لماذا؟!
أنا لا أتمنى الخير للناس..!!!!
حتى لأقرب الناس لي..!!
لا أدري لماذا..؟!
ولكني لا أحب أن أعرف أن أحد صار له أي خير..!!
لماذا؟
وكيف أغير هذه الصفة؟!
17/9/2004
رد المستشار
السلام عليكم
كان الله في عونك يا بنيتي فما تعانين منه ليس بالهين، بل مؤلم ومحبط ومذموم شرعا وعرفا.
الاسم الشائع لما تصفينه هو الحسد، وهو من الأمراض الاجتماعية وإن كانت له جذوره النفسية. تسألين من أين أتاك هذا التوجه نحو الآخرين ولعله ناتج عن قيمة اجتماعية محرفة كان هدفها في التربية زرع روح التنافس المطلوبة، ولكن لأن الطريقة المتبعة كانت غير صحيحة فلم تزكِّ فيك روح التنافس بل أذكت الغيرة ووجهتك لحسد الآخرين، وقد لا تلامين أنت ومن علمك هذا، فالحسد على الرغم من كونه خلقا مذموما إلا أن أمثالنا الشعبية تؤيده بل وتشجعه أيضا فهل سمعت المثل القائل" يدي الحلق للي بلا ودان"؟ في صيغته المصرية أما في صيغته المحلية فهي" يعطي الفول للي ما لوش سنان"!
وهناك المزيد مثل " بخت العفنة بالحفنة" وبخت الرماميم قايم" سبحان الله!!!!
وأين من ثقافتنا قول الله تعالي، بسم الله الرحمن الرحيم: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) صدق الله العظيم (الأنعام:53)،
وقوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) صدق الله العظيم (الزخرف:32).
فتدبري بداية ودائما قول عز من قائل من أن نعمه على عبيده بعلمه وبرغبته، ونحن والعياذ بالله لا نعترض على أمر الله أبدا، فهو يقسم كيف يشاء فيمنع من شاء ويكرم من شاء وكله امتحان ليعرف من صبر ومن شكر، ولا أعتقد أن الحسد يدخل ضمن الرضا أو الشكر أو الصبر!!!
هذا من الجانب الاجتماعي أما عن الجانب النفسي فالحسد يعبر عن الغضب والإحباط وعن انخفاض تقدير الذات، فيكون الشخص غاضبا لأنه لا يستطيع الحصول على ما حصل عليه غيره، أو أن الآخر سبب له الكثير من الألم فيعبر عن ألمه بكره الخير له، كما قد يكون فاقد للثقة في نفسه وفي قدرته على تحقيق ما يتمنى أو مثل ما حقق غيره فتغلب على مشاعره الرغبة في زوال الخير الذي ينعم به الآخرون.
سعدت جدا بسؤالك كيف أغير هذه الصفة؟ وأنا أشجعك فعلا على العمل على تغييرها وعلى بذل ما تستطيعين من جهد كي تسعدي بحياتك فحسدك للآخرين لن يغير من رزق الله لهم ولكنه يشقيك،
بداية عليك الاستعانة بالدعاء" اللهم رضني بما أعطيتني وبارك لي فيما رزقتني وأخلف علي كل غائبة منك بخير"، وتذكري أن من نعيم الجنة الذي ذكره رب العالمين أنه سينزع من قلوب أهلها الغل فيصبحوا أخوانا!! فلم لا نغترف بعض هذا النعيم في الدنيا ونرضى؟؟
إذن فاعملي على تغيير طريقة تفكيرك أو تقييمك للأحداث، ففي أسلوب العلاج المعرفي نظرية(أبسط صورها) تقول بأن الأحداث الخارجية ذات طبيعة محايدة فلا هي بالسلبية ولا بالإيجابية، وتأتي قيمة هذه الأحداث مما نضيفه عليها من قيمة بناء على أفكارنا وقيمنا ومعتقداتنا،
وتؤثر القيمة أو المعنى الذي نعطيه للحدث على مشاعرنا نحو هذا الحدث أي أن ليس كل ما تعتقدين أنه خير سيكون كذلك بالفعل، تقليلك لقيمة ما ليس لديك والشعور بقيمة ما لديك ستزيد من درجة رضاك وتقلل بالتالي من شعورك بالغضب والإحباط.
إتباعك هذه الطريقة في التفكير وإيمانك بأن لا أحد على وجه الأرض يستطيع أن يأخذ رزقك ونصيبك الذي قسمه الله لك قبل ميلادك كفيل بأن يخفف حدة مشاعرك، ويسمح لك بتوجيه طاقتك وقدراتك نحو تحقيق أهدافك الخاصة، وإيجاد رزقك الذي قدره الله لك، وانشغالك بتحقيق أهدافك سيشغل وقتك ونجاحك سيقلل من إحباطك ويزيد ثقتك بنفسك.
ويبقى أن كرهك للخير لأقرب الناس لك هو دليل على غضبك الشديد منهم بسبب اضطراب علاقتك بهم، فهل ترغبين في الحديث معنا عن علاقتك بأسرتك؟ لعل الحديث معنا يخفف عنك، أنت على الرحب والسعة بيننا فتابعينا بأخبارك وطمئنينا على حالك.