وسواس قهري وكسل وضعف تركيز
السلام عليكم... أنا شابة أبلغ من العمر 26 عامًا، تم تشخيصي بأنني أعاني من وسواس قهري مُتعَلِّق بأنني غبية ولا أفهم وسيضيع مستقبلي، وأنني سأفقد عقلي تدريجيًّا، وكنت أعاني من اكتئاب بسبب هذه الأفكار خصوصًا أنها مُصاحِبَة لي منذ أن كنت في الصف العاشر، فأنا كنت متفوقة دراسيًّا، ولكن خجولة وحساسة جدًّا وانطوائية وغير اجتماعية، فلا أُجَامِل أحدًا في المناسبات وأبقى صامتة طوال الوقت، وأبكي إذا أذاني شخص أو وبَّخَنِي، وكنت لا أُفضِّل المشاركة في النشاطات المدرسية مثل الإذاعة والكشَّافة، وأتجنب المشاركة في المسرحيات الصَّفِّيَّة ولا أُحبِّذ أن أكون مَحَطَّ الأنظار، وهذا الأمر كان يضايقني منذ طفولتي وأتمنى تغييره، ولكن لم تكن محاولاتي ذات جدوى، وكنت حساسة جدًّا منذ طفولتي ومُتعلِّقَة بأمي وأؤيِّدُها في كل ما تقول وتفعل وإن لم أكن مقتنعة به، وكانت علاقتي بوالدي باردة بعض الشيء، وكان مسافرًا لفترة طويلة ولا نراه إلَّا شهرًا واحدًا في السنة، فلم يكن مُقرَّبًا جدًّا لنا.
بقي الحال كذلك إلى أن وصلت الصف التاسع، فقد كنت متفوقة جدًّا بالصف التاسع، ومُعجَبَة بسرعة بديهتي وذكائي، فكنت أُراقِب سرعة فَهمِي طوال الوقت في الحصص، وغالبًا ما كنت أفهم بسرعة، فازداد إعجابي بنفسي ومراقبتي لفهمي واستيعابي طوال الحصص.
وبعد ذلك انتقلت إلى الصف العاشر مع الاحتفاظ بعادة مراقبة الفهم والاستيعاب، فإذا فهمت الدرس أو حَلَلت سؤالًا ما في الرياضيات أو نلت علامة عالية في امتحان للمواد العلمية تزداد ثقتي بنفسي، وإن لم أفهم موضوعًا أو سؤالًا ما أو استطاعت إحدى أو بعض زميلاتي في الصف الحل قبلي أنزعج وأشعر بالغباء وضعف القدرات والاستيعاب، وزاد هذا الخوف والقلق والمراقبة لمستوى فهمي يومًا عن يوم، وبدأت تزداد حالات عدم الفهم ويزداد القلق معها بشكل مُضْطَرِد... وكان الصف العاشر يسبق التفرُّع الدراسي لتخصصات الثانوية العامة (علمي، أدبي، أو تكنولوجيا المعلومات)، وكانت ميولي أن أدخل الفرع العلمي، وكان جميع أقربائي ومُعلِّماتي يتوقَّعْن أن أدخل الفرع العلمي وأحصل على مُعَدَّل عالي، ولكن خوفي في تلك الفترة كان شديدًا من عدم فهم واستيعاب الدروس أو من الرسوب وتلَطُّخ سُمعَتِي بين معلماتي وصديقاتي وأقربائي.
وقد التحقت بالفرع العلمي بالفعل، ولكن خوفي وقلقي من الرسوب بدأ يتعاظم، وسرعان ما قمت بالتحويل إلى فرع الإدارة المعلوماتية عن عدم قناعة، وكانت أمي ترغب في أن أدخل هذا الفرع، وكانت تحاول مرارًا وتكرارًا معي لكي أُحَوِّل، وعندما كنت أسألها عن السبب كانت ترد أنني لا أملك جَلَدًا ومثابرةً على الدراسة، والعلمي يحتاج إلى الكثير من الدراسة، وقمت بالتحويل عن عدم رغبة، وأظن أن سبب تحويلي هو خوفي في المقام الأول، ثم اجتماع عامل إلحاح أمي به، ولولا ذلك لم أكن لأُحَوِّل.
