خفوت الرغبة الجنسية
يقول عزت القمحاوي في مقاله لقاء الأرواح وتصادم الأجساد.. عاد شاب مصري إلى قريته بزوجة من ميلانو. في اليوم الأول قبلته أمام والديه، فاعتذر الشاب لأبيه: معلهش يا با أصلها كافرة مش فاهمة. وكان رد الأب: دي أمك اللي كافرة! ورغم هذا الحس الساخر لدي الأب، فإن القصة لم تمض باتجاه إباحة التقبيل علناً في القرية، بل إن الزوجة الإيطالية هي التي فهمت بعد ذلك أخلاق القرية المصرية وكفت عن تقبيل زوجها في فمه أمام الآخرين، لكن البيت الذي دخلته لم يعد أيضاً كما كان، فقد تقدم خطوات باتجاه فهم الزوجة الإيطالية. مع ذلك لا نستطيع أن نعول دائماً على هذا التفاهم الجنسي النادر).
في إطار هذا وذاك قالت امرأة حديثة الزواج (سنة أو أكثر)، في معرض حديثها لامرأة أخرى متزوجة في نفس السنة: (تتصوري، أنه مهما لبست له لبس مُغري، وتزينت على سنجة عشرة، وحطيت بارفان ماحصلش، لا يهتم، ولا كأنه هنا، وعندما يراني، لا يحدث له أدنى انتصاب!!)، أشاحت المرأة الأخرى بوجهها وهي تكتم ضحكتها صائحة في همهمة غاضبة: (الحال من بعضه يا أختي، مش فاهمة رجالة إيه بتوع الأيام دي؟! قال إيه... في سن الشباب، منتصف العشرينات، المفروض يكسروا الحجر.. أنا مش فاهمة.. فعلاً مش فاهمة!!).....
هذه هي الحقيقة المّرة على مستوى العالم، زحفت على مصر والمنطقة العربية زحفاً بطيئاً، ثابتاً ومستمراً.. فخفوت الرغبة الجنسية المعروف علمياً بالـ (H S D) أو (Hypoactive Sexual Desire) يُعدّ أكثر الاضطرابات الجنسية شيوعاً وفي كثير من الدراسات تصل النسبة لأكثر من (25%) من الرجال في سن صغيرة، لدرجة أنه صار كالوباء، يغزو البيوت يمس الرجال ويخيف النساء ويهدد الأسر.
تقول سالي (وهذا ليس اسمها الحقيقي)،(وكأن الدنيا قد أعطتني كل شيء، المال والجمال، تزوجت حديثاً وعندي ولد، زوجي رجل أعمال ناجح، وسيم جذاب تخطفه عيون البنات هنا وهناك، وتكاد تأكله نظرات النسوة في المجتمعات التي نرتادها، قررنا الذهاب إلى شرم الشيخ لقضاء عطلة في فندق راق جداً، تناولنا العشاء في (رستوران) فاخر مذاق طعامه لا يوصف، لكن ـ وللأسف ـ شاب العلاقة بيننا اضطراب ما ضرب منطقة غاية في الحساسية).
استرسلت سالي قائلة (توقف زوجي الشاب، حبيبي المليء بالحيوية عن الاهتمام بي ولم تعد لديه أي رغبة جنسية فيّ، ولم يبد عليه أي مظهر ولو حتى طفيف يَدّل على اهتمامه الجسدي بي، وهكذا تمادى الحال بنا لدرجة ـ أنه ـ ولشهور أصبح لا يلمسني، لدرجة أنه أصبح يخاف أن يمسك بيدي أو يقبلني، ولما واجهته، قال بصراحة ـ أصل الحكاية ممكن تتطور!!! ـ وكأننا سنرتكب الإثم أو أنه يخشى اللقاء الحميم ويخاف منه، أعتقد أنه يخاف الاقتراب منّي، يخاف الحميمية، ومن ثمّ يهرب من الأمر كله!) قالت كل هذا وانهمرت باكية في عيادة التحليل النفسي الجنسي، انخرطت في بكاء عميق، غطت وجهها بيديها... ثم صمتت.
