السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان ولدي يعاني من كثرة التقيؤ منذ بداية نشأته؛ أي قبل بلوغه سنة من العمر، وكان يرفض أكل الخضار المطحونة، وإذا ما أعطيته ملعقة بعد تلهيته بشتى الطرق أعادها بالبزق مع التقيؤ؛ وهو ما اضطرني إلى إعطائها له وقت نومه في الرضاعة، وقد استمر على هذا الحال إلى يومنا هذا وهو الآن في الثالثة من العمر.
إنه لا يأكل الخضار على شكل قطع ولا اللحوم ولا الأسماك ولا الفواكه؛ لأنه كما قال لي طبيبه لم يتعود على مضغ القطع الكبيرة التي كان من المفترض أن يتعلم مضغها في نهاية سنته الأولى، وهو يأكل فقط الأشياء التي يحبها كالبسكويت والبطاطس المقلية وكذلك الكسكس (وهي أكلة مغربية تصنع من الطحين المنوع على شكل حبوب والمبلل بمرق الخضار واللحم) مصاحب بقليل من الجزر المطبوخ فقط مع رفض الخضر الأخرى.
ألاحظه بعض الأحيان أنه يحاول أن يأكل بعض الفواكه عندما يرى أخته التي تكبره بأربع سنوات تأكلها، يقربها إلى فمه ثم يتركها، وبعض الأحيان يقطع قطعة صغيرة منها ثم يتركها. وطفلي مع أنه بلغ ثلاث سنوات فهو وإن كان ينطق بجميع الأشياء إنما لا بتلفظها بوضوح.
كما أظنه الآن يعاني من اضطراب المعدة بسبب نوعية أكله؛ فهو يكثر من أكل les cereals، خصوصا cerelac، كما أني أخاف أن أكثر من إعطائه الكسكس، فيكرهه مثل ما فعل مع الأرز؛ لأنه كان يأكله، وأصبح يرفضه الآن. وهناك أيضا سلوكه العصبي الذي هو طبعه الدائم. لا أدري هل مشكله عضوي أم نفسي؟ أتمنى أن أكون قد أوضحت المسألة، وأتمنى أن أتلقى ردكم،
وعذرا على التطويل،
والسلام عليكم.
22-10-2005
رد المستشار
الأخت العزيزة، أهلا وسهلا بك من بلد نحبه ونحبُّ أهله، لم يعد التفريق بين ما هو عضوي وما هو نفسي قائما بنفس الكيفية التي كان بها منذ عقدين من الزمان في التفكير الطبي بوجه عام؛ إذ أصبح من المؤكد علميا -وهو ما نلمسه جميعا أطباء وغير أطباء- أن الكيان البشري وحدة عضوية نفسية اجتماعية متشابكة، وبالتالي فإن لكل اضطراب عضوي بالأساس انعكاسات وتداخلات ومتطلبات نفسية واجتماعية وعضوية مادية كذلك، ولكل اضطراب سلوكي نفسي اجتماعي -أو تربوي في الأطفال والمراهقين- بالأساس انعكاسات وتداخلات ومتطلبات نفسية واجتماعية وعضوية مادية كذلك، ما يستوجبه ذلك هو أننا يجب ألا نختزل نظرتنا للأمور.
ومعنى هذا في حالة طفلك هو أن أسبابها وأعراضها في الوقت نفسه قد تكونُ مزيجا من:
1- الاستعداد البنيوي -المتمثل في عصبيته- أو استجابته لعصبية أحد الوالدين أو كليهما؛ فقد يكون الطفل عصبيًا ومتوترًا ودائم الصراخ في المنزل؛ لأن طبعه هكذا، أو لأن طبع أحد والديه أو كليهما هكذا، وكثيرا في العيادات النفسية ما نعالج الوالدين من العصبية وليس الطفل.
ولكن قد يكون الطفل عصبيًا في بعض الحالات المرضية الأخرى التي قد تحتاج إلى بعض الفحوصات مثل رسم المخ... وفي هذه الحالة ينبغي معالجة الأسباب، وأطمئنك بأن الطفل العصبي يكون في أحيان كثيرة طبيعيا، خصوصا الأولاد بعد سنة ونصف، وفي قليل من الأحيان تكون الحالة مرضية تستدعي مراجعة الطبيب أو الاختصاصي النفسي.
