أعينوني
السلام عليكم، فكرت أن أكتب لكم قبل فترة ولكني لم أعرف ماذا أكتب ولماذا أكتب.. لكني الآن أرسل هذه الرسالة وقد تعبت وعرفت أنه لا جدوى من هذا الضياع وأني أحتاج لمن هو خارجي ليجعلني أبصر مزيداً من النور.
لا أدري ما هي مشكلتي بالضبط، أعاني من الكثير ولكن أعتقد أن تراكم المشاكل بداخلي أصبح لا يحتمل حيث أني لا أحكي أي شيء لأي إنسان ولا أكترث بالمشاكل التي تواجهني ولا أجد أنه من المهم أن أحكي عنها لشخص آخر ولكن في نفس الوقت الآن أشعر بثقل في داخلي. ليست بالمشاكل الكبيرة ولكنها تفاصيل صغيرة تدافعت وتكاتفت. أريد أن أكتب فقط وأسمع رد إنسان وتعليقه على ما سأكتبه.
منذ صغري نشأت وأنا أحس بطبقة تعزلني عن بقية الأطفال والمشاعر ولكن ليس جميعها، كان لدي صديقات فتيات يحببن اللعب بالدمى وما شابه لكن كنت أشاركهم وفي داخلي إحساس بالتبلد لا أزال أذكره حتى الآن، أما أصدقائي الصبية فكنت أحب مشاركتهم ألعابهم والخروج واللعب في الشارع وما إلى ذلك وكنت لا أطيق البقاء في المنزل أبداً ولكن بالطبع توقفت عن ذلك فيما بعد وفي داخلي الآن حنين لذلك أن يعود.
في مراحل المراهقة الأولى لم تكن تجذبني أبداً علاقات الحب بين البنات والأولاد ربما لإيماني حينها بأنهم فقط يلهون لا غير وأنه قطعاً لن يكون بينهم فتى نافع! وإيماني أيضاً بأنني لست كفؤة لمثل هذه العلاقات. في هذه المساحة أذكر تعرضي للتحرش في الصغر من قريب لنا حيث كان يستخدمني لقضاء حاجته الجنسية والقذف.
وأقتطع هذه الفقرة من الرسالة للتحدث عن شرخ كبير وهو منزلنا الذي يعج بالمشاكل حيث أن علاقة والديّ غير مستقرة أبداً وهما يعيشان مع بعضهما الآن فقط من أجلنا كما يقولان.. عندما كنت صغيرة عندما يرسلانني لإحضار أي غرض يبدآن في الجدال حوله _كانا في تلك الفترة لا يتحدثان مع بعضهما_ فكل واحد منهما يصب سيل كلماته عليّ بأن أجلب كذا ولا أجلب كذا ثم أسمع صوت الآخر معترضاً بأن تحضري كذا ولا تحضري كذا.. كانت فترة غريبة حيث يتوجب علينا أن ننقل كلام أحدهما للآخر لأنهما شبه منفصلين! الآن الحال أفضل كثيراً، مرت عليّ فترة في حياتي كنت أكره فرداً معينا من عائلتي وأشمئز منه والآن أنا أكره فرداً آخر وأشمئز منه بنفس الطريقة تلك لا أدري لماذا يحدث هذا معي!
أريد أن أتحدث أيضاً _وعذراً على الإطالة_ عن علاقتي مع صديقاتي والتي أعتقد أنه لا صداقة فيها على الإطلاق.. حيث أنهم لا يعرفون عني كثيراً أو أن هذا ما أظنه فأنا لا أشاركهم شيئاً ذا قيمة! كما أنني غير قادرة على التواصل العاطفي مع الآخرين ومشاركتهم فرحهم ومواساتهم في أحزانهم ومتابعة أخبارهم وأجد فقط مجرد العناق والسلام الحار عملية صعبة لا أحب خوض غمارها وغيرها من عبارات الاشتياق المرافقة لها.
لكني مع ذلك أجد نفسي أحبهم وأحب رفقتهم كثيراً ولدي عدة صديقات مقربات! يجعلنني أشعر بأنني لست وحيدة وأتمتع بمرافقتهم واللعب معهم ومداعبتهم (إطلاق الدعابات والعبارات الساخرة هي فقط ما أجيده) لكن التحدث يكون فقط في الأمور الراهنة وما يجري حولنا عامةً ولا أحب الدخول في حوارات شخصية فهذا لا يريحني.
كان هذا هو الحال ولكن حديثاً أصبحت مرافقة الأصدقاء عبئاً ثقيلاً وأحياناً أتمنى لو لم أعرفهم، لم أعد أستطيع مجاراتهم والتحدث معهم وتزييف الانفعالات. كما أن هذا الكلام ينطبق على بيتنا أيضاً فلا علاقة حنونة وقريبة تربطني بأمي ولا أذكر يوماً أن حضنتها أو قبلتها بحميمية وكذلك بقية أفراد عائلتي. أظن أنهم أيضاً يعانون من ذلك.
أنا الآن غارقة في عالم سحيق من أحلام اليقظة التي ترافقني منذ الأزل ولا أنفك أفكر فيها! ولا أهتم بنظافتي الشخصية ولا بنفسي وإنما فقط أراقب الآخرين وزملائي في الجامعة.. بطبيعة الحال أنا طالبة متفوقة وناجحة ومحبة للعلم والدراسة ولكن مؤخراً تلاشى ذلك وأصبحت مقيدة وغير قادرة على التركيز جيداً (حسناً ربما لم أكن قادرة على التركيز جيداً منذ الأزل أيضاً _ربما!). ما أشعر به هو أنني أريد أن أكون وحيدة فأستلقي وأبحلق في السماء إلى أن أموت..
