السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أنا فتاة في الواحدة والعشرين من عمري.. طالبة جامعية ومستواي الدراسي جيد ولله الحمد، مشكلتي ربما تكون بسيطة ولكنها ليست تافهة بالنسبة لي فأنا أعاني من عادة سيئة جدا وهي أنني أقوم بنزع شعر رأسي من جذوره وقد بدأت هذه العادة معي منذ حوالي أربع سنوات وأصبحت حاليا غير قادرة على التخلص منها بسهولة.
وقد قرأت عن هذه العادة وأنها منتشرة بين الفتيات اللاتي في سني وأن سببها نفسي لذلك استشرت طبيبة نفسية هاتفيا وقالت لي بأنني بحاجة إلى علاج سلوكي ولكنها طلبت مني الحضور إليها لتعاين مشكلتي عن قرب وشرحت لها عدم قدرتي على ذلك بسهولة بسبب الفكرة العامة والغير صحيحة بأن من يعالج على يد طبيب نفسي يعترف على نفسه بالجنون.. وقد قرأت أيضا بأن هذا النوع من العادات هو نوع من أنواع الوسواس القهري فهل هذا صحيح؟ وما علاجه؟ وهل أنا بحاجة إلى عرض نفسي على طبيب نفسي؟
وأريد أن أوضح نقطة هامة وهي أنني أعاني من العيش في بيت لم يخلُ من المشاكل الزوجية بين والدي ووالدتي.. وبالطبع أثر هذا على نفسيتي ونفسية إخوتي مما جعلني مصابة بالقلق الدائم والخوف مما يحمله لي القدر وأنا مؤمنة بقضاء الله وبما ابتلاني به وبما سيأتي وله الحمد.
وأصبحت في السنتين الأخيرتين ضعيفة الشخصية ومتشائمة وغير طموحة على عكس ما كنت عليه في الماضي.. وذلك مرده لتفاقم المشاكل بين والديًٌَُ وانفصالهما الروحي والجسدي تماما بحيث أصبحنا نعيش بين أبوين منفصلين تحت سقف واحد وذلك لكي لا يحدث الطلاق الشرعي خوفا علينا من التضرر من جراء ذلك!! أرجوكم لا تهملوا مشكلتي وإن كانت مألوفة ولكنها معقدة جدا وبسببها أعاني مما عانيت منه سنينا وشهورا سبب لي الألم النفسي والتحرج أحيانا من الظهور أمام الناس برأس أصبح ممتلئًا بالمناطق الخالية من الشعر وخاصة وأنا في هذه السن من عمري
أرجو الإفادة
وجزاكم الله تعالى كل خير.
30/6/2007
رد المستشار
الأخت السائلة؛ من قال لك أن مشكلتك قد تبدو بسيطةً أو تافهة؟ إنها بالتأكيد ليست كذلك، ونحن لا نستطيع أن نستنتجَ من وصفك لهذه المشكلة بهذا الوصف إلا أمرًا واحدًا أعانك الله عليه، وهو أنك اعتدت من المحيطين بك أن يستخفوا بمشكلاتك ومعاناتك، حتى أنك تتوجسين من مستشاري مجانين أن يأخذوا نفس الموقف من مشكلتك! وهذا ما لا يمكنُ أن يكونَ لا مع مشكلتك ولا مع مشكلة غيرك من أصدقائنا وزوار صفحتنا.