مما لاشك فيه أن هذا موضوع ملئ بالتوتر والخوف والخزي، موضوع خفوت الرغبة الجنسية أو الــ (H S D)، فها هي الزوجة (غالب) تبذل كل جهدها، وتظهر في أبهى حُلّة وأحسن صورة والزوج (غالب) ولا على باله، هنا لابد وأن ترتبك العلاقة، وتنزعج الزوجة طبعاً، وقد تحس أن ثمة عيب فيها (ربما فقدت سحرها وجاذبيته)، (وهنا قد تلجأ إلى جراحات التجميل أو الإفراط في استخدام الكريمات والعطور أو تتبع نظاماً غذائياً مرهقاً لضبط وزنها ـ وكأنها في رحلة شاقة من أجل أن تصير (موديل) مقارنة نفسها بهيفاء ونانسي ومادونا وجوليا روبرتس).
ومن الطبيعي أن يراود الزوجة الشك في أن زوجها يرغب غيرها (رغم أن هذا مستبعد لأنه يبدو مهموماً، وفاقد الرغبة الجنسية تمام). بالطبع في حالة فتور الزوجة الجنسي قد لا يظهر الأمر جلياً لأنها (تزيف النشوة) و(تمثل المتعة)، أو أنها تتلقى فقط وتدعه (ينهي الأمر وخلاص..)!!
هنا.. إذا أهُمل هذا الأمر، فإنه ـ قد يؤدي ـ للأسف ـ إلى تدمير ـ الزواج تماماً ونسف أساسياته (مثال على ذلك لزوجين تزوجا بشكل الصالونات، وكان بينهما إلى حدّ ما انسجام رغم فارق السن حيث كبر الزوج عن الزوجة بـ (12) سنة لكنه في ليلة الدخلة لم يفكر في تقبيلها، خلع بذلة الفرح، لبس البيجامة، أعطاها ظهره ثم غطّ في نوم عميق، وهي كانت بين الدهشة والذهول وبعد (11 يوم) استطاع فض بكارتها ولكنه حرص على القذف خارج المهبل لأنه كان لا يود الحمل، لأنه كان في أعماقه خائفاً من الزواج ومسئولياته أو متوقعاً الفشل، وكما أقرت الزوجة استمرت العلاقة الجنسية بينهما كيفما اتفق، كل أسبوعين ـ ثلاثة ولمدة ستة أشهر فقط سادتها المشاحنات والمشاجرات وعدم الاحترام المتبادل الأمر الذي انتهى بالطلاق).
أصبح الشرق الآن مختلفاً عن ذي قبل، أصبح يضج بالمشهيات البصرية ذات المدلول الجنسي الواضح الفاضح والصريح، ونسبة الاعتناء بالمظهر تطوّرت لدى الفتيات وأصبح الرجال يرون بنات زي الشربات يتفنن في لفت النظر (جسداً وماكياج). كانوا دائماً ـ يقولون أن الرجال إذا اجتمعوا فليس لهم حديث إلاّ الجنس والسياسة والمال، الآن حديثهم عن الجنس صار عن الخفوت والعجز (كل واحد يحط همّه على الثاني، ومن سمع بلوة غيره تهون عليه بلوته، ولم يعد هناك خجل أو تغطيه وصار الحديث عن الحبوب الزرقاء وعن سبل التعويض عادياً كقزقزة اللب وشرب الشاي)... هكذا أصبح الأمر بين شباب اليوم ـ تحديداً ـ بشأن الجنس ومتعته مجرد (تحصيل حاصل)، واجب، وأصبحنا نسمع عن خطوبة فلان وفلان حتى يستطيع الخروج معها حتى لو صاحبهما أخوها الصغير، وممكن ـ أيضاً كتب الكتاب من أجل التصاق جسدي أو جنسي سطحي تفادياً (للحرام) وإضفاء مشروعية على (الخلوة والقبلة).
