بين القلب والعقل
إنه الحب... قال فيه القائل "الحب ذباح إذا اعتمل الورى.... والعشق سفاح خطير المألف" ولكن الحب إذا وقع في قلوب الرجال فله مذاق خاص... قال فيه القائل:
"هو تجني حلاوة حره بشهية.......... من جذوة وقادة لا تنطفي"
"ففتيلها حبك الشغاف همومه.... ووقودها زيت القلوب النزف" فلم أدري من صيرني فتيلة لحبها ومن جعل من قلبي ذاك الوعاء الذي سترمي به تلك الفتيلة ليجعل من حبها هما يطاردني ما بقيت صورتها في مخيلتي هل حقا أن الحب إكسير الحياة؟؟...
إني والله لا أعلم الإجابة وأعلم أيضا لم فرض الإسلام الحجاب على النساء والحكمة من الحد من الاختلاط والحكمة من غض البصر..... والله لو طبقت هذه المبادئ ما وقع من وقع من الرجال في حب كثير من النساء ولكن.... إنه الواقع.... الاختلاط حاصل وغض البصر ما الكل عليه قادر.... أما الحجاب فحدث ولا حرج وإن كانت نفسي تأنف من من هي غير ملتزمة به فأراها من أقبح النساء وإن كانت ملكة جمال بين صديقاتها إنه الحب... لا أدري إن كانت الكلمات قادرة على وصف ما يختلج في نفسي ولكني على يقين كامل بقصور كلماتي على إتمام هذا الوصف وإني أخشى أن يكون هذا القصور أصلا في اللغة لا في لساني حيث قال الشاعر:
"وسعت حروف الضاد كل بضاعة........ من كل شيء في الدنا مستطرف"
"وأستوعب كل الحضارة إنما............... حرفان قد أعيت جميع الأحرف"
"حاء وباء ما أدق عروقها................ في الشارب المتعطش المتعطف"
ولكن ما علينا إلا المحاولة... لم أتخيل يوما أني سأحب فتاة بالقدر الذي فعلت، ولم يتخيل أصدقائي المقربون ذلك، فأنا بينهم ذاك الشاب الملتزم المحافظ على تعاليم دينه، بل ذاك الشاب الذي يقرن تعاليم الإسلام بكل جزئية من جزئيات حياته، ذاك الالتزام الذي كان من صغري ونشأت عليه بل كان يفوق توقعات من ينظرون إلي بل كنت أعاتب أصدقائي على تفريطهم في بعض الأمور الدينية حتى وصل بي الحال أن قلت لهم ذات مرة "متى سيأتي اليوم الذي سأذهب به إلى الجامعة لأجد أصدقاء أفضل منكم" وفعلا دخلنا الجامعة وإني لأشهد الله أني ما وجدت أفضل منهم.
بعد دخولي الجامعة، شاب لم يعتد أجواء الاختلاط دخل أجواء مليئة بالغث والسمين من النساء ترى فيه من المنتقبة إلى شبه العارية لم أعر هذا اهتماما جليا ولكن كان فضولي يقودني إلى أن أعرف اسم هذه الفتاة واسم هذه واسم تلك واستمر ذلك مدة ليست بالقصيرة. ولكن... كانت هنالك صورة لفتاة قد انطبعت في مخيلتي فكنت أسعد جدا برؤيتها. لم أتكلم معها قط لا بل اللفظ ولا بالإشارة ولكن هنالك لغة من اللغات كان من الصعوبة بمكان أن تلجمها إلا وهي لغة العيون، كيف ألجم والطرف المقابل لك فتاة في غاية الحسن (في نظري) وقد قال الشاعر
"إن العيون التي في طرفها حور............. قتلننا ثم لم يحيين قتلانا"
"يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به..... وهن أضعف خلق الله أركانا"
نالت مني عيونها رغم أن تلك العيون لم ترمي بسهامها إلا مرة واحدة في بداية المشوار، ولكن تلك الرمية جعلت قلبي يحدثني أن تلك الفتاة قد قرأت ما بداخلي من حب، كيف لا والشاعر يقول: "الحب تقرأه بغير مترجم...... من لمح عينك بالقبول أو النفي" وإن كنت لم أقرأ في عينيها حبا فإني قد قرأت اهتماما وهذا كل ما كنت أريده لا أعرف ما أقول السوء حظي أم لحسنه لم يكن تخصصها نفس تخصصي وإن كنا في كلية واحدة أخذت معها مساقين كنت أعيش بهن أسعد أيامي وإن كانت تلك السعادة لا أشارك بها أحدا فتبقى منقوصة ولكني كنت سعيدا حقا انقضت الأيام والشهور وكان للبعد ما كان من مفعول، وغرقنا في بحار الدراسة، وخمد الحب في قلبي وعدنا لأيام الجفاء، حتى كان ما كان وعادت بنا أيام المحبة والشقاء.
