السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
أقدم جزيل الشكر والامتنان لكل من يساهم في تجسيد هذا الموقع وهذه الصفحة خصوصًا، وأتمنى أن تساعدونني على حل مشكلتي في أقرب فرصة ممكنة... وجزاكم الله -سبحانه وتعالى الذي لا يضيع أجر من أحسن عملاً- عني خير الجزاء، والآن اسمحوا لي بأن أخط مشكلتي التي قد تجدون فيها نوعًا من الاستغراب.. أنا فتاة تبلغ التاسعة والعشرين من عمرها، على علاقة عاطفية شرعية مع شاب في مثل سني منذ حوالي ثلاث سنوات أو أكثر بقليل، تعرفنا على بعضنا أيام الدراسة، واتفقنا فيما بيننا بأن تكون الثقة والصراحة والتفاهم أسس علاقتنا؛ وفعلًا نجحنا في ذلك..
ربما تسألون: لماذا لم نرتبط إلى الآن وقد أشرفنا على الثلاثين من العمر؟!.. طبعًا هناك ظروف خارجة عن إرادتنا، وأغلبها مادية رغم أنه ميسور الحال والحمد لله، ولكنه من الطبيعي أن يعتمد على نفسه أولًا وأخيرًا في كفالة زوجته وأطفاله مستقبلًا، لا أن يكون عالة على غيره؛ لذلك أجلنا مسألة الارتباط إلى أن يحصل على وظيفة، والحمد لله وبتوفيقه كلانا يعمل الآن في وظيفة محترمة، وبراتب جيد، لكن المشكلة لا تكمن هنا… المشكلة في الحبيب نفسه، فهو قاسٍ جدًّا معي بالرغم من حبنا القوي والشديد لبعضنا، أخاف منه بعض الأحيان، وقد أثبت حبه لي بأن فاتح أهله في موضوعنا رغم أن والدته تريد منه أن يتزوج من إحدى قريباته، ولكنه رفض بشدة، واستطاع أن يقنعها بأنه لن يتزوج إلا بالفتاة التي اختارها هو بنفسه، وبعد معاناة طويلة تقبلت الأم ذلك، بل وتعرفت علي، وقدمني لأهله، ورحبوا بي، وشجعوه على أن نرتبط في أقرب فرصة،
وبالنسبة لي فلا توجد عندي مشكلة مع أهلي طبعًا فهم متفهمون، حيث أجد كل الترحيب من قبلهم.. ولكن، وآه من هذه الكلمة، فمعرفتي بالحياة تجعلني أفكر وأفكر كثيرًا في علاقتنا خصوصًا ونحن نعرف أن الحبيبة تكون أجمل المخلوقات في عين الحبيب، ومثل ما يقول المثل (القرد في عين أمه غزال)، ولكنني أجد العكس، فهو حتى لا يجاملني، ودائما ما يعترف لي بأني لست جميلة – لا أخفي عليكم، فأنا لست جميلة فعلًا، ولا رشيقة، ولكن نسب الجمال تتفاوت من شخص إلى آخر والكمال لله سبحانه وتعالى- ودائمًا ما يقارنني بالأخريات الجميلات، ويقول لي لو كنت أفتح قليلًا.. لو كنت أضعف بقليل، لو كان لك خصرا كذا… إلخ لكنت أجمل وأجمل، بالله عليكم أيها الرجال، ماذا تريدون أكثر من ذلك لماذا كل هذه الأنانية.. وتصور يا دكتور أنه يخبرني بأنه سوف يتزوج بأخرى علي، ولكن ذلك من المستحيل عنده أي قبل أن يتزوجني أنا أولًا، أنا أذهل من هذا التناقض، فهو يحبني بجنون حتى عندما نلتقي مع بعض ويكون المكان خاليًا من الناس؛ يستأذن في الخروج خوفًا من أن يقع في المحرمات فعلًا ويريد أن يتزوجني، وفي الوقت نفسه يؤكد لي بأنه سيتزوج بأخرى ولكن أجمل مني، أي امرأة تتحمل ذلك؟…
وعندما سألته: لماذا تريدني ما دمت تنظر إلى الجمال؟ أخبرني بأنه لو دار في الكون كله؛ فلن يلقى امرأة مثلي تحبه وتحترمه، وتثق به وتفهمه... إلخ ومن المستحيل أن يتنازل عني أبدًا مهما حدث، ولو افترقنا فسوف تكون حياته ثمنًا لهذا الفراق.. فماذا أفعل؟ فأنا –لا أخفي عليكم- أيضًا متيمة بحبه وأتغاضى عن أشياء كثيرة، وفي الوقت نفسه لا أستطيع أن أفارقه؛ فأنا بحاجة إليه، وهو بحاجة لي رغم أني رفضت الكثيرين من أجله، ومن أجل عائلتي، فأنا أعولهم؛ لأني أكبر إخوتي حيث إن والدي متوفى؛ فأصبحت كالشمعة التي تضيء وتحترق في الوقت نفسه،
