إذلال الذات أم جلدها،ولم؟
فضفضة مريض
الأستاذ/وائل أبو هندي ... أنا صاحب مشكلة (إذلال الذات أم جلدها،ولم؟) ..
إذلال الذات أم جلد الذات؟ ولمَ؟ ،م
ودون أن أكرر حديثًا تقليديًا، أجد نفسي تعجز عن المتابعة قبل أن أتوجه لشخصك الكريم بكل التقدير والتحية..
كنت قد انتظمت علي العلاج (مودابكس 50) لفترة معقولة، والحمد لله شعرت بتحسن كبير ليس فقط على مستوى أفكاري فقط ولكن على مستوى تحركاتي في الحياة بوجه عام.. أشعر الآن أن حالي أفضل بنسبة 60% .. وأعتقد أن ذلك بدأ يظهر أثره في الدراسة، وفي تغير آراء من حولي عني..
لكن مشكلتي الآن (وأعتقد أنها أبسط من ذي قبل) أني أعاني بين فترة وأخري من إحساس بالشؤم والضياع، والاكتئاب عمومًًا.. وأشعر حينئذ بأن عقلي يبذل مجهودًا يفوق تحمله؛ نتيجة الألم والصداع اللذين يعصفان بي من تتابع قدر هائل من الأفكار السلبية..
وأعتقد أني في هذه الأثناء أكون أكثر عدوانية (علمًا بأني لم أكون عدوانيًا من قبل).. وخاصة عندما أرى أن كل معاناتي في السابق كانت بلا سبب ولا ثمن.. وأن الناس -كل الناس- كانوا ظالمين وقساة عندما كانوا ينتقدوني بمرضي الذي يعذبني، ويحرمني بهجة الحياة التي يرفلون فيها.
أشعر وكأنني أريد أن أقتلع من عقول الناس ثقافاتهم الضحلة التي تنطوي على الأنانية وعدم نقدهم لذواتهم، مع جلد الآخرين بقسوة في ذات الوقت.
أرى أني كنت قد ظلمت نفسي لأقصى حد عندما برعت فقط في تقريعها وعدم الاعتراف بأي قيمة لها لمجرد أنها تنتمي لي.. وعلي النقيض تماما كنت أعطي الآخرين فوق ما أعطوا ذواتهم من تقدير.. عندما كنت أري أخطائي البسيطة علي أنها جرائم لا تغتفر.. بينما جرائم الآخرين تدل علي عظمتهم ومقدرتهم التي لا أملكها!!
وأشعر أنني مازلت أظلمها أكثر وأكثر عندما أعلم ظلمي لها ولا أقدر على دفعه عنها، بل ومازلت أقرعها حتى على ظلمي لها!!
كم يثير الآخرون حفيظتي عندما يفعلون كل ما يشاءون وهم يلتمسون لأنفسهم ضمنيًا كل الأعذار(أو حتى لا يكلفون أنفسهم بالبحث عن الأعذار)، بينما يصرون على ألا يلتفتوا لأعذاري الواضحة وهم يوجهون لي سياط الانتقادات.
آسف علي إزعاجك للمرة الثالثة، ولكن اعتبرها مجرد فضفضة مريض مريض ينتظر تعقيبك عليها...
شكرًا لك.
30/09/2005
رد المستشار
الأخ الزميل "هاني"
لا يمكنني تشخيص حالتك ولكن يسعدني أن تعلمت تشخيصها، بعد أن تفضل الأستاذ الدكتور وائل أبو هندي بذلك. بيد أني أود المشاركة في حل مشكلة زميل أصغر يمشي على نفس الدرب الذي مشيته منذ سنوات.
يا أخي
أرى أن الوسواس الذي تعانيه هو وسواس غائر في سمات شخصيتك، فأنت تربيت على الضبط والحزم الشديدين في جو أسرى بالغ بل أسرف في المثالية، وغاب عن هذا الجو أن البرعم الصغير يحتاج إلى النسيم بقدر حاجته للماء والتربة، فتربيت في جو موصد النوافذ حتى أصابك الاختناق (القلق الداخلي)، وكنت في صباك تتعايش مع ذلك الكبت وساعدك طموحك المحدد آنذاك في التفوق الدراسي والمؤازر بإعجاب الآخرين، وهكذا مرت تلك المرحلة والبركان يستعد للانفجار.
أما في مرحلة الأزمة الجامعة ولما اتسع العالم من حولك و لما زادت العيون الراصدة خطواتك ولما بعد عنك هدفك في إنهاء الدراسة بتفوق لأن ذلك يتطلب أن تترصد الهدف ست سنوات محفوفة بالمفاجئات والمطبات. فأنا أرى أن أفكارك الوسواسية قد تكلمت بلسان حالك الغير راض عن أسلوب حياتك. فقالت ما لم تستطع بلسانك أن تقوله وتقمصت دور العدو المهاجم لنفسك، فأمعنت في إحراجك والتقليل من شأنك دائما.
وقد زاد من قسوة الأفكار أنها أخذت شكل الرهاب الوسواسى (Obsessive phobia) فأمسيت تتخيل الموقف وتخشاه بل وتتجنب أن تصادفه بعد ذلك.
أما ما بقى لديك من العدوانية التي تصفها فهي وإن صح التعبير قلق داخلي متبقي قد كسي الفكر بنيران الاستغراب من موقفك ومن مرضك والاستغراب هو أولى خطوات عدم الرضا بالحال وهو الذي دفعك الآن أن تبدأ في تحويل فكرك من النقد لنفسك إلى الحقد على مواقف الآخرين الذين لم يقفوا بجانب معاناة المريض.
أيها الأخ الصغير
أنت قطعت شوطا في العلاج لكنه غير كاف. لأن الأفكار قد هدأت لكن القلق والاكتئاب على أشدهما. لذا كما نصحك أ.د.وائل أنصحك بزيادة جرعة العلاج أو التغيير لدواء آخر لأن المودابيكس مع الاحترام للأستاذ الذي وصفه له تأثير مهدئ ولا يساعدنا في زيادة الجرعة إلى الحد الذي يسحق الأفكار وأظنه أكثر من هذه الجرعة ثلاثة أضعاف، كما أرى حالتك بحاجة إلى مضاد للقلق ليخمد العدوان الناشب بداخلك.
أما ما تحتاجه بعد ضبط جرعتك فكما أسلف أستاذي هو العلاج المعرفي السلوكي ومنه ستتعلم كيف تراوغ الفكرة وتغلوش عليها وكيف تستدعيها في جو من الاسترخاء لكي يزول القلق الذي يصاحبها.
أما نصيحتي الأخيرة فهي أن تخلق لنفسك متنفسا من هواياتك فأنت تعيش بين رحى الوسواس وما أدراك؟ وبين كلية تحتاج لشيء يخفف من خشونتها على النفس.
وأخيرا أنا سعدت بالكلام إليك وأشكر الأستاذ الدكتور وائل بتحويل الرسالة لي وليتني أكون كما ظن بي.
مع تمنياتي بالسعادة