أودُّ أن أشكر كل من يساهم في حلول الأسئلة والاستشارات والمشاكل الاجتماعية والنفسية وغيرها.... وأودُّ أن تُحل مشكلتي بأيديكم إن شاء الله.
قصتي بدأت عندما كنت طفلة صغيرة. كنت كباقي الأطفال ألعب وألهو وأمرح، ولكن كنت أشعر بنقص في نفسي وشخصيتي.... كان الأطفال من حولي يعبِّرون عما في نفوسهم أمام الكبار، هذه الميزة لم تكن فيّ، مع العلم أن علاماتي في المدرسة لم تكن عالية.... كنت غير متثقفة.
بقيت على هذا الحال إلى أن وصلت سن الخامسة عشرة، حتى قابلت شخصًا متعلمًا ومتثقفًا أدخل في عقلي أشياء من واقع الحياة، فغيَّرت نفسي، ومرة فمرة أصبحت إنسانة أخرى.... أصبحت أتكلم مع الناس دون خوف، وحصلت على ثقافة عالية من قراءتي الكتب وغيرها، والتزمت بالصلاة، وأصبحت أدرس دراسة جدية، وأصبحت من الأوائل في المدرسة، وأصبحت شخصيتي شخصية متميزة في كل مكان، في البيت، بين الأقارب وغيرهم، والتعامل مع الناس.
وفي المدرسة كنت أؤدي واجبي على أكمل وجه بكل حيوية وحب لعملي إلى أن جاء يوم فقدت فيه أعز إنسان في قلبي وكان عمري 16 سنة.... بعد ذلك لا أدري ما حدث؟ بدأت أتراجع إلى الوراء مرة فمرة، حيث إن كلمة صغيرة أثرت في نفسي، مرة فمرة تراجعت إلى الخلف أكثر فأكثر.... أصبحت بدون جدوى، لا أتكلم مع الناس، وأصبحت علاماتي متدنية في المدرسة، والكل تعجب من ذلك، وسألوني: ماذا حدث؟ قلت لهم: لا أدري.
أصابتني كآبة شديدة لا أدري كيف تنتهي؟ كرهت كل شيء في الكون.... كرهت المدرسة والناس. كنت أفكر مع نفسي بأشياء غريبة لا معنى لها.... لا بد أن قراءة الكتب جعلتني هكذا أو هناك بعض المشاكل التي عانيت منها هي التي جعلتني هكذا.... لا أعرف، كل هذه الأمور عقدتني وجعلتني هكذا، وشخصيتي أصبحت منعدمة.... بل كلما أكون بين مجموعة من الناس هم يتكلمون وأنا بدون كلام.... لا أعرف ما أقول؟ كنت في المدرسة من المتميزين، كنت مثلاً في مسائل الرياضيات والفيزياء أجيب وأحل أذكى الأسئلة دون غيري.... تعجبت من نفسي كيف أصبحت كذلك؟!!
في حياتي يوجد الكثير من المشاكل. لقد تحملت أشد الإهانات التي حدثت لي، أما الآن فأي كلمة صغيرة تجعلني أتراجع، مثلاً سمعت من إحدى الفتيات بأني أفتخر بذكائي أمامهم كثيرًا.... تلك الكلمة أثرت فيّ كثيرًا. أنا صحيح حصلت على معلومات كانت أعلى من مستواي، ولكن هذا كله كان من مجهودي، فكلما قالت المعلمة شيئًا كنت أزيد عليه أكثر من مستوى أعلى، أحدها من قراءتي الكتب، وغيرها من تفكيري، وكنت أدرس دائمًا بكل حب للدراسة، والآن أحاول أن أعيد نفسي كما كنت عليه من قبل، وأكون شخصية أفضل مما كنت وأحب، ولكن كيف؟
فكلما أحاول أن أعيد نفسي، وكلما أخطو خطوة أتراجع أكثر فأكثر، وكلما أحاول أن أمسك ورقة وقلمًا وأكتب كل ما في نفسي أتراجع، فالكآبة تغلبني في جميع الأحوال.... تركت الصلاة.... أصبحت بلا جدوى، لقد تعرضت لكثير من الإهانات لا أعرف كيف أدافع عن نفسي؟ أصبحت لا أثق بنفسي، وأصبح المستقبل يأخذ كل تفكيري. أخاف أحيانًا من المستقبل فأسمع أحيانًا أن هناك الكثير من الناس كانوا مبدعين وأصبحوا مجانين أو أصبحوا......