واضطراب نتف الشعر هو واحدٌ من الاضطرابات النفسية حديثة الدخول على تصنيفات الاضطرابات السلوكية وذلك رغم قدم وصف الاضطراب، وبينما ترجع كل المراجع الغربية والعربية التابعة لها أول وصف لهذا الاضطراب إلى سنة 1889 حيث قام طبيب أمراضٍ جلدية فرنسي بوصفه، إلا أن ما تبقى من التراث العربي الإسلامي يوضحُ لنا غير ذلك، ومن المهم هنا أن أبينَ لك ولغيرك من متصفحي مجانين أن نتف الشعر في حالتك والحالات المشابهة لا يكونُ بغرض التجمل وهو بذلك مختلفٌ وبعيدٌ عن التنمص أو النمص، فما نتحدثُ عنه هو حالةٌ مرضية، وقد تعرضنا لنفس المشكلة من قبل على موقعنا فأنصحك بالاطلاع على الروابط التالية:
نتف الشعر والمطلوب للعلاج
أعراض الاكتئاب الجسيم وسمات الوسواس
نتف الشعر والأمل بالحياة الطبيعية
وقد جاءَ في وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي ابن أبي طالب كرمَ الله وجهه ما يلي: قال صلى الله عليه وسلم: "يا علي، ثلاثة من الوسواس: أكل الطين، وتقليم الأظفار بالأسنان، وأكل اللحية" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث الشريف يشيرُ إلى ثلاثة اضطرابات نفسيةٍ بدأ التفكير الغربي في اعتبارها واقعةً ضمن نطاق اضطرابات الوسواس القهري فقط في العقد الأخير من القرن العشرين وهذه الاضطراباتُ هيَ أكل الطين أو العقعقة Pica التي تعني الاشتهاء الملح أو الأكل المستمرَّ لمادةٍ غير مغذيةٍ أو غير مأكولةٍ حسب المتعارفِ عليه ضمن إطار ثقافةٍ معينة.
وأما تقليم الأظفار بالأسنان Onychophagia فهو أيضًا أحد الاضطرابات القريبة من اضطراب نتف الشعر Trichotillomania ومن اضطراب الوسواس القهري، وأما أكل اللحية فهو الإشارة إلى ما يفعله كثيرون من مرضى نتف الشعر في الشعر بعد نتفه فمنهم من يمررُ الشعر بين شفتيه ومنهم من يثنيه عدةَ ثنياتٍ بين أصابعه ومنهم من يأكله حتى أن بعضهم يصابُ بانسداد معوي بسبب التهام كميةٍ كبيرةٍ أو متراكمة من الشعر، وما أوردتُ ذلك الحديث الشريف إلا لأبين كيف أن الفهم الغربي للكثير من الظواهر يجيء متأخرًا في الوقت الذي نظنهُ فيه جديدًا، فرغم أن الفهم الإسلامي القديم للوسواس كان أن الوسواس هو الشيطان، إلا أن طريقة التناول والربط بين الظواهر القهرية في كل من نتف الشعر وقضم الأظافر والعقعقة والوسواس القهري هيَ التي يهمني أن أشير إليها.
ونستطيعُ تعريف نتف الشعر (أو هوس نتف الشعر Trichotillomania) بشكل عامٍ بأنهُ النتف الاندفاعيُّ Impulsive أو القهري Compulsive أو التلقائي Automatic للشعر لأنه قد يأخذُ أيًّا من هذه الأشكال، وأنت لم توضحي لنا مشاعرك لا قبل ولا أثناء ولا بعد نتف الشعر:
- ففي بعض الحالات يكونُ اندفاعيا بمعنى أن المريض يفعلهُ استجابةً لرغبةٍ ملحةٍ في النتف الذي يكونُ مصحوبا بما يشبه الشعور باللذة وعادةً ما يتلوه شعورٌ بالندم بسبب الاستجابة لتلك الرغبة.
- وفي بعض الحالات يكونُ النتفُ قهريا عندما يضطرُ المريض لفعل النتف استجابةً لشعورٍ متعاظمٍ بالضيق يتخلصُ منه المريضُ بالنتف (أي أن النتف هنا يماثلُ الفعل القهري في اضطراب الوسواس القهري) فلا يكونُ مصحوبًا بلذةٍ معينة وإنما فقط بالتخلص من الضيق،
- بينما يكادُ يكونُ سلوك النتف سلوكًا تلقائيا عند البعض فلا نسمعُ منهم أكثر من أنهم يفعلون ذلك دونَ انتباهٍ كامل أثناء انشغالهم بالتركيز في أي عمل أو نشاط، ويؤدي اضطراب نتف الشعر إلى حدوث فقدانٍ واضحٍ في الشعر نتيجةً لفشلٍ متكررٍ في مقاومةِ دافعٍ للنتف، ونتف الشعر يسبقهُ عادةً توترٌ متصاعدٌ ويليهُ إحساسٌ بالراحة أو الرضا، وإن كنا لا نجدُ ذلك التسلسل واضحًا في كل الحالات.
