مراهقة أولادي
سأبدأ بسرد ميزاته ومن ثم أذكر عيوبه بالنسبة للمميزات فقد أنعم الله عليه بنعم كثيرة منها الذكاء فهو ما شاء الله متفوق في مدرسته كما أنعم الله عليه بالصوت الجميل والآداء المتميز في تلاوة القرآن أما عيوبه فلم أعد أرى فيه إلا كتلة عيوب تمشي على الأرض يمضي وقته في الجلوس على الأيبود, قليل الحركة, عديم الفائدة فلو طلبت منه أمرا صغيرا أو كبيرا يماطل ويتعذر ويجادل ويبرر وفي الأخير لا يفعله مثال على ذلك ترتيب الطاولة التي يدرس عليها أو تعليق الملابس...
لم يعد يحترمني بتاتا أناديه فلا يرد علي وإذا أجاب يجيب بلهجة فيها نوع من السخط أو اللامبالاة, يتعامل معي بندية, يتعامل معي بعنف ولا أستغرب أن يمد يده علي في المستقبل إذا بقينا على هذا الحال مع أنه كان حنونا جدا في صغره, خارج البيت ينقلب إلى حمل وديع ضعيف الشخصية لا يستطيع أن يقول لا لأحد إلا لي ولأبيه بالطبع فلو طلب منه أباه أمرا امتنع عنه ولكن لو طلب منه شيخ المسجد مثلا نفس الطلب لفعله مباشرة بدون اعتراض, خدوم خارج المنزل فهو يقوم بمساعدة أساتذته بمساعدة رفاقه في الصف في حل الواجبات بعد أن يفرغ من حل واجباته.
كما قلت سابقا عديم الحركة يمضي وقته في الجلوس على الأيبود (كنت معارضة لشرائها له ولكن عند تخرجه من المرحلة المتوسطة كان الأول فألح علينا أن نشتريها له لأن جميع أصدقائه بما فيهم الراسب حصلوا على هدية من آبائهم تليفون أو أيبود أو كمبيوتر) كما قلت لا يتحرك وقد عرضت عليه مرارا أن أشترك له في النادي ولكنه يرفض, مهمل في آداء واجباته المدرسية يترك فروضه لأخر لحظة ولو لم يمن الله عليه بالذكاء لكان من أواخر صفه ولكنه ليس بحاجة لأن يدرس كثيرا, مهدر لوقته وقد حاولت مرارا أن أخفي الأيبود عنه فما يلبث أن يجدها وتعود حليمة لعادتها القديمة وأحيانا أقطع عنه الإنترنت ولكني أعلم أن أفعالي هذه لن تجد نفعا ولن تغيره إذا لم يرد هو تغيير نفسه وتنظيم وقته.
بارد برود الثلج في إجاباته يعني أكون في قمة غضبي ويبادلني ببرود شديد أو سخرية لقد قرأت مقالا للدكتورة دعاء ابراهيم حسن عن فترة المراهقة وعن الأخطاء السبع التي يرتكبها الأهل وأقولها آسفة أني وقعت في جميع الأخطاء فأنا من النوع الحساس جدا ولكن الدكتورة لم تتطرأ في مقالاتها للحلول المناسبة وكيفية ضبط النفس عند التعامل مع هذه النوعية من الأولاد.
أما ابنتي فعندما أتذكر كلامها معي تتحجر الدمعة في عيني ويغص حلقي وأشعر باليأس بالرغم من علمي أنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ولكني لم أعد أرى أن الغد سيكون أفضل بل أراه أشد سوادا من ذي قبل أفنيت 20 سنة من عمري مع أولادي حرمت نفسي من الدراسة مع حبي الشديد لإكمالها وحرمت نفسي من أشياء كثيرة لأن أولادي أولى بهذا المال, قضيت وقتي في تدريسهم وخاصة ابنتي بالإضافة إلى تدريسهم اللغة العربية وأحكام التجويد واللعب معهم وكان جزائي في الأخير كلمة أكرهك أكرهك أكرهك رددتها ثلاث مرات رددتها في مناسبات عدة كان آخرها من شهر فقط عندما أتت لتمضي إجازتها معنا.
