في العمل....الوضع نار.!؟
بسم الله الرحمن الرحيم..
بداية أعتذر أنني سلكت هذه الطريق الملتوية لبعث مشكلتي لأنني لا أدخل النت كثيراً ولا أستطيع المتابعة بشكل مستمر لهذا الموقع الأغر..
أختي الفاضلة لمى: أنا (أبو المجد) صاحب مشكلة "على درب النجاح نصائح وتوصيات" وهنا أود أن أستشيركم في مشكلة أخرى تواجهني أتمنى من الله أن أستطيع شرحها بشكل ميسّر وسهل..
أختي الكريمة..
بحمد الله أنا متدين أصلي جيدا وأحافظ على المستوى الإيماني الذي يجعلني قريب القلب من ربي...
أدرس سنة ثانية تمريض وأعمل ممرض في مستشفى إسلامي في إحدى العواصم العربية.
مشكلتي أيتها الفاضلة أنني بتّ أشعر أن نظام حياتي تغيّر... ومع ضيق ذات يدنا أشعر أنني أكافح... هو شعور نبيل ولا شكّ لكنه في ذات الوقت يجعلني أشعر أن كل أقراني يستمتعون بأموالهم وحياتهم إلا أنا.. فأنا علي أن أعمل وأكافح وأسهر وأدرس لكي ألبي طموحي وطموح والديّ....... فلذلك نفسيتي ساءت عن ذي قبل ولا أعرف ما الحل الذي يجعلني مستمتعا بنفسي كشاب يدرس ويعيل نفسه وأهله في ذات الوقت!
نقطة أخرى أحب أن أستعرضها هنا وهي بيئة عملي, فبحكم أنني موظف جديد وجدت أنني أمام موظفين يشاطرونني عملي... والمشكلة ليست هنا, المشكلة تكمن أنني أسمع أن فلان يغتاب فلان والأول يعيب الثاني والثالث يحذرني من الرابع... فدخلت دوامة لا قبل لي بها... والأدهى أن الأسلوب الأخوي لدى هؤلاء الموظفين لا يحلو إلا بالشتيمة "أجلكم الله" فمثلاً لا يمكن أن يقول لي يا أخي... بل يقول يا غبي.. يا إمعة...الخ
لا أعرف كيف أغير هذا الأسلوب مع العلم أنهم كلهم أكبر مني وأنا نفسي لا أستطيع شتم أي شخص مهما كان... فما الطريقة التي أعاملهم بها... وهل أقف سدا منيعا يحجبهم فتسوء علاقتي بهم.. أم أداريهم لأحقق رغبتي في مواصلة عملي وتحصيلي لعائد مادي أحتاجه؟!!
تحياتي....
30/8/2005
رد المستشار
أهلاً بك من جديد يا أبا المجد, ورمضان مبارك بإذن الله عليك وعلينا وعلى الأمة الإسلامية كلها.. نسأل الله تعالى العون والقبول..
أسئلتك يا أخي بسيطة, تحتاج منك فقط إلى القليل من التعمق في فهمها والتعامل معها, فبالنسبة لسؤالك الأول والذي نلخّصه بعبارتك هذه "أشعر أن كل أقراني يستمتعون بأموالهم وحياتهم إلا أنا".. سأقول لك:
عندما ننظر إلى ما في أيدي غيرنا ونفكر بطريقة سلبية نتعب كثيراً, بل إن الله تعالى نبّه نبيه من هذه الطريقة في التفكير حين قال:"ولا تمدّن عينيك إلى ما متّعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه".. أي لا تنظر يا محمد وتقارن نفسك ووضعك ووضع المسلمين بما أعطاه الله تعالى لغيرهم, ولا تحسب يا محمد أن الله تعالى أعطاهم لأنه راضٍ عنهم وحرمك لأنه ساخط عليك, بل كلا حالتي العطاء والمنع: اختبار من الله للعبد..