وفي تصريح لشاب كاتب كتابه منذ سنة قال (بصراحة الظاهر أن أنا إتدبست، كان مفروض أتأنى، هو أنا بس كنت عايز أبوس وأحضن براحتي، لكن حتى في دي أبوها بيبقى مستخبي ويظهر فجأة ويزعق ناهراً إيانا قائلاً ـ أنا مش فاتح بيتي مبوسة... هنا يصبح الزواج مجرد (اشتراك) Package، بيعة على رأسها (الجنس) الذي يشتاق إليه الرجل ـ جداً ـ وهو خاطب أو كاتب كتابه، ولما يختلي بزوجته، يصبح الأمر واجباً شاقاً فتخفت الرغبة وتموت الأمنية.
انتفض علماء وأطباء النفس والذكورة في العالم باحثين عن الأسباب ومفتشين عن الحلول! (بشرت البحوث الخاصة في مجال العلاج النفسي الجنسي بنتائج طبية للغاية، إذا ما التزم الزوجان)، لكن المزعج في الأمر أن كثيراً ممن يعانون من خفوت الرغبة الجنسية لا يرون أن هناك مشكلة حقاً أو أنهم ـ بالفعل ـ خجلى، أو أنهم قد تزوجوا لإرضاء الرغبة الجنسية فقط (دون إدراك أن الزواج حياة كاملة ومشاركة وحميمية في كافة الأمور)، هنا يبدأ الشجار في كل وكافة الأمور، التافهة والعظيمة، ويحتدم الصراع على صغائر الأشياء قبل كبائرها، فمثلاً ـ يبدأ الرجل في رؤية امرأته التي كانت خطيبته (عادية) مثل أي امرأة، وتراه هي رجلاً مهملاً أشعث الشعر، كسول، غير مهتم، شارد النظرة...
هنا تكمن تحت السطح أمور وأمور أهمها الخفوت الجنسي؛ فإذا خفتت الرغبة لدى طرف تآكلت حواف الطرف الآخر... هنا إذا فحصنا حاله (ماري) (وهذا ليس اسمها الحقيقي)، في الأربعينات من عمرها، سعيدة في زواجها، فجأة ومنذ ستة أشهر اختفت رغبتها الجنسية تماماً قالت دون خجل [لا أدرى ما الذي حصل.. صحيت من النوم فجأة، لقيت شهيتي الجنسية غير موجودة، (بَحّ)، زي ما يكون حوّلت الـ (Switch) الزرار (Off) لا أنكر أنني وزوجي مازلنا نمارس الجنس مرة كل بضعة أسابيع، لكنه ـ للأسف ـ جنس غير متوهج (زي الطبيخ البايت، وأحياناً زي الطبيخ الحمضان..!!!!).
ـ قبل كده كنت باستمتع بالعلاقة، لكن على ما يبدو أن جزءاً حيوياً منها قد فقد، جزءاً أصيلاً من تكويني، زي ما يكون شلت (Fuse).
طبعاً عموم الناس في حياتهم اليومية لا تعم عليهم شهوة جنسية متأججة على طول، فهناك المشاكل و المشاغل، الأولاد ودورسهم الخصوصية، انقطاع المياه، التعب والإرهاق بسبب وبدون، الإجهاد العصبي، اللهاث وراء لقمة العيش ليل نهار، حتى نزلات البرد المتكررة والرشح شبه المستمر والحساسية المزعجة، كل هذا وذاك له دور كاف لدفع الرغبة الجنسية بعيداً.. لكن المسألة ليست قاتمة إلى هذا الحد، فبضع كلمات رومانسية، أفكار مثيرة، وخيالات ذات طابع مهيّج قد تقود إلى استعادة الحياة الجنسية الطبيعية بين الزوجين، لكن المثير للفزع ـ أنه رغم كل شيء ـ قد لا تعود الرغبة، وكأنها قد ركبت على عربة ومضت في الاتجاه المعاكس؟! ونجد في هؤلاء المصابين بالخفوت (H S D) لا رغبة ولا مثيرات ولا اهتمام..
