أريد أن أعرف
رد المستشار
أختي العزيزة: السلام عليك ورحمة الله وبركاته...
بداية أشكرك على مشاركتك إيانا همك، وأسأله تعالى أن ينفعك في الدارين بتقواه، وأن يحققك بها ظاهرا وباطنا علما وبصيرة: (واتقوا الله ويعلمكم الله)، وبعد:
من الفرائض التي يؤكد عليها الدين، ويغيب أو يضعف اليقين بخطرها في ميزان القرب من الله تعالى: تحري صلاح القلب، فأمراضه الباطنة كالرياء وسوء الظن والعجب وغير ذلك مداواتها فرض عين - يجب على كل مكلف بعينه- ذكر الإمام النووي في مقدمة كتابه المجموع في الفقه الشافعي ما نصه:
"أما علم القلب وهو معرفة أمراض القلب كالحسد والعجب وشبههما فقال الغزالي: معرفة حدودها وأسبابها وطبها وعلاجها فرض عين، وقال غيره: إن رزق المكلف قلبا سليما من هذه الأمراض المحرمة كفاه ذلك ولا يلزمه تعلم دوائها، وإن لم يسلم نظر: إن تمكن من تطهير قلبه من ذلك بلا تعلم: لزمه التطهير كما يلزمه ترك الزنا ونحوه من غير تعلم أدلة الترك، وإن لم يتمكن من الترك إلا بتعلم العلم المذكور تعين حينئذ. والله أعلم". اهـ .
قدمت بهذه المقدمة تذكيرا لنفسي وللقارئ الكريم بهذه الفريضة المهمشة غير المتنبه لأولويتها في حياة المسلم بل في حياة أي إنسان يبتغي السلام الداخلي..
تحدثتِ أختي الكريمة عن الرياء، وذكرت أنك تشعرين بأنه يلابس طاعاتك، ولم تفصلي في ذلك، هل تشعرين به حال الطاعة أم بعد انقضائها، وهل الرياء هو باعثك الأقوى للعمل أو الأضعف ؟
كل هذه التفصيلات وغيرها فيها كلام يوضح حالاتها المتعددة، وكتب فيها العلماء سطورا كثيرة، وحيث أنك لم توضحي الحالة التي ابتليت بها، فأرشدك إلى قراءة كتاب مختصر منهاج القاصدين للإمام ابن قدامة المقدسي-وهو سهل يسير- وستجدين فيه ما يهديك بتوفيق الله إلى علاج حالتك، واقرئي من على مجانين:
وسواس الرياء في المسلمين
أما عن الفرح بالمدح على الطاعة، فيكون مذموما مكروها إن كان لما يترتب على هذا المدح من إكرام وتعظيم وقضاء للحاجات، ويكون محمودا إن كان نظر المرء إلى حسن صنع الله، وجميل لطفه، إذ ستر القبيح، وأظهر الجميل، ووفق إلى الطاعة بفضله، وأثاب عليها بفضله، فيفرح بالطاعة لأنها صدرت من الله إليه، ويفرح بمدح الناس لأنه بشرى ربه العاجلة إليه بالقبول كما ورد في الحديث، لا لما يستلزمه المدح من تعظيم الناس له كما ذكر آنفا.
الإخلاص عزيز يا أختي، وطريقه المجاهدة والمراقبة وكمال حسن الظن بالله عز وجل، فلا ينبغي أن يصد المرء عن طلبه التخليط، فالمخلط إلى ذلك أحوج كما يقول الإمام ابن قدامة المقدسي، وقد نقل عن بعض الصالحين قوله: سيروا إلى الله عرجا ومكاسير، وأوصيك ونفسي بأن نلزم الدعاء بصلاح الحال ظاهرا وباطنا في خير ولطف وعافية، مع حسن ظن الله، وإقبال على صالح العمل، مهما كانت العثرات كثيرة، فكرم الله واسع، والذنب يزيد المؤمن همة وإقبالا و صلة بالله بل وفرحا باللطيف الخبير، الكريم الودود الذي يفرح بتوبة عبده، ويغفر الذنب، ويقبل التوب.