وأنت يا أبا المجد, لو بقيت تفكر بطريقة أنك محروم من الاستمتاع بحياتك, وأن أقرانك يستمتعون بحياتهم, ستتعب كثيراً وفي النهاية لن يصيبك من الرزق المادي والمعنوي في هذه الحياة إلا ما قسمه الله لك...
لماذا لا تنظر إلى من هم أسوأ وضعاً منك؟ هل كل الشبان يجدون عملاً يكفيهم ذلّ الفقر والعوز؟ ويكفيهم شر البطالة؟ الحمد لله على نعمة العمل التي أنعم الله تعالى بها عليك.. أم هل تحسب أن النعمة هي في البطالة؟
لو أنك عدّلت من طريقة تفكيرك قليلاً, فستتغير نظرتك لنفسك ولما تقوم به, ولن تجد نفسك بعدها الفتى المحروم.. بل ستجد نفسك الفتى "المحظوظ" كيف؟
حين تفكّر بقاعدة "الثواب على قدر المشقة" حين تفكّر بمبدأ "وإن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله, وإن خرج يسعى على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله".. هذا الكلام الذي قاله النبي عليه الصلاة والسلام عن رجل مفتول العضل قوي البنية قال الصحابة حين رأوه "لو كان هذا في سبيل الله" يقصدون في الجهاد وقتال أعداء الله.
ولا تنس أن ما أنت فيه هو بداية طريق النجاح والراحة, ولن تكون الراحة راحة إلا إذا جاءت بعد التعب والنصب, وعندها فقط يكون للراحة طعم, وإلا تحوّلت إلى ملل وخمول..
ما يجعلك مستمتعاً بأنك شاب تدرس وتعمل وتعيل نفسك وأهلك, هو معرفتك بأنك في جهاد 24 ساعة, هو أن تعرف أن الله تعالى يرسل ملائكته لتؤيدك وتسدد خطواتك, أن تشعر بمعية الله عز وجل لك..
وهذا لا يعني أن تبخس نفسك حقها تماما في الترفيه المباح والمطلوب, ولكن بالقدر الذي يتناسب مع وضعك ودخلك ووقتك, وبما يرضي الله..
أعلم كم أن الضغوط حولك كبيرة وقاسية في عصر صار الناس يقيّمون فيه الانسان بالموبايل الذي يملكه وبالسيارة التي يركبها وبالملابس التي يرتديها, ولكن صدقني لو ركضت وراء هذه الأمور واقتنيتها فعلا, فسيحترمك الناس ولكنك لن تحترم نفسك لأنك لن تشعر بقيمة نفسك, فكلنا يعرف قيمته الحقيقية, هل تعرف كيف نعرف قيمتنا الحقيقية؟ عندما نلبس ملابس الإحرام : أين الموبايل, أين البدلة, أين السيارة الفارهة أين وأين...؟
هل تعلم أن ملابس الإحرام تشبه الكفن إلى حد بعيد؟
لماذا اختار الله تعالى لنا هذا النوع من الملابس حين نحرم؟
ليجرّدنا أمام أنفسنا من أي شيء قد نعتقد أنه يعطينا قيمة, وليضعنا أمام مرآة صادقة : ها أنت الآن أيها الانسان بدون كل الهيلمان الذي تحيط نفسك به وتعتقد أنه يعطيك قيمة مكانة, قل لي الآن: ما قيمتك؟
وتتكرر نفس الحكاية في القبر, القيمة الحقيقة للإنسان هي بمقدار تقوى الله عز وجل في قلبه, هذه التقوى التي تثمر أخلاقاً وعملاً وقياماً بدورنا الحقيقي في هذه الأرض وهو استخلاف الله تعالى لنا..
أرأيت قيمتك الحقيقية؟؟
حين ترى الأمور من هذه الزاوية تستطيع أن تستمتع بحياتك وعندها فقط ستقدّر ذاتك.