لا أعرف أخاف من هذا الكلام، فكلما أسمعه أخاف.... أشعر أنني سأصبح مثلهم، فأنا فتاة فقيرة.... كلما أصبحت أفكّر بأن الدراسة والتعليم لا يفيدانني بشيء لأن أبي يقول لي دائمًا لن أجعلك تكملين تعليمك وتأخذين دراسات عليا.... أقول: ماذا سيفيدني هذا إذا لم أحصل على النقود لدخول الجامعة؟ حيث سألت إحدى النساء المتخصصات بعلم النفس وتحليل الشخصيات، فقالت لي بأن شخصيتي قوية أستطيع أن أدبِّر كل الأمور بذكاء، وقالت لي إحدى المعلمات في المدرسة بأنني ذكية ويوجد عندي ذكاء، لكنني أنا أخفيه.... لا أعرف لماذا كلما أحاول أن أبدع أتراجع إلى الخلف؟!
أرجوكم ثم أرجوكم أرسلوا لي الحل، ما الحل؟ فأنا بحاجة لتغيير نفسي وتكوين شخصية متميزة عن جميع الناس، أحب أن أكون من المبدعين، وأن أخفي الكآبة من نفسي إلى الأبد، فأنا مقدمة إلى المرحلة الأخيرة في المدرسة ألا وهي التوجيهي، أي الصف الثاني عشر، وعمري الآن 17 سنة أريد أن أرجع من المتميزين في الدراسة.... كيف؟!
أصبحت كلما أمسك ورقة وقلمًا وأحل مسألة رياضيات أو فيزياء عقلي يتوقف عن التفكير.... لا أعرف ما الحل؟ لما أصبحت كذلك أصرخ أصرخ مع نفسي، ولا أحد يسمعني فما الحل.... أرجوكم؟ لا بد أني أطلت عليكم، ولكن أنا أعرف أنكم تريدون التفاصيل.
وأريد أن أرسل لكم الآن مشكلة أخرى أواجهها في الوقت الحالي عن شاب يلاحقني يمكنكم أن تعتبروها مرتبطة بهذه المشكلة،
وشكرًا جزيلاً لكم.
9/9/2025
رد المستشار
ابنتي "الكريمة"، هناك بعض النقاط لفتت نظري في رسالتك، فأردت أن أتوقف عندها لأهميتها:
* تقولين إن قراءة الكتب ربما هي السبب الذي جعلك في الحالة التي تمرين بها، وأقول لك إن هناك مفهوما خاطئا شائعا بين الناس وهو أن كثرة القراءة تؤدي للجنون؟! وإذا كان الأمر كذلك فنحن إذن "أمة المجانين"؛ لأن أول كلمة خاطبنا بها الله تعالى هي "اقرأ"!! القراءة يا ابنتي تزيد المرء نضجًا وحكمة وعلمًا، وإلا ما أمرنا بها الله تعالى في أول آيات كتابه الكريم.
* تقولين إنك "تركت الصلاة"، وأقول لك يا ابنتي "الصلاة عماد الدين"، وهي الركن الثاني من أركانه، وهي أول ما يُسأل عنه المرء يوم القيامة، ونحن نستعين بها على مصاعب الحياة، حيث قال تعالى: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاة"، فإذا تخليت عنها تكونين قد حرمت نفسك من أهم مصادر العون والمساعدة، فاستعيني بالصلاة ولا تسمحي للشيطان بأن يصل بك لهذا المستوى.
* التميز في الدراسة في الصغر لا يشترط أن يستمر؛ لأن قدرة الطفل على الحفظ تكون –بلا شك- أعلى من قدرة البالغ، ولكي يحافظ الشخص على نفس مستواه السابق فإنه يحتاج لبذل جهد لم يكن يحتاجه من قبل، ويحتاج أن يضاعف جهده الذي كان يبذله في طفولته، ويكتسب مهارات جديدة في التحصيل والفهم، وهو ما يستلزم دأبًا ومثابرة ووقتًا، وربما يفشل مرة وينجح مرة حتى يستطيع أن يتقدم بالتدريج نحو المستوى الذي يطمح إليه.
* وأخيرًا، أقول لك إن الأعراض التي تمرين بها الآن، قد مررنا بها جميعًا من قبلك، وهذه هي سن المراهقة، حيث تتغير كيمياء الجسم كله، فيزاد تركيز هرمونات ويقل تركيز هرمونات أخرى، وعليك أن تحتفظي بصبرك وهدوئك حتى تمر هذه المرحلة بسلام، وحتى تستعيدي توازنك وكامل لياقتك وحيويتك.
ونرجو منك مراجعة إجابات سابقة لنا ستفيدك بإذن الله، منها:
ظنون المراهقة: علامات النضج
من لا يحب ولا يحب: ليس منا!
تحت العشرين... سنوات القلق والشك