اختناق..!؟
أكتب إليك سيدي العزيز ودمعي يأبى أن ينزل من عيني، ولكن روحي تختنق وقلبي يتقطع قهرا وحزنا.
أخ كم أتمنى لو أستطيع الصراخ أو البكاء لعلي أرتاح ولكن عبث، أحيانا البكاء الجاف أقسى وجعا من البكاء المبلل.
أنا متزوجة ولا أطفال لدي حتى الآن، زوجي أروع رجل على وجه الأرض وأتحدى! ولن تكتمل سعادتي إلا بإنجاب طفل منه حين يشاء الله. لا مشاكل لدي في حياتي، حياة هادئة مريحة مرفهة للغاية والحمد لله.
هو الماضي يا سيدي، الماضي الذي كل فترة يطل برأسه ويصفعني ويمضي. لم أكن فتاة عابثة -لا والله لم أكن- فقط كنت أبحث عن الزواج الذي رفضته بالشكل التقليدي.
كم عدد العلاقات في سبيل ذلك؟ لا أذكر؟
كم عدد التجاوزات للخطوط الحمراء؟ أووووه لا أذكر
تم استغلالي كثيرا، كثيرا جدا، ولم أكن أراه استغلالا، وإنما حبا! يا لحماقتي، كيف نسيت أنني أولا وأخيرا بمجتمع شرقي حتى النخاع؟
واحد فقط من تطورت العلاقة ليقيني أنها ستنتهي بالزواج، عاطل عن العمل كان، وكنت راضية بالانتظار، وحدث بيننا كل شيء إلا شيء! ولكن بنظري فقد حدث بيننا كل شيء وانتهى الأمر، وطالت بطالته وبدأت على مشارف الثلاثين فتركته، وقبل تركي له كنت مستعدة -والله لأن أتزوجه بلا مهر وبلا عرس- فقط أمام الناس أن يكون حلالي والرجل الوحيد الذي لمسني ولكن كان يرفض بحجة أنه غير مستعد.
كان صعبا جدا علي أن أتركه ولكن فعلت وانتهى الأمر. كنا مشتركان بجروب على الإنترنت عن المنتديات واللقاءات الأدبية، نلتقي جميعا في دار نشر أو أمسية أو توقيع كتاب، مجموعة كبيرة من الشباب والبنات.
أمس، فقط أمس وبعد كل هذه المدة أعلم من أحدهم بكلامه العابر أنه كان يخطط لخطبة إحداهن، منتظرا قدوم أهلها ليتقدم رسميا لها، وماذا كنت أنا؟ سوى أراجوز؟ سوى منفضة للوقت
لماذا عرفت الآن؟ بعد ثلاث سنوات على الغياب؟
هل كل الدلال والعطاء وتقديم نفسي له بالمجان كان وبالا علي؟
هل كنت رخيصة إلى هذا الحد؟؟ لا أستطيع أن أتقبل هذه الفكرة اللعينة.
زوجي، الرجل الوحيد الذي أؤمن به وبصدقه، هل يعلم؟
هل يعلم أن لزوجته المحبة والمتفانية والتي لا تمل من العطاء، هل يعلم بماضيها؟
بأنها كانت حبة لبان ألكها أحدهم ورماها؟؟
لماذا؟ ألم يكن من حقه أن يتزوج بطاهرة عفيفة لم تمس من قبل؟
أحزن عليه، وعلى نفسي وعلى تهوري وغبائي.
أكره نفسي وأحتقرها. أشعر أنني دون العدم! أشعر بغضب من نفسي وشفقة عليها وقهر لا أدري كيف أصرفه
غاضبة غاضبة جدا جدا ولا أدري كيف أصفح عن نفسي.
