نشكر لكم هذا المنبر الذي أتاح للشباب المسلم التعبير عن مشاكله اليومية، وهو واثق أن هناك آذانا متفهمة تنصت إليه، وبعد..
فإن قضيتي لا تعدو أن تكون إلا واحدة من تلك الوقفات العصيبة التي تغشى الشباب المقبل على الزواج؛ فأنا في الثلاثين من عمري، أسكن بلاد الهجرة، وبما أني لم أجد عملا ارتأيت أن أستمر في الدراسة، ثم بدأت أبحث عن شريكة تبني معي عش الزوجية، ومن بين الوسائل التي استعملتها استشاراتكم تحت تصنيف نفسي عائلي: اختيار شريك الحياة على موقعكم.
ومن فضل الله أني وجدت إنسانة ملتزمة في الـ 28 من عمرها مهاجرة ومن نفس بلادي، تراسلت معها بالبريد الإلكتروني مرتين، ثم توقفت المراسلة بعدما صرحت أنها ستسافر إلى بلادها، ولما طلبت منها معلومات على شخصيتها وأصلها أرسلت آخر رسالة تقول فيها إنها تفضل تأجيل ذلك إلى لقاء بيننا مستقبلا، كان هذا آخر عهدي بأخبارها، وكل ما أعرفه عنها (إضافة إلى ما سردته في الأول) أنها على وشك إتمام دراستها ونيل الماجستير في الاقتصاد.
وتساؤلي يتمحور حول قضيتين: أولا: قرأت في بعض مقالات د. سحر طلعت أن التفاوت في المستوى الدراسي له انعكاسات جد سلبية على رسوخ التفاهم بين الزوجين، وأنا بالذات ليس عندي مستوى عالٍ في الدراسة بمفهوم النظام الدراسي لبلاد الهجرة التي أعيش فيها (رغم أني وصلت إلى الجامعة في بلادي الأصلية).. فهل في نظركم عدم التكافؤ هذا سيؤثر سلبا على العلاقة؟ في هذه الحالة ما الحل لاجتناب مثل هذه المفارقات وإرجاع المياه إلى مجاريها؟
المسألة الثانية هي حيرتي في هذا الأمر.. فلا أعرف هل هذه الإنسانة صادقة في كل ما قالت وعازمة على التعرف علي؟ أم أن تأجيلها للأمر هو فقط طريقة للابتعاد والرفض؟
أفتوني وأنيروا طريقي، جزاكم الله كل الخير.
27/7/2025
رد المستشار
الأخ الكريم، أرجو أن تتقبل معذرتنا لتأخرنا في الرد عليك، فظروف الحرب على غزة وتداعياتها وانشغالنا بما يجب علينا فعله في المرحلة الراهنة شغلنا حتى عن أنفسنا، والتساؤل الذي كان يشغلني دائما هو: ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه شبابنا في المهجر من أجل تعريف العالم بعدالة قضايانا وظلم وجور أعدائنا؟ كيف يمكن أن يتحول هذا العدد الرهيب من الدارسين والمهاجرين والعاملين في الغرب إلى رسل وسفراء شعبيين لاكتساب المزيد من المناصرين لنا والمناهضين لسياسات حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وأطماعهم الاستعمارية؟ وما هو دوركم لإظهار الوجه القبيح والحقيقي لهذه الدول الاستعمارية وللكيان الصهيوني؟
إننا هنا نحث الشباب على التواصل عبر الإنترنت مع الشباب في الخارج، وأنتم بحكم تواجدكم اليومي بينهم ومعايشتكم لهم في العمل وفي أماكن الدراسة، وبحكم غياب حاجز اللغة.. يمكنكم أن تقوموا بهذا الدور على خير وجه، فهل تدركون عظم المهمة التي تقع على عاتقكم؟ أم أنكم تعيشون في هذه المجتمعات داخل "جيتو عربي" أحطتم به أنفسكم؟ هل تدركون أن هدفنا أن نزيد من حجم الرفض المتصاعد في الشوارع الأوربية والأمريكية بكل وسيلة ممكنة، وأن نعمل على تلاحم جهود العرب والمسلمين مع كل إنسان يبغي تحقيق العدل والمساواة، ويدافع عن المظلومين ويقف في وجه الظلمة، ومع كل من يدرك قيمة الإنسان خليفة الله في الأرض، فيعمل على حفظ حياته وكرامته وماله وعرضه، ويعمل على رفع الظلم عنه بغض النظر عن ديانته ومعتقداته، وبغض النظر عن جنسه ولونه، وبغض النظر عن أي اعتبار آخر إلا أنه إنسان كرمه الله؟ أعتقد أنه قد يفيدك أن تطلع على مقال "الدبلوماسية الشعبية" على موقعنا هذا، واعذرني أنني انصرفت بك عن مشكلتك الأساسية، فأعتقد أن ما أهمني قد أهمنا جميعا، ووجدتها فرصة سانحة أن أخاطب إخوتنا المغتربين في شخصك الكريم.
ونأتي لمشكلتك الأساسية وهي اختيار شريك الحياة، وأنا أدرك جيدا صعوبة أن تجد الفتاة الملائمة في مجتمع الغربة، ولكن التروي ضروري جدا، وتحديد ما تريد توافره من صفات مهم ولازم.
أما بالنسبة لهذه الفتاة فالحقيقة أننا لا يمكننا التكهن بحقيقة رغبتها، قد تكون نيتها فعلا تأجيل الموضوع حتى تعود من السفر، وقد تكون غير راغبة أو عازمة على الارتباط بك، مع الأخذ في الاعتبار أنك لم تلتقِ بها ولم تعرف عنها شيئا، وقد تلقاها وتعجبك وقد لا تعجبك، وقد يغيب ردها عليك؛ فهل ستنتظر سرابا في الخيال؟ الأفضل لك أن تبحث عن غيرها، وأن تعمل من البداية على التعرف عليها على أرض الواقع.
أما بالنسبة لسؤالك عن الفارق في المستوى التعليمي بين الزوجين؛ فالمشاكل التي تحدثت فيها في هذا الأمر كان الظاهر وجود فارق كبير جدا بين من يريدون الارتباط، فإذا تواكب هذا مع وجود نظرة مجتمع ترسخ وتعلي من شأن الشهادة الجامعية، فإن هذا قد يخلق نوعا من المشاكل بين الزوجين، وما أراه أن الوضع يختلف عندما يتعلق الأمر بالدراسات العليا، وخصوصا أنك تريد الاستمرار في الدراسة، والأهم من كل هذا أن تحدد -قبل الإقدام على أي خطوة- ما تريده بالضبط في زوجتك، وأتمنى أن نسمع عنك ما يطمئننا عليك، فلا تتردد في أن تتابعنا بالتطورات.