طفولة قاسية ،،،، تأخر في النمو ،،، صدمات لا تنتهي وبعد ذلك استيقاظ على ضياع المستقبل والماضي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أبدأ مباشرة في سرد طفولتي، كنت طفلا بريئا جدا حسب ما أذكر الطفل الصامت في القسم والذي لا يشوش، الذي أتقن اللغة العربية الفصحى وهو لم يتجاوز 6 سنوات، كنت أرسم مناظر طبيعية من الصعب على الكبار رسمها.
ونظرا لوحمة في رأسي بدأ الأطفال في السخرية مني والضحك علي وضربي كطفل ضعيف، وكنت متعودا على ذلك نظرا للتربية على الخوف والقسوة في المنزل ومنع أي رأي من الأب رحمه الله، تلك الظروف جعلتني أدخل في حالة من عدم النمو أو التعلم التحصيلي واستمرار ضرب الآخرين لي وحتى من هم أقل مني سنا.
أثر ذلك على تطور شخصيتي كثيرا، مع مرور الزمن حدثت لي صدمة في التعليم المتوسط، إذ كنت لا أعرف الاستفراغ قبل الخروج من المنزل وضحك علي الجميع من في المتوسطة وأدت إلى اضطراب الصدمة لدي كذلك وأصبحت أعيش بلا عقل تقريبا لا أب يتحدث وينصح بل مستحيل أنظر لوجهه أصلا والمنع من الخروج من المنزل وإذا خرجت مثل أقراني أكيد سأتعرض للضرب والإهانة ككل مرة من أبي والمشكلة أنه كان يضربني أمام جميع من في الحي.
مع مرور الوقت تحولت إلى متوسطة أخرى وكانت أول بداية لقناة العفاسي التي بدأت أناشيد رائعة آنذاك أدى ذلك بالإضافة إلى تثبيت أبي للإنترنت بالمنزل من أجل الدراسة لأول مرة في حياتي أدخل منتدى دراسي وفيه عباقرة في العلوم والفيزياء والرياضيات، اختلاطي بهم أثمر لأول مرة أني أصبحت الأول في العلوم في ناحيتي والفيزياء والرياضيات كذلك لم يكن هناك من ينافسني فيهما نظرا لهذه البيئة الإنترنتية الإيجابية.
نجحت ذلك العام بتقدير ممتاز للمواد العلمية وتقدير ما دون الضعيف في المواد الأدبية أصبحت سعيد جدا الأناشيد أثرت على إيماني وأصبحت أصلي بخشوع لا يوصف كل قلبي فيه وجل غير طبيعي أثناء الصلاة وكذلك الدراسة لما أثبتت ذاتي لأول مرة منذ البداية (إذ كنت نكرة منذ البداية)، أصبحت أحضر في دروس أولى ثانوي مع عباقرة بلدي عبر الإنترنت وأصبحنا نفهم ماذا سندرس منذ البداية، وهنا جاءت الصدمة لما جاءتني الورقة (تم إعطائي شعبة الأدب التي لا أحبها وليس لدي أي أصدقاء فيها).
ذهبت لمديرية التوجيه بنفسي لأن ليس لي أحد، قال لي مدير التوجيه إذا أردت دراسة كشعبة علمي (أعد السنة الدراسية) قلت له أنا ناجح لماذا أعيد السنة؟ ونقاطي ممتازة في المواد العلمية التي أحبها، فقال أعد السنة ولا تزعجني، قلت له أترضى أن ابنك ينجح ويعيد السنة من أجل سبب كهذا تافه؟ قال أتريد أن أتصل بثانويتك وأوقفك عن الدراسة كليا؟ قلت له وأنا بدأت بالبكاء لانهياري (لماذا قمتم بتحويل ابن الطبيب إذن رغم أنه لم ينل حتى نصف علاماتي؟ قال هو ابن طبيب مستوى وأنت مستوى فلا تتحدث عن من لست بمستواهم واخرج من هنا قبل أن أغلق ملفك الدراسي للأبد)
خرجت حينها أبكي اتصلت بكافة أنواع الجرائد راسلت وزارة التربية والتعليم، راسلت الجميع، الجميع نفسي نفسي لا يوجد أحد ليساعد، ومن هذه الصدمة بعد كل الصدمات السابقة التي لم أذكر حتى 1 بالمئة منها، دخلت في حالة قريبة من الفصام العقلي إذ أصبحت أشم روائح غير موجودة، وأصبحت بدون عقل تماما، سخرية الآخرين من شكلي من ستقبل بواحد مثلك؟ من سترضى بشخص مثلك؟
أنا حينها نتيجة للتأخر العقلي الكبير نتيجة الصدمات لم أكن أعي ما هو الزواج ولماذا علي الدراسة ولماذا علي الحياة أصلا؟ استمررت على ذلك حتى أعدت السنة أولى ثانوي لأول مرة أعيد في حياتي دخلت في حالة الانهيار الكبيرة أبي ضربني وطردني من المنزل ودخلت مختبئا لعدة أيام لأنام فقط، بعد ذلك مرض أبي وتوفي رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه، استمررت على هاته الشخصية المدمرة كليــا حتى تعرفت على أخت في الله عبر الإنترنت ونصحتني بالدراسة فدرست وبفضل الله نجحت بعد أن نلت معدل 3 من 20 ودراستي الأسبوع الأخير أهلتني لأنجح لأني ذكي.