أما رغبتك في الاهتمام ممن حولك، فهي فيما يبدو ليست في حد الاعتدال، وأينا تستقيم كافة صفاته النفسية، إلا من رحم ربي؟! فعالجي ذلك بتدعيم حبك لذاتك وتقديرك لها، ثم لا بأس في طلب الدعم النفسي ممن تثقين بحكمته وحبه من أهل أو صديقات، ويحضرني اللحظة دعاء جميل قرأته مرة: اللهم كما صنت وجهي عن السجود إلا لك، فصنه عن الحاجة إلا إليك... أسأله تعالى أن يعطينا جميعا أنسا به يغنيك به عمن سواه.
أما ما ذكرته عن الشاب الذي تعلق قلبك به، لما رأيت من التزامه الظاهر، فأود أن أقف معك وقفات، نقلب فيها الأمر معا:
أحدها: تحرير مفهوم الالتزام، ألا ترين معي أن كل مسلم به قدر من الالتزام، الأخلاقي أو الشعائري، فكل خير هو مطلوب شرعا، وكل شر هو مذموم شرعا، ثم يتفاوت الناس في الأخذ بخصال الخير والشر، وتقييمهم لأولويات الخيرية تبعا لاختلاف نفسياتهم وثقافتهم.
مثلا نجد بعض الناس يجدون اللحية شرطا مهما للالتزام ، ويضعونها في منزلة ربما أعلى من كمال الرفق، أو سخاء اليد، وينظر بعض آخر إلى الأمر من زاوية مختلفة فيرى بعضهم اللحية سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن كمال الرفق سنة أخرى ويرون أن الأخيرة أولى وأهم في ميزان الالتزام بدين الله وشرعه ونهج نبيه.
أردت أن أقول أنك لم تتعرفي على خصال هذا الشخص لتتبيني الالتزام الذي ترتضينه في زوجك وشريك أيامك. هذه النقطة لا بد أن تكون واضحة في ذهنك لكي لا يتعلق قلبك بما لا يتحققه.
الثانية: هل الالتزام وحده كاف لبناء حياة مستقرة ؟ أليس في الحياة تفصيلات كثيرة يحصل بها التآلف أو التنافر، ويكشف التواصل عن بعض منها، ألا ترين أن التعلق بمن لم نتواصل معه بحيث نكتشف مواءمته لنا نفسيا وروحيا وقيميا هو نوع من تعلق متوهم بصورة غائمة؟
الثالثة: وبعد ذلك كله، لا أنكر عليك تعلق قلبك، فأحوال القلوب ليس مرجعها إلى العقل وحده، لكن العقل هو مرشد للقلب يعينه في مكابدته بحيث لا تحيل حياته قلقا وهما..
فتفكري فيما ذكرت، واقرئي من على مجانين:
ممكن أحس ممكن أحب
أريد السكن
فإن وجدت قلبك لا يزال متعلق، فأمامك فيما أرى طريقان:
أحدهما: أن توسطي من تثقين بدينه وحكمته لكي يكون سببا ليجمعك بذلك الشاب.
الثاني: إن تعذر ذلك، فأعيني قلبك على قطع الرغبة في هذا الشاب، بإقبالك على أداء الواجبات الاجتماعية، والارتقاء بنفسك إيمانيا وحياتيا، ولا تتركي هذه المشاعر تختصر أملك في كرم الله أن يرزقك من تطيب به حياتك، وأقبلي على ذلك بهمة وقوة وعزم، وكوني مع الله فلن يضيعك. والله الهادي إلى سواء السبيل.
واذكريني في صالح دعائك يا أختي، فما البلاء إلا من علامات المحبة والقرب. وتواصلي معنا لنطمئن عليك.