2- أو قد تكون الحالة انعكاسا سلوكيا منه لطريقتك في التعامل مع ما اعتبرته معدة عصبية في طفلك العصبي، واضطررت إلى التحايل المستمر عليه وتلهيته بشتى الطرق ليرضى بطعام؛ فكان يرد بالبصق ثم التقيؤ، وكنت تنزعجين كثيرًا لذلك، ويلاحظ هو انزعاجك، وربما إفراطك في التدليل والحنان والتحايل، وهكذا أصبحت الطريقة التي يرضى بها هي استخدام الرضَّاعة.. وهو الآن في الثالثة من العمر، وما يزال لا يأكل الصلب من الأطعمة، ولا أظن ذلك أكثر من انعكاس سلوكي من جانبه لطريقة التعامل مع الصعوبات التي واجهها منذ عامه الأول في التعود على أكل الأطعمة الصلبة.
والحقيقة أنه يوجد فارق مهم من الناحية النفسية بين سلوك المضغ وسلوك المص؛ فالمص وظيفة نولد بها (إذ يمص الطفل حلمة ثدي أمه تلقائيا عندما يلمس ثديها خده الصغير)، ولا يبدأ بالعض (وهو جوهر سلوك المضغ) قبل بلوغه ستة أشهر؛ أي في النصف الثاني من عامه الأول؛ حيث يبدأ في عض الحلمة؛ فهل كان طفلك يفعل ذلك ككل الأطفال؟
إن استمراره في مص الرضَّاعة الآن يعني أن نوعا من التثبيت النفسي البسيط قد يستمر معه إذا لم نتدارك الموقف، وشخصيا أعرف من ظلوا حتى سنوات مراهقتهم الأولى أكثر طعامهم من خلال الرضَّاعة أو "البزازة" كما نسميها في مصر، لكنهم الآن طبيعيون تماما والحمد لله؛ فلا تقلقي يا سيدتي.
المهم الآن هو: ماذا نفعل؟ أو كيف نتعامل مع المشكلة؟:
لقد قال لك طبيبه: إن ابنك لم يتعود على مضغ القطع الكبيرة التي كان من المفترض أن يتعلم مضغها في نهاية سنته الأولى، ويفهم من ذلك أن المشكلة تتلخص في سلوك تأخر ابنك في اكتسابه، والحمد لله أنه اكتسب من ذلك السلوك بقدر ما يحب؛ فهو يأكل أو يحاول أكل الأشياء الصلبة التي يحبها كالبسكويت والبطاطس المقلية، وكذلك الكسكسي المخلوط بالجزر المطبوخ؛ فهو إذن يستطيع أكل الصلب إذا أحبه، وليست المسألة تأخرا كاملا في اكتساب السلوك، بل إنه أيضًا يبدأ أكل أطعمة صلبة، وإن كان كثيرا لا يكمل أكلها -غالبا لأنك تلاحظين- كما يفهم من إفادتك عن تقليده لأخته الكبرى وهي تأكل الفاكهة.
باختصار: عليك بالتدرج معه في إظهار اهتمامك بأشياء أخرى يفعلها هو غير الأكل، في نفس الوقت الذي تتركينه فيه (بالتدريج) للجوع! نعم للجوع.. وتأكدي أنه سيختبر تماسكك وإصرارك أكثر مما تتخيلين، بمعنى أن: عليك أن تتماسكي، وأن تجعلي طعامه في متناول يديه أو أن تضعيه أمامه في الأوقات التي تأكلون فيها جميعًا، واصبري فسيغير من نفسه إن شاء الله.
ولكنني في الوقت ذاته أنصحك بأن تستشيري طبيبه المعالج عما إذا كان الطفل بحاجة إلى عرض على طبيب نفسي أو معالج سلوكي، كذلك إن لم تجدي في نفسك القدرة على مواصلة عملية تعديل سلوك طفلك عليك باستشارة أقرب مختص بطب الأطفال النفسي، وتابعينا بالتطورات.