لكن الخلل في الصدمات الكثيرة التي دمرت سلاسل أفكار العقل اللاواعي، نجاحي هذا لم يكن له أي معنى إلا بعد أن شاهدت مسلسل وادي الذئاب التي تقمصت شخصيته دون أعيي ذلك أهلني في الجامعة أن أكون شخصا آخر واثقا ولديه جنون عظمة يظن أنه في مهمة عظيمة في هذه الدنيا وأصبحت أتصرف كأنما أنا ذلك الشخص البطل، وأصبحت أتكلم في المدرج بدون أي رهبة أو خوف لم اكن أصدق أن هذا أنا.
لكن لم يستمر ذلك كثيرا إذ مرضت بالحساسية الأنفية وظهرت بعض الحبوب (الهربس) حول فمي وقيل لي كلام كان يقال لي وأنا طفل صغير، فدخلت في حالة انهيار عصبي كبيرة في الجامعة أفقدتني أكثر من 30 كيلو في شهرين وأصبحت في صراع هوية من أنا ؟ ذلك الطفل الضعيف أو ذلك الشخص الجديد الذي أنا متقمص شخصيته ؟
وبدأ الطفل بالانقلاب على الشخصية الجديدة لاستعادة منطقة الأمان التي فقدتها بسبب الانهيار الذي جلبته تلك الشخصية الجديدة، وذلك الصراع كان معه الكثير من الهلع؟ ما هي الثقة بالنفس؟ هل عاقبني الله لأنني كنت (معجبا بالذات المذموم؟ أو أنني كنت أمشي بخيلاء؟ أو أنني كنت من المنافقين الذين يعملون الرياء ويريدون الشهرة ولا يريدون الله؟)
بدأت شخصية الطفل البريئ المحطمة في كل هاته التساؤلات شيئا فشيئا مع الصراعات الكثيرة حتى عدت ذلك الطفل الضعيف مجددا لحد الآن أعدت سنتين في الجامعة بلا معنى إذ كنت منهارا داخليا ولا أستطيع الدراسة، حينئذ مباشرة تم استدعائي للخدمة العسكرية الإجبارية وهناك لا أحكي لكم كم فكرت في الانتحار ودعوت الله بالموت لأنها معاناة وكلنا نصبر للمعاناة لكن كيف نصبر لمعاناة بلا معنى؟ إذ كنت أعيش ولا زلت أعيش بلا معنى؟
لم يكن أحد لي إلا أمي! وذهابي إلى هناك كان يدفعني إلى الانتحار وبكثافة لم أجد أحدا رغم أني قبل ذهابي الخدمة الإجبارية كنت أصلي كل الصلوات في المسجد وكنت كلما أخرج من المنزل أو أدخل طريقي كله ذكر لله (لا أقول ذلك رياءا) لكن ذهابي إلى هناك حطمني ودمر آخر معاقل الإرادة وحب الحياة ومعانيها لدي، إكمالي الخدمة الإجبارية على خير (بفضل الله وحده) عودتي تلك دفعتني إلى دراسة كل ما يتعلق بعلم النفس فرويد وأدلر ويونغ وأليس ميلر وفيكتور فرانكل وغيرهم.
فهمت نفسي وفهمت ماذا حصل لي وفهمت ماذا يحدث الآن لكن أين أنا؟ لقد تخرج كل العباقرة الذين تعرفت عليهم أثناء تعليمي المتوسط وكلهم بنوا مستقبلهم أما أنا فليس لدي شيء لا شهادات ولا عمل جيد، ليست هنا المشكلة بالضبط بل لا زالت داخلية، أين أنا؟ أين إرادتي للحياة؟ لماذا أنا أرى طريق (برمجة الكمبيوتر) يمكن أن يدر علي المال الكثير ولا أستطيع دراسته إذ أن نفسي فقدت أهليتها للتعلم؟ أو كلما أحاول البدء أتعلم قليلا ثم أتوقف؟ وكلما أفكر في الهجرة وتغيير البيئة لا أستطيع ترك أمي غاليتي (وكذلك أتخيل النموذج الوحيد للغربة لدي وهو الخدمة الاجبارية) فأترك تلك الأفكار.