أشعر أنني سأجن قريباً وكم أتمنى ذلك أحياناً، أما غالباً فيخيفني هذا الإحساس وأحس بخطورته! أحياناً أحس بالسعادة تغمرني فجأة والنشوة وأضحك وأستمتع، كما أصبحت أحب قول أشياء لا معنى لها وأتمنى لو أتحدث مع نفسي وترد علي دون تمثيل وإنما نندمج في الحديث معاً (أعتقد أن السبب في هذا هو أنني أرى الناس يتحدثون باهتمام مع بعضهم ويستغرقون في الحديث بصورة غير طبيعية _بالنسبة لي_ فأنا أيضاً أود الاستغراق في الحديث هكذا وأن تجذبني أمور مثلهم ولكن لا يحتويني ما يقولون ولا أستطيع مشاركتهم فأشارك نفسي في ما أحب من أشياء تخيلية غريبة).
في النهاية أظن أنني لو تمكنت من تحقيق ما يسعدني وهو إتقان المجال الذي أدرسه فهو يمتعني جداً فسوف تتلاشى كل هذه الهموم والأفكار ولكن أظن أنني لأفعل ذلك أحتاج أن أسلك الدرب الصحيح في التعاطي مع هذه الأمور وأن أترك الكسل الذي أصبح مسيطراً علي جداً مؤخراً.. هناك القليل مما لم أذكره أو أفصله لأني لا أريد أن يُكشف أو يذكر علناً عني فأُعرف..
أتصفح موقعكم كثيراً ولكم مني محبة خالصة وأتمنى أن تفيدوني برد من سيادتكم يعينني في هذه الحياة التي أعيشها.
شكراً..
01/01/2015
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بناء على ما تحدثت عنه في شكواك منذ طفولتك وعلاقاتك مع أفراد أسرتك وأصدقائك، وعدم اكتراثك لهذه العلاقات وعدم الإحساس بقيمتها وغيرها من مشاعر العزلة والوحدة، وأحلام اليقظة وغيرها هي أعراض اكتئابية.. وأنت في حاجة لإعادة النظر في هذه العلاقات ومفاهيمها عندك بحيث تنظرين لإيجابياتها (أي أن تنظري للنصف الممتلئ من الكوب وليس النصف الفارغ).
أولاً:-
وبوجه عام.. فإن طلبك للمساعدة في حد ذاته نقطة إيجابية تدل على رغبتك في التغيير، والرغبة والدافعية للتغيير هي أولى خطوات التغيير.. يتبعها أن تعيدي نظرتك لكل الأشياء من حولك، وعلى الأخص.. تبدأين النظر إلى الإيجابيات في حياتك ..حتى داخل علاقاتك التي تعتقدين أنها عديمة القيمة (فللصداقة معاني كثيرة إيجابية، ولوجود الأسرة والوالدين قيمة كبيرة في الحياة.. هناك كتير من الأفراد محرومين من أن يكون لديهم أسرة حتى ولو كانوا على خلاف مستمر وصراعات دائمة...).
ثانياً:-
هناك نقطة إيجابية أخرى، وأعتقد بأهميتها في التغيير، وهي أن تعتقدي بأهمية دراستك.. التي يجب أن تعملي على تنميتها وتحقيق أحلامك المهنية كجزء لا يتجزأ من تحقيق التغيير الإيجابي في حياتك.. اعملي على تحقيق هدفك.
أنت في حاجة لإعادة تقييم ورؤية أصدقائك بشكل مختلف جديد، فنحن نكتسب الدعم والحب من خلال علاقاتنا بالآخرين.
أنت أيضاً في حاجة لاعادة رؤيتك لنفسك بشكل مختلف وجديد، فلم يخلقنا الله عبثاً.... كل فرد منا له قيمة في هذه الحياة.. أنت التي تستطيعين أن تشعري بها وتقدرين قيمة نفسك ومن ثم ينعكس ذلك في تقدير الناس لك.
حددي أهدافك ورتبي أولوياتك من هذه الأهداف التي تسعين لتحقيقها أولا.. ثم ضعي خطة لتنفيذها، واتخدي من علاقاتك مع أصدقائك وأقاربك التقدير والدعم المتبادل للاستمرار في الإنجاز والتغيير.
أقترح عليك أن تقومي بإعداد قائمة عمل يومية.. وتحددين فيها مهاما يومية، وأنشطة تتضمن ترفيها وأشياء تحبينها وتستمتعين بها (ممارسة رياضة، رسم، قراءة، تسوق.. إلخ)، وكل يوم قبل النوم تقيمين أدائك وتقيمين هذه الأنشطة الإيجابية (فقدرتنا على الإنجاز تبعث فينا الراحة والسرور)... هذه الأنشطة قادرة على إحداث فارق كبير.. وتساعدك في إعادة رؤيتك لنفسك وللأشياء والعلاقات من حولك.
كن جميلا ترى الوجود جميلا.... نحن نرى الآخر من خلال إدراكاتنا وتصوراتنا.
شكرا وبالتوفيق