في مرة من المرات رأيته يخرج مع فتاة تتحلى بالمواصفات التي يبحث عنها، وعندما واجهته برر موقفه، واعتبرني المخطئة، ولا أعرف إن كان صادقًا فيما قال أم لا؟ فالله يشهد على ذلك… عذرًا لأني أطلت عليكم، ولكني لو كتبت كل ما يجول في خاطري؛ لاستنفدت طاقتي دون أن أكمل.. وهاأنا الآن في حيرة من أمري ولنقل بين نارين.. نار الفراق ونار الارتباط وأؤكد بأني لا أستطيع أن أخرجه من حياتي، رغم كل الذي أخبرتكم عنه، ورغم معرفة مصيري، فأنا مؤمنة بالله سبحانه وبأنه قادر على كل شيء، وأنه سوف يمنحني القوة والإرادة في أن أغيره إلى الأفضل؛ لأني فعلًا حاولت ونجحت في ذلك؛ فقد تغير سلوكه إلى الأفضل وأنتم على قدر وافٍ بمعرفة الشباب؛ لذا أرجو التكرم بمساعدتي؛ لأعرف كيف أتصرف مع هذا النوع من الرجال الذي يحمل الطيبة والقسوة في الوقت نفسه...
أقدم اعتذاري مرة أخرى، وعفوا للإطالة..
علما بأني مستعدة للإجابة عن أي سؤال يخطر ببالكم.. والله ولي التوفيق.
02/12/2024
رد المستشار
الأخ الكريم: رسالتك الطويلة التي أحالها لي أخي د.وائل قد يشعر البعض أنها مجرد نص مطول وممل، ولكنني قرأتها بهدوء وتمهل، وأعرضها وأرشحها بوصفها تصف تحت عدسة مجهر كيف نتشوه في علاقتنا بالمرأة!!
الكثير من الأفكار والمشاعر التي تجول في رأسك ونفسك هي مشتركة بينك وبين الكثير من رجالنا، وأسوقها هنا للجميع، وبخاصة النساء ليعرفن كم هو صعب ومعقد عالم النظرة الذكورية لهن في مجتمعنا: هن موضوع الإثم والغواية، وموضوع الرغبة والعوز والاحتياج!!! (كما تعبر أنت) كثيرة هي ومتشابكة ومتشعبة تلك العقد النفسية المتراكمة في داخل كل راجل من رجالنا تجاه عالم المرأة، والعكس صحيح، أي العقد التي تتراكم في نفوس نسائنا نحو الرجال وعالمهم، وكم من الخرافات والأساطير، والمفاهيم المغلوطة، والممارسات الخاطئة تعمل في حياتنا فتتحول إلى جحيم من القسوة والاغتراب، والوحدة والجفاء، وعدم الانسجام بين عنصري الكون ولا يكاد أحد يقف ليوضح ويشرح ويرشد بل نقع في قبضة الغوغائية والفوضى وسوء الفهم والتعامل مع استمرار التأكيد على أوهام الالتزام بالإسلام الذي يبدو لي أننا ضللنا طريقنا في الوصول إلى طريقه أصلا وأن ما نكرره ونتحلى به هو مجرد تعاويذ وأشكال وأساطير وحكايات لا تقترب كثيراً من روح الدين ولا مقاصده ولا مبادئه ويبقى وسيبقى هذا من أكثر أسباب تخلفنا وعوائق نهضتنا!!
امرأة تراها لأول مرة في حياتك وحياتها تستدعي إلى رأسك حزمة من الهواجس والأفكار وأحاسيس ومواقف جديرة بالتأمل: ما العلاقة بين تجنب التعامل مع أحد بدافع احترامه؟!!
وما هي معايير حكمك على هذه المرأة بأنها جريئة جدا كما تكرر في أكثر من موضع؟ وهل الطبيعي والمستحسن أن تتلعثم المرأة في حديثها، أو تتعثر في مشيتها إذا صادفت رجلا؟!!
أين قرأت هذا في الدين؟! ومن يصب في رؤوسنا هذه القمامة؟!! وكيف نتربى على هذا الخبل؟!!