في أحد العطل وقد كان الشهر رمضان، قررت زيارة المسجد الأقصى في العشر الأواخر للتعبد، ولأني شاب ممنوع دخوله للقدس كبقية الشباب، قررت المغامرة والدخول عنوة، ونجحنا ولله الحمد والمنة، ولا أصف لك شعوري تلك اللحظات التي دخلنا فيها باحات الأقصى، وبعد ساعات من التجول في أركان الأقصى الأسير وبينما أنا أمشي مع أحد أصدقائي صوب أحد أبواب المسجد الأقصى إذا (بها) تدخل من ذاك الباب جاءت لتصلي كما فعلت أنا، فلما رأيتها خفق قلبي واستذكرت أياما جميلة مرت بجانبي فلم أدري أءسعد لرؤيتها أم أحزن لذلك (مش وقتك هسه) جئنا لنصلي ونذكر الله لا لتطبع صورتك في مخيلتي مجددا.
مئات الآلاف من البشر كانوا في المسجد ازدحام لم أشهد له مثيلا من قبل لصغر المساحة مقارنة بمسجد رسول الله والمسجد الحرام وكم المصلين الهائل الذين توافدوا تلك الليلة مضت تلك الليلة بسلام، صلينا ما كتب الله لنا أن نصلي وقمنا ما كتب الله لنا أن نقوم ودعونا ما كتب الله لنا أن ندعو وابتهلنا ما كتب الله لنا أن نبتهل، ولم تستقر صورتها في مخيلتي تلك الليلة ولله الحمد، ولكن بعد العودة من القدس كان لذلك اللقاء أثر كبير على قلبي نما حب كان في سبات طويل عدنا إلى الجامعة بعد عطلة طويلة نما خلالها حب جميل في قلب مرهف ومع ذلك لم ولن أكلمها بل سأبقي هذا الحب في قلبي أصطلي بحره ولن أبوح به لها لأسباب كثيرة أبرزها الحلال والحرام سأدعو الله بأن يرزقنيها زوجة وسأعمل لذلك.
العقل!! أين العقل من هذا كله فإن كانت قصتي لها طرفان هما قلبي والفتاة التي أحببتها فأين عقلي من الموضوع حاولت أن أقحمه في هذا الصراع ولكن تعليقاته كنت أكرهها فكنت أفضل أن أعيش في أحلام اليقظة على أن أسمع ولو صدى صوت عقلي كان يقول لي أحببها ما شئت فلن تتزوجها لأن طريق المال أمامك طويل كان يحدثني بالفوارق الاجتماعية فأنا من أسرة متوسطة الحال لا بالغنية ولا بالفقيرة ماديا (وإن كانت دراستي تؤهلني لكسب الكثير من المال) جيدة النسب إن كنت تسأل عن النسب... أما هي فمن عائلة جيدة النسب جيدة الوضع المادي (هنا يكن الاختلاف).. فهذا عائق من العوائق.... حتى وإن كنت لا آبه له فالناس تنظر إليه.
كان يراودني عقلي فيقول لي (ألم يخلق ربنا فتاة غيرها) فالذي جعلك تحبها سيجعلك تحب غيرها صراع مستمر بين عقلي الذي أراه أميل للصواب وبين قلبي الذي أراه قد حفر اسمها وصورتها حفرا في جدرانه فلا أصبح ولا أمسي إلا وأنا أذكرها ولا أتذكر أن يوما من الأيام خرجت فيه لصلاة الصبح فجلست بعد الصلاة إلا وأنا أقرن الدعاء بالزواج منها بالدعاء لأهلنا في سوريا وإخواننا الأسرى في سجون الاحتلال حتى كنت أخشى أني لأدعو بالزواج منها أكثر مما أدعو للمستضعفين من المسلمين
فهل أرضخ لحكم العقل أم لحكم القلب؟؟
أنتظر الرد
10/01/2013
رد المستشار
أهلا ومرحبا بك يا "محمد" معنا في مجانين وأهلا ومرحبا باستشارتك...
سأبدأ معك من حيث انتهيت أنت، شكرا لك ولكل من يتذكرنا بالدعاء وأرجوكم لا تملوا فإن الله مجيب الدعاء..
لقد قرأت استشارتك باستمتاع شديد، وكأنني أقرأ قصة من أجمل القصص. كيف لا وقد زينتها بأرق الأشعار وأجملها، أعجبني أيضا العقل الحاضر في كل هذه العواطف الرقيقة. لم يغب العقل من أي سطر من سطورك. رغم تذمرك من عدم سيطرته على الأمر....
استمر بالدعاء لله تعالى واجعل ذلك ملاذك ولا تحزن من كثرة دعائك أن يرزقك إياها زوجة لكن أضف إلى ذلك (وأن يجعل لك في ذلك خيرا) وتأكد أن شخصا يقصد الله ويخافه ويحبه ويطيعه مثلك لا يضيعه الله أبدا.
أنت على الطريق الصحيح يا صديقي وأنا أرجو لك كل الخير وأفتخر بوجود شباب مثلك وأغبطك على قدرتك على الوصول إلى المسجد الأقصى وأنتظر منك الدعاء كما أنتظر منك متابعتنا بأخبارك.