بدأت ثقتي بنفسي تنهار خاصةً بعد استغراب الجميع من تحويلي إلى فرع آخر، وكنت لا أستطيع الدراسة، ولم أُحِب التخصص وأَمَلُّ بسرعة منه، مع مراقبتي دومًا لفهمي حتى وصولي للثانوية حيث كنت لا أدرس وأتشاجر مع أمي طوال الوقت، ولكن انتهت الثانوية وحصلت على معدل 91%، لكن لم أكن سعيدة.
بعد ذلك التحقت بالجامعة، وقررت أن أفتح صفحة جديدة مع نفسي، إلَّا أنِّي فشلت في ذلك، فكان الخوف والخجل والتوتر حُلَفَاء دَربِي، ولم أكن أدرس بما فيه الكفاية، ولكنني كنت أحاول... أحيانًا أذهب للإمتحانات من دون دراسة، وأشعر ببرود في المشاعر وفتور عن النجاح، إلَّا أن هذه المشاعر تذهب إذا حصلت على علامات سيئة، فيبدأ الإحساس بالذنب وهكذا إلى نهاية الدراسة.
على الرغم من ذهابي إلى طبيب نفسي عندما كنت في السنة الثانية للجامعة، وشخَّصَنِي بوسواس قهري (فقد كنت في الجامعة أتجنَّب الدراسة خوفًا من عدم الفهم والشعور بالغباء)، وأعطاني دواء الـ "فيفارين 50 ملغم"، ولم أشعر بتحسن فأوقفت الدواء ولم أَعُد لمراجعة الطبيب حتى نهاية الجامعة.
بعدها كنت أيضًا أتجنَّب البحث عن عمل خوفًا من أن يتم طردي، أو عدم فهم أمر ما، وإن حدث هذا فعلًا سيتركَّز شعوري بالغباء من جديد، وقد تركت أكثر من فرصة تدريب في شركات لتكنولوجيا المعلومات خوفًا من الإحراج وعدم الفهم، وقد فرَّطْتُ بوظيفة جيدة في مجال "برمجة مواقع الويب" بعد أقل من أسبوع من بداية الدوام بسبب خوفي من عدم الفهم والاستيعاب، وكنت في معظم الأحيان خائفة ومتوترة، وكنت لا أفهم حقًّا ما يُشرَح لي، وقد قال لي المدير "وضعك ميؤوسٌ منه" فأحزنتني هذه الجملة كثيرًا وقطَّعت قلبي، وأحسست أن أفكار الغباء وعدم الفهم حقيقية وليست مجرد وهم كما تقول أمي، فقدَّمت استقالتي على الرغم من حاجتي للعمل على الصعيدين النفسي والمادي، وكانت أمي تُشاجِرُنِي وتحزن كثيرًا عندما أترك عملًا أو تدريبًا، وتتَّهِمُني بضعف المسؤولية والتَّقاعُس عن إيجاد عمل، وكنت أرد عليها بأنها لا تتفهم مشاعري ، فكانت كل دقيقة تمر في مكان عمل أو تدريب كساعة من شدة الخوف من الفشل وعدم الفهم.