عندها فقط ستعرف أن ما أنت فيه من عمل ودراسة هو نعمة كبرى من الله عز وجل حيث جعلك عنصراً فاعلاً في إعمار هذا الكون من الآن وأنت فتىً يافع.. فبارك الله لك هذه العناية الربانية
وأما بالنسبة لبيئة عملك, فأنت تحتاج إلى الكثير من الحكمة في التعامل معها, ولأضع قدميك على الطريق الصحيح سأقول لك قاعدة ذهبية وهي: ما ترى أنه حرام ابتعد عنه, وما ترى أنه واجب لا تتردد في القيام به..
ولكن ليس بطريقة الصدام مع الآخر, بل بطريقة حب وود واحترام واحتواء الآخر.
مثلاً: فلان يغتاب فلان وو........., الغيبة حرام, احذر أن تنساق وتشاركهم فيها, واحذر أيضاً أن تبنى تعاملك مع المُغتاب على أساس ما نقله إليك المُغتابون عنه.
ابن علاقاتك مع الناس بشكل مباشر منك تجاههم شخصياً..لأن من يتكلم عن الآخرين يتكلم عنهم من وجهة نظره الشخصية التي قد لا تكون موافقة للحق.. بالإضافة إلى أنها قد لا تكون موافقة لرأيك الشخصي في الموقف وفي الشخص.
هل أدلّك على طريقة في التعامل تهوّن عليك ما تلاقيه منهم؟
عاملهم وأنت تهدف من وراء معاملتهم أن تدعوهم إلى الله, أي عاملهم بنية الدعوة إلى الله, لا أقصد بالدعوة إلى الله أنك ستقف فيهم خطيباً لتقول خطباً عصماء, بل الدعوة إلى الله بالأخلاق والتعامل الراقي..
حين يرون نبل أخلاقك سيحبونك, وحين يرون نظافة لسانك مهما كانت ألسنتهم بذيئة سيحسون في النهاية ومهما كابروا بأنهم على خطأ, خصوصاً حين تدعوهم أنت بألفاظ محببة, تخيل كيف أنهم هو سيدعونك بألفاظ سيئة وأنت ستدعوهم بألفاظ محببة؟ كيف سيكون موقفهم بعد فترة؟ قد يهزؤون بك في البداية, لا تهتم, تابع واستمر واصبر, ففي النهاية لا يصح إلا الصحيح.. والحق يحتاج رجالاً مثلك يصبرون على محاولات إظهاره..
وأرجو أن تنتبه إلى ناحية مهمة وهي أنه: إذا خالفت شخصاً ما في الرأي, فهذا لا يعني أنه يجب أن تحصل مشكلة وقطيعة وو, كما هي عادتنا حين نختلف مع بعضنا, بل نستطيع أن نختلف في الرأي ونعترض ولكن بكل ودّ ورحمة وأدب واحترام, وعندها فقط سنظل أصدقاء حتى ولو لم نوافق بعضنا البعض في كل ما نفعله.
لست مضطراً لمداراتهم وموافقتهم على خطئهم لتستمر في عملك, ولا أن تقف سدا منيعا يحجبهم فتسوء علاقتك بهم ما تحتاجه هو أن تتعلم كيف تبدي وجهة نظرك المخالفة لوجهة نظر الآخر بدون خسائر في العلاقات أو في العمل..
حين يرون كرم أخلاقك ونبل معشرك سيتغيرون بالتأكيد لأن الله تعالى قال "والذين جاهدوا فينا لَنهديّنهم سبلنا", أي الذين يبذلون جهدهم في سبيل إرضائنا سنكتب لمساعيهم هذه النجاح.
ولا تنس التوكل على الله تعالى ودعاءه لييسر لك أمر هذه الدعوة الأخلاقية التي ستقوم بها.. خصوصاً أننا الآن في رمضان.. وما أدراك ما رمضان؟
بارك الله بك وأعانك ورزقك ثواب هداية كل زملائك على يديك.. وتقبل منك, آمين..
سررت كثيراً بهذه المتابعة, وفي انتظار أخبارك الطيبة بإذن الله....
ورمضان مبارك....