وأكثر مناطق الشعر عرضةً للنتف هيَ شعرُ الرأس، ويليها شعر الحاجبين أو الرموش، وفي حالات أقل شيوعًا نجدُ من ينتفون من شعر الإبطين أو الذراعين أو الرجلين أو شعر العانة أو الوجه، وما يحدثُ لك هو أكثر الأنواع شيوعًا وهو أنك تنتفين الشعر من رأسك، وليسَ معدل انتشار اضطراب نتف الشعر معروفًا على وجه الدقة وإن كان من المعروف أنهُ أكثر في النساء منه في الرجال، ورغم أن الحالات العابرة قد تصل إلى واحد بالمائة أو أكثر قليلاً إلا أن الحالات التي تصل إلى مستوى الاضطراب النفسي لا يزيد معدل انتشارها عن 0,6 %، وإن كان ميل الغالبية العظمى من المرضى إلى السرية وعدم البوح بمثل هذه الأعراض إضافةً إلى غياب الدراسات المسحية التي تجرى على أفراد المجتمع العاديين بعيدًا عن عيادات الأمراض الجلدية أو الطب النفسي كل ذلك يجعل الحديثَ عن معدلات حدوث أو انتشارٍ لهذا الاضطراب بعيدةً عن الدقة إلى حد كبير.
وتشير التقاريرُ الطبنفسية إلى احتمال وجود نوعين من اضطراب نتف الشعر أحدهما يبدأ في سنين الطفولة ما بين السنة الثانية والسنة السادسة من العمر وهو نوعٌ عابرٌ في أغلب الأحيان، وأما النوع الآخر فيبدأ في سنين المراهقة وعادةً ما يحتاجُ إلى تدخلٍ علاجي حاسم نظرًا لأن كَمَّ الإمراضية النفسية المصاحبة له تكونُ أعلى من النوع الذي يبدأ في الطفولة، وقد بينت لنا في إفادتك أن بداية ظهور هذه العادة عندك كان من أربعة سنوات ومعنى ذلك هو أن حالتك من النوع الذي يبدأ في فترة المراهقة، ومعناه أيضًا أنك تحتاجين بالتأكيد لا إلى عرض نفسك على الطبيب النفسي أو الطبيبة النفسية وإنما إلى إقامة علاقةٍ علاجيةٍ لا يكفي أن تكونَ قصيرةً، فأنت بحاجةٍ إلى جلسات علاجٍ سلوكي ومعرفي وربما الاستعانة بأحد عقاقير الماس أو الماسا، ولمعرفة كل شيء عن هذه العقاقير وعن الوسواس القهري عليك بمراجعة الروابط التالية على موقعنا:
حكاية الم.ا.س والم.ا.س.ا؟ ضد الاكتئاب والوسوسة
حكاية الم.ا.س والم.ا.س.ا؟ الآثار الجانبية
الوسواس القهرى: أنواعه وأعراضه وحكمه الشرعى متابعة
ولابد من مواجهة المفهوم الاجتماعي الخاطئ الذي أشرت إليه بقولك (بسبب الفكرة العامة والغير صحيحة بأن من يعالج على يد طبيب نفسي يعترف على نفسه بالجنون....). لقد عانيت من أعراض نتف الشعر فترةً طويلةً (أربع سنوات حسب إفادتك)، كما أشرت إلى أنك قرأت عن علاقة هذا الاضطراب باضطراب الوسواس القهري، وأشرت كذلك إلى وجود جو من عدم الاستقرار في أسرتك تفاقم منذ فترة، وكل هذه العوامل أدت بك على ما يبدو إلى درجةٍ ما من الاكتئاب الذي يشير إليه قولك (وأصبحت في السنتين الأخيرتين ضعيفة الشخصية ومتشائمة وغير طموحة على عكس ما كنت عليه في الماضي)، وكل هذه الظروف والملابسات تجعلُ من احتياجك للعلاج النفسي السلوكي والدوائي أمرًا هو بمثابة الضرورة، بل إن عليك أن تصبري لكي تحصلي على النتائج الطيبة بفضل الله ومشيئته فتخيري من تتوسمين فيه القدرة على مساعدتك والوقوف بجانبك خلال رحلتك العلاجية
واستعيني بالله وتوكلي عليه وتابعينا بأخبارك.