20/09/2013
رد المستشار
نعم فلتغضبي، ولتبكي وتنوحي، ولكن ليس للتفريط فقط الذي تحدثت عنه معنا، ولكن؛ لأن حزنك على ما حدث لك أمر طبيعي؛ فنحن نحب ذواتنا، ونحب أن نحترمها ونقدرها إن كنا أسوياء، ولكن تعالي نتحدث لماذا لم أطلب منك أن تغضبي فقط للتفريط؟
وأتمنى أن تكون في مزاج يسمح لكِ بتقبل واستيعاب ما سأقوله، فأنت تربيت تربية جعلتك في الغالب كما أظن في حالة إحتياج شديدة للحب والاهتمام والرعاية، أو رسخت بداخلك أن الزواج هدف أصيل وأساسي في الحياة بدونه ليس لكِ أي قيمة، فما رأيك الآن في هذا؟
ألم تكتشفي مع تجاربك الماضية أنه كان الوهم الكبير؟؛ هل الأهم الآن أن تتجرعي مرارة أنك كنت محل استغلال رجال أم أنك كنت ضحية إحتياج لم يلبى في أسرتك فخرجت تبحثي عنه في الخارج تحت أي ظرف، وتحت أي تنازل ولم تفكري في كيفية التعامل مع هذا الحرمان بنضج؟، هل اكتشفتِ أن الحنان والاهتمام لا يتم تسولهما، أو إن تقديم رشاوي عاطفية، أو جنسية للحصول عليهما لا يخسر فيه إلا أنتِ؟، هل تعرفتِ على حقيقة الحب؟؛ هل تعلمت أن الحب ليس مجرد مشاعر غير مسئولة تطير في الهواء ونطير معها حتى تكسر عنقنا في نهاية المطاف مادام لم يقم الحبيب بمسئوليته تجاه محبوبته وتجاه اتمام العلاقة؟، أم وقفت وطالت وقفتك عند الاستغلال والخداع فقط؟
... والآن وقد تزوجت، فأين أنت من السعادة والرضا وتحقيق وجودك؟،لا شيء، وليس معنى ذلك أن الزواج ليس له أهمية ولا قيمة خصوصًا مع زوج مثلما ترينه، ولكن هل الزواج في حد ذاته هو مصدر السعادة والرضا وتحقيق الوجود؟
كنت أتمنى أن تنبشي في الماضي، أو تتبعين هذا الرجل الآخر لكي تُقيِمي تجاربك وتكون سببًا في معرفة نفسك عن قرب وليس لتتبع أخباره وحساب تواريخ تحفظينها عن ظهر قلب لتكتشفي هل كان يخدعك في نفس الفترة أم لا؟، وهذا هو الأهم، فحين نشعر بخنجر الغدر وطعنة الألم بلا أي رحمة أو شفقة؛ فلا يكون موقفنا الوحيد هو البقاء في مساحة تجرع الألم والإندهاش والندم، بل يجب بعد أن تأخذي جرعتك الطبيعية منهم؛
أن تبدئي في التقييم بشكل موضوعي؛ لتستفيدي منه على الأقل حين يرزقك الله تعالى أبناء لتجعلي وعيهم وفكرهم أفضل مما كنت عليه، أما ما يتعلق بنظرة الشفقة على زوجك من ماضيك؛ فهذا أيضًا مغلوط لديك للأسف!؛ فحقوقه عليك على المستوى العاطفي والجسدي بدأت فقط حين تشاركتما الحياة معًا؛ فما مضى منك لم يكون هو موجودًا فيه من الأساس لينتقص من حقه، ولا من حقوقه، وأن العبرة في حقيقة توبتك وعدم الوقوع في ذلك أبدًا تحت أي ظرف من الظروف، فالله سبحانه وتعالى الذي لم تذكريه في سطورك، ولم تعبري عن رغبتك في رضاه وشكره لسترك؛ يعلم حقائق أنفسنا، وأن هناك فارق - لن يراه إلا من يعرف الله تعالى عز وجل- بين الذات وتصرفاتها؛ فلعل الذات تكون أتقى من تصرفاتها ولكننا لا نعلم وسبحانه يعلم؛
ولعل الله أراد لكِ التطهر والتوبة بعيدًا عن الفضح؛ لأن البشر لا يعرفون الصفح بصدق مثله سبحانه؛ حتى أنتِ تعجزين عن مسامحة نفسك وتجلدينها فمبالك بالبشر؟!، وأذكر أن صحابي وقع في كبيرة شرب الخمر؛ فأقيم عليه الحد بالجلد أيام رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه؛ وبعد أن تم جلده على مرأى ومسمع من البشر، قال أحدهم كلمات تنم عن رؤيته الدنية للصحابي الذي شرب الخمر، فرد الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه رجل يحب الله ورسوله ونهره عن هذا الكلام!؛
هنا الرسول صلى الله عليه وسلم فرق بين التصرف والذات؛ فالتصرف عوقب كما أراد الله تعالى، ولكن الذات لأنها أنقى وأطهر دافع عنها، أرجو أن تتفهمي ما قلته وتدركيه، وتنتقلي من مربعك الآن للمربع الأكثر أهمية ونفع؛ وتعلمي التسامح، وتعلمي من أخطائك، وتعرفي على الله تعالى الغفور الستير، وتعلمي فنون التربية، واسعدي بزوجك وزواجك وقرري نجاح زواجك، ودعي الماضي في مساحتة لا أكثر ولا أقل، وفقك الله تعالى.