لو تكرمتم إذا كان من الممكن أن تجيبني الدكتورة أميرة بدران على تساؤلاتي.
عفوا
رد المستشار
هوني على نفسك يا أختي الكريمة؛ فنحن حين نتزوج وننجنب نتصور أن كل أحلامنا سنتمكن من تحقيقها وهذا غير منطقي ولأنه غير منطقي نظل في وهم التشبث بتحقيق كل تلك الأحلام، والحقيقة الأخرى هو أننا لا يمكن أن نورث أنفسنا لأبنائنا!؛ فلن يكونوا نحن؛ فلن يفكروا مثلنا، ولن يتصرفوا كما نرى أنه يجب أن يكون هذا التصرف في موقف كذا، فنظل في توريث أنفسنا دون أن نعي، ودون أن نفقد الأمل، والنتيجة أننا قد نحصل على الفتات من تلك الأحلام، أو صورة مشوهة منها، فولدك كسول، بارد، يتعامل بندية معك إلا أنه متفوق وعلى درب التدين بشكل، أو بآخر؛
وابنتك رغم جفاف مشاعرها تجاهك إلا أنها ملتزمة وتصون نفسها وتدرس جيدًا، لذا وجب أولًا الاعتراف بأن الإصرار ليس هو الحل، وأن ذواتنا هي لنا فقط، وأبنائنا لهم ذوات أخرى بتفاصيل أخرى، حتى تتمكنين من القيام بالتعديلات والتحسينات في علاقتك بهما، ومادمت لا تصدقين ما قلته لك بخصوص الاعتراف فلا تنتظري تغيير.
ثانيًا عليك أن تجيبي على عدة أسئلة مهمة حتى تبدئين في الحل حتى وإن كان ثقيلًا يحتاج لجهد مثل: هل تركك لطموحك الدراسي كان اختيارك، أم كان طلبًا منهم؟، هل من المفروض أن يدفع أي آخر ثمن اختياراتنا نحن مهما كانت الأسباب؟، فهل مثلًا يجب أن يتفوق الابن لأن والده بخيل ولن يصرف عليه؟، فاختيار زوجة لزوج بخيل لا يجب أن يدفع ثمنه أي آخر حتى لو كان الأبناء.
الله سبحانه وتعالى وضع في قلب الأم حب أولادها كفطرة لا تتحكم فيها، ولكن حب أولادنا لنا هو ما يحتاج لجهد منا حتى نحصل عليه، ولأن ليس كل الأهل على دراية بكيفية الحصول على هذا الحب وقد يفشل فيه الكثير كان الحديث دومًا لهم بألا نعوقهم، بألا نغضبهم، لأنهم سيخطئون وسيقصرون في حق أولادهم حتى وإن لم يروا ذلك، والدليل أن العاق هو نتاج تربية والديه، والابن الذي يضرب أمه حين يكبر ليس لأنه نبت شيطاني، ولكن لأن كان هناك ثمة خطأ أوصله لهذا!، حتى البر نفهمه خطأ كآباء حين نتصور أنه طاعة وموافقة دائمة، فهل هذا منطقي بين البشر؟؟؛
إنما البر الذي قال الله سبحانه عنه المقصود به الأدب الجم والذي لا يجوز معه أن يقول الابن لأهله ولو كلمة "أوف"!، لكن من حقه أن يرفض، ومن حقه عدم الطاعة ولكن المهم أنه يمارس هذا الحق بأدب جم وشديد، لذا من المهم الوصول للاعتراف الثاني ألا وهو أننا نجني ما زرعنا حتى وإن تصورنا أننا لم نزرع إلا خيرًا!، فلقد حدثنا رسول الله صلوات الله عليه وسلامه في مئات الأحاديث عن كيفية تربية الأولاد، واحتوائهم بالكلام المباشر وبالمواقف الغير مباشرة، وهو نفسه الذي وصل له علماء النفس والتربية حين تحدثوا عن خصائص كل مرحلة، واحتياجات كل مرحلة، وعن أخطاء التربية، ولكننا مقصرين، فحين نعلم أن المراهق يعاني معاناة شديدة من صراعات متنوعة على المستوى العاطفي، والجنسي، والفسيولوجي، ويؤثر ذلك على كفاءته وهمته ونومه، وتركيزه ستهدئين قليلًا؛