خلال هذه الفترة أعطتني أختي الصيدلانية دواء "سيتابرام 20 ملغم" يومًا، لكن لم أتحسن... وعند آخر محاولة تدريب فشلت بها ذهبت إلى طبيب وأعطاني دواء "زولفت 50 ملغم" حبَّتَين في اليوم، ولم أتحسن عليه، وبعدها أوقفت الدواء لفترة... وذهبت إلى أخصائية نفسية شخَّصتني بفكرة وسواسية مُسَيْطِرة بقوة على تفكيري، وحوَّلتني إلى طبيب نفسي شخصني بـ "وسواس قهري واكتئاب مُصاحِب"، ووصف لي دواء "سيروكسات 40 ملغم" يوميًّا، وقد تحسنت عليه (لا أعلم إن كان الدواء سبب التحسن أم الجلسات النفسية)، وخضعت إلى سبع جلسات علاج نفسي، ولكنني لم أُكْمِل العلاج للنهاية بسبب الظروف المادية، ولكن أنا عازمة على إكمالها قريبًا، وقد تحسنت بالفعل على العلاج، وخَفَّت حدة مشاعري عندما تداهمني الأفكار الوسواسية، ولكنها لم تُشْفَى تمامًا، كما أن شعوري بالاكتئاب والسوء قد تحسن عن ذي قبل.
وعندما كنت مريضة (أي قبل خضوعي للعلاج) كنتُ لا أنهي أي شيء أبدأُه بسبب الخوف الشديد والقلق من عدم الفهم والإحراج، وعلى الرغم من تحسُّني إلَّا أنني الآنأاعاني من كسل وتثاقل وبَلَادة من الدراسة ومتابعة التدريب للالتحاق بوظيفة على الرغم من رغبتي الشديدة بها، وقد كنت أعزو ذلك سابقًا إلى الخوف من عدم الفهم والاستيعاب، وتأكيد الفكر الوسواسي في حالة الدراسة وعدم فهم بعض النقاط، أمَّا الآن فلا مُبَرِّر لذلك الخمول، فأنا دائمًا أضع المنبه لكي أصحو باكرًا وأدرس، لكنني أُطْفِئُه وأعود للنوم، وأشعر بالندم والأسى عندما أخسر أي فرصة أو عمل بسبب عدم المتابعة والإهمال، وآخذ عهدًا على نفسي ألَّا أعود لذلك، ولكن تتكرر هذه القصة باستمرار، أي أن مستقبلي الآن في خطر.
أحيانًا أظن أن الدواء الذي آخذه هو السبب لأن الطبيب أخبرني بأنه يسبب الكسل، ولكن أنا أعاني من هذا الأمر قبل الدواء أيضًا... فما سبب هذه البلادة، فقد مضى على تخرجي قرابة الأربعة أعوام ولم أعمل؟.. أرجو المساعدة.
هناك نقطة أريد أن أضيفها هي أن علاقتي بوالدتي ليست جيدة، فهي تظن أنني لا أحبها لأنني أقول لها دائمًا أنها لا تهتم بي ولا تتعاطف معي في مشكلاتي كما تفعل مع شقيقتي الكبرى (وهذا واقع)، كما أن أمي تظن أن أختاي الكبرى والصغرى أذكى مني، وتُلَمِّح إلى أنَّهن سريعات الفهم أكثر منِّي، فتقول مثلًا: "أن دانا ولارا يستوعبن ويفهمن بسرعة، وفلورا ذاكرتها قوية"، أي تقول أن ذاكرتي قوية، ولا تقول أني أفهم بسرعة كأختاي، على الرغم من أن مستواي الدراسي كان في المدرسة أفضل من أختي الصغرى، ولكن العكس حدث في الجامعة، وكان ذلك يؤذيني كثيرًا قبل علاجي لأنه يُلامِسُ جُرْحِي النَّازِف... وكان والدي إذا مَدَحَت أمي ذكاء شقيقتاي مَدَحَني وقال "فلورا أيضًا ذكية"، وعندما واجهت أمي بما تقول تنكر ذلك.
شكرًا على حسن قراءتكم وإفادتكم...
أرجو المعذرة على الإطالة.
30/1/2021
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...... أرجو أن تكوني بخير عند قراءة الرد على استشارتك.