هل الخوف هو الشعور الذي ينبغي أن يحكم التعاملات بيننا رجالا ونساءا؟! وهل هذا الخوف مرتبط بما نعتقد أنه احترام أو تقديس للمرأة؟! أم هي في تقديرنا مدنسة ينبغي الحذر من غوايتها؟
أم هي مدنسة ومقدسة في نفس الوقت؟!!
المصيبة أن طواحين ما تسميه العراك النفسي اليومي، والتردد، والتفكير الخيالي الخرافي اللاعقلاني تجاه النساء هو غالبا ما يحكم تصرفاتنا وتعاملنا مع عالمها، عالم الذنوب والغواية، والرفض والاحتياج!!!
هل يمكن أن تفهم المرأة في مجتمعنا، وتفك ألغاز تصرفات رجالنا بعد قراءة رسالتك لتعرف مثلا لماذا يتراجع أحدهم بعد إقدام، أو لماذا يتحول أو يتغير أو يبدو عاجزا أو مشدوها أو مشلولا ينتظر أن تبادر هي، فإذا بادرت يعتبرها "جريئة جدا"؟!
هل يمكن أن تتصور النساء أن رجالنا ولأسباب اقتصادية واجتماعية ونفسية لديهم تطرف في انعدام الثقة بالنفس يغالبونه أحيانا بالتشديد على جنون ومشاعر العظمة المصطنعة!!
هل يمكن أن نفهم أن من تخاريف حياتنا وخبل عقولنا تلك الفكرة القائلة بأن هيبة الرجل ووقاره واحترامه لنفسه وانتظاره لاحترام الآخرين يتعارض في ذهنه، وفي تقدير الكثيرين، مع التودد للمرأة، أو إظهار مشاعره تجاهها، أو معاملتها بما تستحق من حب وحنان، أو حتى التعبير عن الغيرة أو الغضب أو الرفض في مواضعه، إنما عندنا يتسق مع الاحترام أن يكون الرجل مثل الجماد أو لوح الثلج، والأشطر من يكتم مشاعره!!!
طبعا حالتك فيها مبالغة لأنك تحتاج إلى علاج نفسي يساعدك على الخروج من هذه الأعراض، إنما أنا أعلق على أن أصول ما يبدو في حالتك كأعراض مرضية إنما يدور في عقول كثيرين، وإن لم يصل إلى مستوى المزمن، أو المتكرر، أو المرضي الزائد كما في حالتك!!
وأنت مثل ملايين تخلط بين ما هو مرفوض اجتماعيا بما هو ممنوع شرعيا، وفي حالتك تضيف إلى هذا وذاك تلك الأعراض المرضية من توتر وشكوك ووسواس قهري، وقلق مستمر بسبب، وبدون سبب أكثر!!!
وأتفق معك في التوصيف الذي تعبر أو تفسر به مواقفك ومشاعرك من أنك "غير ناضج" ولكن برأيك كيف يمكن أن ينضج أمثالك ممن يرتعبون من صوت امرأة في مكالمة هاتف، أو يتلعثمون إذا قابلوا امرأة؟! أم سيكونون مثلك في انتظار مبادرة من امرأة "جريئة"!!!
ولا أدري ما هو تصورك لما تسميه ضوابط العلاقة بين الرجال والنساء؟! أخشى أن المبالغة في هذه الضوابط أوصلتنا إلى الرعب والرغبة!!
وأغلب الظن أن ما يملأ رؤوسنا يتضمن كما من المبالغات والأخطاء والتشدد على غير أساس، وبسبب أن تصورنا عن هذا الأمر، مضحك وغير قابل للتطبيق عمليا، فإننا نستمر في ترديده، والصراخ به على شاشات الفضائيات، وفي مجالسنا، وأحاديثنا المعلنة بينما لكل واحدة أو واحد منا عالمه الخاص المخالف تماما لما نبثه، أو نذيعه أو نتداوله في العلن، والذي هو خاطئ بدوره، أو خرافي، أو غير مؤسس على وعي سليم أو برهان، أو دليل شرعي محكم، وعجبي!!
ضائعون نحن في هذه المساحة بين أوهام التشديد، وبريق التحلل، مكتفون بترديد ما لا نطبقه!!
على أي أساس يقرر أحدنا أن: هذه هي المرأة التي أريد؟!! تفكيرك في هذه الجزئية لا يخلو من طرفة وخفة واندفاع، وهكذا يفكرون أحيانا، أي الرجال في بلادي!!
