حكايتي كالتالي
أنا كنت شاب زي أي شاب بخرج واتفسح وبشرب سجاير وأشيش وأصاحب بنات وكنت منتهى السعادة من وجهة نظري بس كان فيه مشاكل كتير أوي في سلوكي كانت عندي وصعب حد يرضيني.
بس الحمد الله اعتكفت.. كانت أول مرة في حياتي بس اتغيرت ربنا هداني من عنده وحياتي اتغيرت 180 درجة.. كل أصحابي كمان اللي تقرب مني واللي بعد عني بعد ما اتقربت من ربنا وفضلت أصلي وأحفظ قرآن وبدأت أغير من سلوكي وحاولت أغير من سلوكهم بس كان صعب.
المشكلة أن أنا حاسس بالوحدة، وحاسس إن مفيش حد مر باللي أنا مريت بيه في حياتي .. الناس من حولي فرحانة أني كويس وأكيد أنا سعيد بس بيخافوا يكلموك ولو أنت كلمتهم ينفروا منك وساعات بحس أني وحيد جدا وأن كل اللي كانوا فهمني في الأول مش موجودين وصعب أن ألاقيهم دلوقتي.
بس أنا الحمد الله ربنا مثبتني جدا دلوقتي .
بس ساعات بحس إن فين اللي كانوا حواليا؟ فين الصحبة فين الضحك والسعادة؟
فين حاجات كتير؟!!! وشكرا.
26/03/2022
رد المستشار
أهلا وسهلا بك على موقع مجانين للصحة النفسية
قد يُعتقد لوهلة أن الأمر متعلّق باكتئاب أو أزمة نفسية، لكن ما يظهر لي أنّ المشكل مرتبط بانتقالك من نمط عيش وتصوّر للحياة إلى واحد مختلف عنه تماما، من عدم التديّن إلى تديّن من نمط مُعيّن. كنت تتفاعل مع رغباتك وشهواتك بشكل تلقائي وتراها مشروعة وتسعى لتلبيَتِها، هذا من جهة رؤيتك لنفسك، ومن جهة علاقاتك الاجتماعية كنتَ تُمثّل مراهقا متّسقا مع وسطك الاجتماعي متخفّفا من المبادئ والقواعد، تنساب بسلاسة بين أسرتك وبين أصدقائك والناس.
فجأة تديّنت، اعتكفت، والتزمت بمبادئ جديدة غريبة عن المجتمع وثقيلة عليهم في آن واحد، فقدتَ تلقائيتك مع الناس، كثُرت عليك أحكام "لا يجوز" "مُحرّم" وبدأت في تصنيف المواقف والتفاعلات الاجتماعية التي كنت تتصرف فيها على سجيّتك من قبل، تحت مجهر النّقد والتخوّف من فعل شيء يخالف الدين وتعاليمه حسب تصوّرك، فتكوّن عندك قلق ظهر على حركاتك وكلماتك وتصرفاتك، استهلك "النظرة الجديدة" للحياة حيوّيّتك وتفاؤلك، المجتمع في عينك ضائع مُضيّع والفتن في كل مكان والمحافظة على الإيمان أمر صعب.
لوحة ارتسمت بشكل قاتم أمامك فاستهلكت سعادتك وراحتك.. ربما اكتسبتَ الطمأنينة والفخر كونك تديّنت وابتعدت عن كلّ السلوكات الخاطئة وهذا جيد من جهة، لكن بهجَتَك كانت هي الثّمن، شعرت بالإقصاء الاجتماعي الذي ربما هو نتيجة لإقصائك للناس أوّلا. تحوّلتَ من "متفاعل اجتماعي وصديق" إلى "حَكَم وواعظ" دون أن تشعُر وهذا ما لا يحبّه الناس.
تخيّل أنّ شخصا سيأتيك في لقاء أو مجلس ويقول لك أنت كذا ويجب أن تفعل كذا وأخطاؤك هي كذا.. وتصورك وكلامك وفعلك خاطئ وينبغي بالأحرى أن تتصور وتتكلم وتفعل كذا! تخيل هذا بعيدا عن الدين حتى، في الصحة، في النباتية مقابل أكل اللحوم.. حتى إن كنت تتفق معهم لن يكون ذلك الموقف مريحا بالنسبة لك.
حاولت أن أقرأ ما بين السُّطور في إفادتك، وأرجو أن تصوّبني إن كنت مخطئا، فالذي حصل هو أنّك تبنّيتَ نمط تديّن مخالف لشخصيتك وميولاتك تشددت في نقاط كثيرة وأخذت دورا مختلفا عن دورك الاجتماعي السابق، شعرت بالوحشة فجأة وبالوحدة.. هل ستفهم من كلامي أنه يجب أن تعود للسجائر والحشيش والمغامرات الجنسية؟ لا طبعا، إنما قصدي أنّ هناك أنماطا كثيرة من التدين وأنت أدرى بها لمّا ستلاحظها، فاختر أقلّها ضررا عليك لأنّ النتيجة تبدو حتميّة بعد شهور أو سنوات، لن تستطيع مجاراة هذا الضغط النفسي ولن تمثّل دورا يستهلك متعتك وإقبالك على الحياة، ستنتصر الحياة في الأخير على نظرتك المتوترة والقاتمة، وستأخذ طبيعتك الاجتماعية مجراها لترميّ كل مظاهر التديّن حسنَها وسيّئها وراءها بعد أن تشتدّ أزمتك.
حاول أن تكون أكثر مرونة، وأنت تعمل على تزكية نفسك في المُتاح اجتماعيا لك، وأن تعيش عصرك لا عصر من قبلك، وأن تتقبل فكرة أن هناك من لن يتّبعك ولا يعني أن تشعر بالضيق أو أن القيامة قد اقتربت، أن تعرف أنّ "الشفافية الروحية" التي يبحث عنها البعض في الاعتزال والمبالغة في ترك الشبهات والتفاعلات وسط المجتمع والحرص على تلك التفاصيل الصغيرة التي أحيانا لا تكون من صميم الدين في شيء.. كل ذلك سيُعينك على الإبقاء على إيمانك وعلاقتك مع الله دون أن تقتل إقبالك على الحياة وأن تكون شخصا مقبولا اجتماعيا وخفيف الحضور
هناك احتمالية أخيرة أحب أن أذكرها، وهي أنّ تديّنك قد ترافق مع اضطراب نفسي أو أزمة نفسية فظهر التدين كأنه هو سبب المُشكل رغمَ أنه مجرّد تصادف وترافق أن مرضتَ وتديّنت في آن واحد.. يبقى هذا الاحتمال في الدرجة الثانية، إن أخطأت في الأول، تتبّع مسار الثاني.
وأتمنى لك مسيرة موفّقة.