أين أنا؟ أين أجد نفسي؟، كيف يمكنني استعادة نفسي؟ للعلم كل أقراني أنهوا دراساتهم ومعظمهم خطبوا والكثير منهم تزوج وأنا ليس لدي حتى منزل لحد الآن ليس المشكل هكذا فقط أحتاج إلى إجابة كيف أستعيد نفسي؟ مات أبي تزوج الإخوة تخرج الأقران، لكن أين انا؟ أين تلك الرغبة المشتعلة بالحياة؟
30/11/2019
رد المستشار
عزيزي... ختمت رسالتك ”لكن أين أنا"؟
يعتصرك الألم، والغصة تبدو من خلال الأحرف التي سطرتها... ما مر بك، منذ طفولتك البائسة، وتجرعك الألم ومعاناتك، وما أنت عليه الآن من حال، يبدو محزنا.
كثير من المحطات التي مررت بها من طفولتك مع أقرانك، وخلاصتها المرارة (ونظرا لوحمة في رأسي بدأ الأطفال في السخرية مني والضحك علي وضربي كطفل ضعيف... واستمرار ضرب الآخرين لي وحتى من هم أقل مني سنا أثر ذلك على تطور شخصيتي كثيرا). التربية القاسية وسلطة الأب التي خلت من الرحمة، ىسخرية الآخرين (لا أب يتحدث وينصح بل مستحيل أنظر لوجهه أصلا والمنع من الخروج من المنزل وإذا خرجت مثل أقراني أكيد سأتعرض للضرب والإهانة ككل مرة من أبي والمشكلة أنه كان يضربني أمام جميع من في الحي)...الخوف والرهبة زرعتا في طفولتك (الخوف من الأب.. الخوف من الأقران)، ومما لاشك، مع مرور الزمن، كان لهما أثر على حياتك في طفولتك (تلك الظروف جعلتني أدخل في حالة من عدم النمو أو التعلم التحصيلي) ومستقبلك.
عزيزي... إحساسك وتماهيك بتلك الشخصية التي ذكرتها (بعد أن شاهدت مسلسل وادي الذئاب التي تقمصت شخصيته دون أن أعي)، هو ردة فعل لما أنت فيه.. حاولت أن تعيش بشخصية أخرى، مما جعلك تتحرر من الخوف والرهبة، ولتشعر بالثقة والاعتزاز.. ولكنك لم تستمر بهذه الشخصية طويلا (ذلك أهلني في الجامعة أن أكون شخصا آخر واثق ولديه جنون عظمة يظن أنه في مهمة عظيمة في هذه الدنيا وأصبحت أتصرف كأنما أنا ذلك الشخص البطل، وأصبحت أتكلم في المدرج بدون أي رهبة أو خوف لم اكن أصدق أن هذا أنا، لكن لم يستمر ذلك كثيرا). ورغم ما ذكرته عن دراستك ونجاحك وإخفاقك بعض الشيء والألم الذي رافقك ... أنت لم تجد من يأخذ بيدك لتسترشد بخبرته لتذليل الصعوبات أمامك..
طبعا.. بقرائتك في كتب علم النفس، ورغم الكثير مما ورد في رسالتك، يبدو واضحا الصراع والإحباط (شخصية الطفل البريئ المحطمة في كل هاته التساؤلات شيئا فشيئا مع الصراعات الكثيرة حتى عدت ذلك الطفل الضعيف مجددا).. مع مشاعر الأسى وأعراض الاكتئاب (فكرت في الانتحار ودعوت الله بالموت ... إذ كنت أعيش ولازلت أعيش بلا معنى؟ .. وذهابي إلى هناك كان يدفعني إلى الانتحار .. .. أين أنا؟ أين أجد نفسي؟، كيف يمكنني استعادة نفسي؟..أين تلك الرغبة المشتعلة بالحياة؟).. من هذه الأعراض الاكتئاب.. ومنها تساول عمن أنت..
........................ورغم ذلك ورغم الضروف القاسية والقاهرة.. أنت موجود.. ورغم الألم أنت موجود. استطعت أن تقف وتصمد وتناضل وحصلت على البكالوريا.. مشكلتك أنك تنظر وتجتر ماضيك وتنظر إلى الجانب السلبي (الطفوله القاسية .. قسوة الأب.. الأقران.. الدراسة) من حياتك.. لكن لو نظرت إلى الوجه الآخر من حياتك.. صمودك ونضالك وعملك الآن..
وحاول أن تستغل اللحظات في دعوتك إلى الله والتقرب إليه وأن تحمده على كل شيء ... حاول أن تغير من نمط حياتك وأسلوب تفكيرك... اخلق صداقات.. حاول أن تجد امرأة فاضلة عن طريق الأهل لتكمل فيها نصف دينك.. وهنا تكون قد استطعت الرد على سؤالك ”لكن أين أنا"؟.....
أنت لست بحاجة لعلاج نفساني ... حتى الأعراض التي ذكرتها في رسالتك، تستطيع أن تكافحها .. إلا في حالة واحدة.. الأفكار السوداوية (الأفكار الانتحارية).. هنا تحتاج لطبيب أو أخصائي نفساني لمساعدتك.