وأنت مثل الملايين تتصور الحلال والمتاح شرعا في علاقتك بامرأة هو ما تتصوره على النحو الشائع في الأدمغة، والصعب والفاشل غالبا في الممارسة الواقعية، ومن هذه التناقضات المؤسسة على الاستخفاف بالبحث عن المعرفة الحقيقية تأتي الصدمات مثل صدمتك حين رأيت صورتها على الكمبيوتر، كيف نفكر بالزواج وماذا نريد منه وكيف نستعد له؟!!!
اقرأ رسالتك جيدا لتعرف تعقيدات وضعك وعلاقتك بها، ولتفهم ببساطة سبب صدمتك حين رأيت هذه الصورة!!
وتفاعلت عندك مشاعر الحب والرغبة في هذه المرأة مع أعراضك النفسية المرضية حتى صارت هذه تدخلك إلى تلك، والعكس، بل وصرت تشعر بأعراض عضوية في الدماغ، ومن المثير للاهتمام: كيف يتفاعل الدين أو كيف تتفاعل كل هذه الأشياء مع الدين لنصل إلى سيمفونية مرضية مركبة!! ساهم في حصول ذلك الوضع المعتل تواضع معارفك الدينية مثل كثيرين يعتبرون أنفسهم قد عرفوا، وحصيلتهم مجرد قشور وصلتهم عبر قراءات خفيفة، وإما متابعات للإعلام السائد، ولا يعتمد على هذا وذاك في تكوين معرفة مطمئنة، وناقدة، وقادرة على التميز بين ما هو شرع، وما هو أساطير أو حكايات مسلية!!!
إضافة إلى تواضع خبراتك الحياتية مثل كثيرين أيضا يعيشون حياة معزولة عن الحياة وتفاعلاتها، ويعيشون إقصاءً كاملا بين الجنسين، وتكون الصدمة مع أول احتكاك مباشر!!!
وهو ما يحصل يوميا للكثيرين، وبشكل مضاعف حصل بالنسبة لك، ولا يوجد توجيه ولا إرشاد ولا فقه للحياة وللعلاقات، إنما كلام عام، أغلبه يبدو متماسكا، وهو مجرد مواعظ فارغة، وأحيانا بلهاء للغاية!!
كم منا يدرك طبيعة تفكيره الخرافي؟! ومنه الربط بين تخبط الخبرة السلوكية بسبب الجهل الشرعي مثلا وقلة الخبرات فيقفز إلى صلته بأعراض دماغية عضوية، وأخرى في الوجدان والمشاعر تستدعي علاجا؟!!
إنه مثل الربط على طريقة شعار: سيزداد الغلاء ما لم تتحجب النساء!! أو القول بأن مشكلات حياتنا تنحل بالعودة إلى الله، ودون تحديد لماهية مشكلات حياتنا تشخيصا وتحليلا ونقدا، وما نقصده بالعودة إلى الله: خطة وخطوات وبرامج، بدون هذا يظل تفكيرنا خرافيا صادرا عن دراويش طيبين لا مؤمنين واعين!!
ومن خلطك واضطرابك مثل كثيرين لا تدرك الوزن النسبي للنجاحات والإنجازات، ولا المعاصي والذنوب، وتأمل مثلا موقف قبلة الفتاة لك وما حصل بعدها!!
فارق بين أن يعتبر الإنسان المؤمن الصغيرة التي وقعت منه كبيرة، يراها كذلك، ويعزم على عدم تكرارها، أما أن يخلط فيعتبرها خطيئة كبرى وأكبر من حجمها الحقيقي فهذا خلل شرعي وعقلي، وبالتالي يمكن أن تتوقف حياته كلها بعد أن يقع في خطأ هو من اللمم، ووسوسة الشيطان هنا تلعب دورا، ولكن وسواسك القهري المرضي طرحك أرضا، وذهب بك بعيدا.
ودماغك المنهك سار بك من هذه المرأة إلى أبويك وعلاقتك بهما إلى السلفيين وآرائهم دون أن تفكر في مراجعة طبيب متخصص، وهذا عجيب جدا، ولكنه أيضا شائع للأسف!!
وأنا أكرر أن حكيك عن حالتك أفادني، ولكنه لن يفيدك ما لم تتعالج، ورسالتك تعرض نموذجا لدماغ تتفاعل فيه فوضى التضارب الذي نعيشه، وتفسخ عقلك استطعت أنت التعبير عنه بلغة معقولة، تقول بأن استجابتك للعلاج يمكن أن تكون باهرة.
راجع طبيبا متخصصا، وانتظم في العلاج، وتابعنا بأخبارك.