، أذكر كيف كنت أخاف وأرتعب عندما تأتيني فكرة معينة وكنت أبذل قصارى جهدي لأثبت عدم صحتها، كنت كثيرا ما أغتسل وأعيد نطق الشهادة خوفا من أن أكون قد كفرت، غير ذلك من وساوس في الوضوء والصلاة، شكوك في كل شيء، لم يكن عندي ثقة بأي شيء، وبعض الأفعال والأقوال القهرية، لكن هذه الوساوس لم تدمر حياتي بقدر ما فعله وسواس العقيدة، كانت تمر علي ليال لا أنام فيها خوفا من أن أنام ولا أستيقظ وأموت كافرة، وكنت أحلم أحلاما كثيرة ذات علاقة بالوسواس.
قرأت كثيرا لم أترك شيئا عن مرضي إلا وقرأته كما قرأت بعض الكتب الدينية واليوم بعد مسيرة طويلة قررت أن آخذ الدواء لكنني خائفة كثيرا من الدواء ومن أن تكون نتائجه سلبية أخاف احيانا أن يكون تفكيري سويا ويكون الدواء هو ما سيخربه.. إذا كان علي أخذ الدواء فما هو الدواء المناسب لي وهل أستطيع أخذه دون الرجوع إلى الطبيب؟
وبالنسبة للعلاج المعرفي السلوكي فكيف يمكن أن يكون في حالتي؟ هل أتجاهل أم أتفكر، فلدي الكثير من المخاوف والشكوك التي زعزعت إيماني في موضوع العقيدة فكيف أتعامل معها؟؟
وهل هناك كتب معينة يمكن أن أستفيد من قراءتها؟؟
شكرا جزيلا لكم
25/12/2014
رد المستشار
صديقتي
أعتقد أنه من خلال قراءاتك عن الوسواس قد تعرفين أن الوسواس له جزء كيمائي وجزء معرفي.. الجزء الكيميائي يحتاج إلى أدوية يصفها الطبيب النفسي ولا يمكن وصفها أو الحصول عليها دون الرجوع إليه وكتابته لها في روشتة. أما الجزء المعرفي فسوف يساعدك كثيرا أن تراجعي الطبيب أو المعالج النفسي لمناقشة أفكارك وإيجاد طريقة للتفكير بحيث لا تتيحين لأي أفكار سلبية السيطرة عليك وعلى تفكيرك.
من الأفكار التي أنصح بمناقشتها مع المعالج النفسي:
1- الوسواس يخفي وراءه فكرة نخاف أن نعترف بها لأنفسنا.. ما هي أبشع فكرة ممكنة؟
2- الألفاظ والأفكار الكفرية على حد تعبيرك هي في الحقيقة ضد مصدر السلطة في حياتك مثل الأم والأب وليست في الحقيقة ضد الله أو الدين.
3- وسواس العقيدة له علاقة بإحساسك بالذنب (لشيء لا تعينه ولكنه محرك أساسي في عقلك الباطن) وبالتالي تخافين الموت كافرة والذي يستحق العقاب الأبدي.. إحساسك بالذنب يجعلك تخافين من العذاب والعقاب.. وبما أنك تخافين من مواجهة الفكرة البشعة، التي هي في الحالي خارج نطاق الوعي، تخيفين نفسك من أبشع فكرة ممكنة لديك وهي الكفر والعذاب الأبدي.
4- وسواس النظافة له علاقة بهذا الإحساس بالذنب وأيضا لوجود فكرة تعتبرينها غير نظيفة في عقلك الباطن، أي أنك غير واعية بها، وتحاولين تنظيفها رمزيا بلا جدوى.
5- وساوس العقيدة تخفي وراءها فكرة أقل خطورة ولكنها مخيفة كفاية بحيث يتم دفنها في العقل الباطن وإبقاؤها خارج نطاق الوعي.. مثلا: العقيدة لها علاقة بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله... والمجتمع يقول لنا أننا يجب أن نؤمن بأن أبوينا يعرفان ما هو الحب ويحباننا حقيقة.. فإذا كان لدي شك في حب والدي لي، بسبب أفعال حقيقية محددة أو تأويلي لها، وفي نفس الوقت أنا مؤمن أو مطيع لما يقوله الناس من أن والدي يحبانني أكثر من أي شئ في الدنيا، فلا مهرب من أن أدفن هذه الفكرة وهذا الصراع في عقلي الباطن.. يؤدي وجود هذه الفكرة غير النظيفة إلى وسواس النظافة والعقيدة..
ما يجعل أناس يمرضون في حين أن آخرين لا يصيبهم المرض هو الاستعداد الجيني أو الكيميائي.
أنصحك بمراجعة الطبيب النفسي والبدء في العلاج الدوائي والمعرفي معا.
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب.
واقرئي على مجانين:
علاج الوسواس معرفي سلوكي أم تحليلي؟
يحتاج علاج الوسواس لوقت وصبر وخبرة
علاج الوسواس بالعقار فقط لا يكفي
علاج الوسواس: صدقت مع التقصير
في علاج الوسواس: لا سحر يا ناس
مآلات علاج الوسواس: المستقبل غيب
وأيضًا اقرئي كتاب د. وائل أبو هندي: (الواسواس القهري بين الدين والطب النفسي)