وحين تعلمين أن المراهق يحتاج بقوة أن يشعر باستقلاله، وحريته، وإثبات جدارته ورجولته ستتفهمين ردوده المستفزة، وتعامله بندية فلا تكونين في حالة مواجهة، أو إهانة لأنك ستكونين الخاسرة حتمًا!، وحين تجعلين منذ الصغر الهم الأكبر هو حفظ القرآن والتفوق الدراسي، دون أن ندربهم منذ الصغر على التعاون، والمشاركة وتحديد المسئوليات حتى لو الغد هو امتحان مهم سيدركون أن الحياة أكبر من الدراسة وحفظ القرآن فتفهم فتاتك أن المشاعر لها مكان، وأن التعاون جزء لا يتجزأ من آدميتنا، ولعل المناخ العام في البيت كان عمليًا، ولم يشاهداكما في مواقف بر، أو تعاون، أو غيره مع جديهما لسبب السفر، ولكن المهم أن تأخذي نفسًا عميقًا لتبدئي مهامك بهدوء وتوازن لتستعيدي علاقتك المفقودة معهما بروِية، فلتمتنعي تمامًا عن الوعظ والمحاضرات وتكرار نفس الكلام، ونفس الشكوى؛
ولتمتنعي تمامًا عن النقد والتوبيخ والتجريح واللوم، ولتتذكري أنهما مسئولان عن نفسيهما، وأنهما يتحملان نتيجة تصرفاتهما مهما كانت كبيرة في نظرك كالدراسة والتحصيل خصوصًا لولدك، ولتبدئي من جديد في "بناء" العلاقة التي تشوهت، ولتقتربي من عالمهما دون تجسس، ودون اقتحام، ولكن بالتعبير عن اهتمامك بمشاعرهم التي تخصهم وتخص علاقتهما مثلًا وليس بمشاعرهم تجاهك، فلتركزي على اهتماماتهم حتى لو تجديها تافهة، أو سيئة لتتمكني من تقديم تسهيلات فيها لتكون مدخل لك.
حدثي ابنتك عن علاقاتها بتدرج ودون أن تقيمي شيء، امدحي الجزء الجيد فيهما، فأنت لا تشتكين من سوء خلقها مع الشباب، ولا تصرخين أنه مدمن، فلتعبري لهما عن الجميل فيهما بصدق، كلما تدرجت في مساحة المشاركة الخفيفة، والصداقة، والثقة، والاحترام، وكلما كنت مبتهجة ولذيذة المعشر، وبعدت عن الوعظ واللوم كلما تقدمت في العلاقة بلا شك، فقط ذكري نفسك بكل ما قلته، واستعيني بالله العظيم وادعوه، ولا تتعجلي أبدًا، وتحكمي في أعصابك، واشغلي نفسك بأمور تحبيها حتى تجدي فيها منفس صحي لك مقابل هذا الجهد الجديد، ولم أقصد أبدًا أن تتركيهما بلا متابعة، أو مراجعة، ولكن مهم كيف ستتابعين بمرونة، وكيف ستراجعين برشاقة، لا تيأسي، فسيكونان محل فخرك، ورضاك وإن طال الوقت، ثقي فيما أقوله بشرط ذكاء التطبيق.