لقد وصفت وصفاً دقيقاً ومُفصًّلاً لتطور حالتك المرضية، والعوارض... ونستطيع القول أن العوارض الواضحة بتسَلْسُلِها الزمني كانت (الحساسية النفسية، الخجل، انخفاض تقدير الذات، الإحباط، النمط التَّجَنُّبي في التعامل مع مُتطلِّبَات الحياة) مع وجود تشخيص _بحسب الأطباء_ بالوسواس القهري لديك.
إن الخطة العلاجية التي تحتاجينها يجب أن تكون ضمن أربعة دوائر أساسية كما يلي:
1) أسلوب الحياة، ونمط المعيشة.
2) التواصل مع الأهل، خصوصاً الأم، وتوضيح أسلوب الدعم المناسب لك من قبلها.
3) علاج عوارض الوسواس القهري.
4) طبيعة السمات الشخصية.
ويمكن المُضِي في علاج ذلك بالتوازي عموماً، ضمن أهداف علاجية محددة ومضبوطة، علماً أن هنالك جزء من العلاج يجب أن يكون دوائياً، وجزء منه يجب أن يكون بالجلسات النفسية لدى متخصص بالوسواس القهري، وجزء من خلال توفير الدعم والتَّفهُّم من الأسرة، وجزء مُتَوَقِّف عليك، فالأهم من العلاج عادة طريقة المراجع في التعامل مع العلاج.
ويبدو أنك للآن لا تعرفين حقيقة الوسواس القهري بعمق، علماً أن التعرف على طبيعة الوسواس القهري هي الخطوة الأولى في العلاج الصحيح، لكن أُنَبِّه إلى أهمية اختيار المراجع العلمية الدقيقة، وليس القراءة على المنتديات لوجود الغَثِّ والسَّمين فيها.
الأمر الآخر: من المهم التعامل مع حالتك بجدية، فالعمر يَمْضِي، والوقت يمضي، ولا ينفع موضع التَّنقُّل علاجياً دون إعطاء فرصة للعلاج والبرامج العلاجية، فعلاج الوسواس يحتاج لأمرين يُعتَبَران الأكثر أهمية وهما: الجهد، والاستمرارية، لأنه علاج مُجهِد فيحتاج للاستمرار، ولأن المعظم لا يكمل بسبب التوقعات غير الواقعية، أو عدم فهمه للعلاج بشكل واقعي، فيحتاج لبذل الجهد اللازم.
أما بالنسبة للعلاج الدوائي، فيجب أن تلتزمي فقط بالعلاج الموصوف من طبيب نفسي، وإعطاء فترة كافية لتجريب العلاج الدوائي، فهي أدوية تحتاج لمدة زمنية قبل أن تبدو الاستجابة لها.
يمكنك متابعة بعض المقالات على شبكاتنا، والتوجيهات، وهي تتضمن المتاح فقط لتوجيه المراجعين، أما العلاج فيجب أن يكون بالخضوع لبرنامج علاجي متخصص.
فافهمي الوسواس القهري بعمق قبل كل شيء، ثم افهمي حقيقة النتائج العلاجية، وما الذي يعطيه العلاج بالواقع وليس التَّوقُّع، وقومي بما تستطيعين، وتعلَّمي من المُعالِج ما هي إمكانية التعامل مع ما لا تستطيعي، وإن كان هنالك صعوبات مع الوسواس وتبعاته، لكن هنالك النقاط الأخرى التي من الممكن السعي لتعديلها لأنها ضمن إمكانياتك، فتعاملي مع مشكلتك كأجزاء وليس ككل، لتخففي منها قدر الإمكان، وتساهمي في حل الممكن فيها.
تمنياتنا لك بدوام الصحة والعافية، والشفاء العاجل، مُستَعِينين بالله قبل كل شيء، فهو الشافي والكافي، مع التَّوَكُّل بالأخذ بالأسباب من علاج ودواء.