وهنا يبرز سؤال مهم! متى يكون الجنس قليل؟ وما معنى ذلك؟... إذا اشتكى أحد الطرفين من أن حاجته من الجنس لا تُشبع: فإن ذلك قد يعني أن شهيته الجنسية مفتوحة زيادة، ومن ثمّ فإن الطرف الآخر غير قادر على إشباعها تماماً. يدلل الخبراء على أنه لا قانون للحدّ الأدنى للممارسة الجنسية، بمعنى أن المسألة تختلف وتوفق حسب الظروف، شرط ألاّ تطول أو تنعدم!!
وفي دراسة بريطانية نشرها (جورنال العلاج الجنسي والزواجي) تأكد أن (24%) من الأزواج في العينة المفحوصة لم يمارسوا الجنس في الثلاثة أشهر السابقة للدراسة، وفي دراسة أخرى شهيرة بعنوان (الجنس في أمريك) تبين أن ثلث الأزواج مارسوا الجنس ـ فقط ـ بضع مرات سنوياً، ولنا ـ بالطبع ـ أن نحدد أن تلك الدراسات تركز وتؤكد على (الممارسة) لا على (الرغبة) مما لا يدل على أن أحد الزوجين قد يعاني من خفوت الرغبة الجنسية (H-S-D).
ومع ظهور الفياجرا والجيل الذي سبقها وتلاها ظن البعض أن المشكلة تحل بحبة صغيرة، لكن وجد أن المسألة أعقد من ذلك بكثير؛ فحبة الفياجرا مثلاً تضخ بالدم في القضيب لينتصب، لكنها لا تنبه المخ ليمتلئ بالرغبة، أي أنها ليست بذات فائدة إذا كانت المسائل (فوق) في (المخ) في (النفس) مغلقة أو نائمة في العسل.. مما يدل على أن هؤلاء الناس يحتاجون إلى معالجة نفسية جنسية حقيقية تفتش عن الأسرار والكوامن، عن والصراعات والخفايا، تحلّها، توجهها، تنظمها وترشدها إذن فليس هناك (علاج شافِ نهائي) بمعنى (آكل حبّاية كله يبقى تمام)، يحتاج الأمر إلى شحن البطاريات، شحذ الهمة النفسية، بث العشق بمعناه الوجداني؛ بمعنى أن يسعى كل رجل لاكتشاف جسد امرأته من جديد، وأن تسعى كل امرأة لأن تمارس الحب (لا الجنس)، وأن تترك أداء الواجب بعيداً وتنتبه إلى الكلمة الحلوة العذبة، واللمسة التي تثير الحواس وتؤججها. أي الأمر يحتاج إلى (وجود ونفوس) لا إلى الكيمياء..
ينبغي أن ننبه أن كثيراً من العقاقير المضادة للاكتئاب تؤثر سلباً على الرغبة الجنسية خاصة تلك التي تعمل على مادة (السيروتونين) والمعروفة باسم (SSRI’s)، كذلك فإن اضطرابات الغدة النخامية قد تؤدي إلى خفوت الرغبة الجنسية، كما تؤكد بعض الأبحاث أن انخفاض نسبة الهرمون الذكري (التستيستيرون) في النساء تعد سبباً وراء ضعف شهيتهن الجنسية وفي ختام الأمر نستطيع القول بأن خفوت الرغبة الجنسية يعد أكثر الأمور صعوبة، صحيح يمكن علاجه بنجاح، لكن مفتاح هذا النجاح يكون ـ غالباً ـ في يد معالج نفسي جنسي متمكن، وتكمن الصعوبة غالباً في إقناع الرجل بأن هناك مشكلة... لا لشيء إلاّ لأنه لا يراها.. ولا يود أن يراها ولا يريد من أحد تذكيره بها.
اقرأ أيضا:
الإدمـان... نحـو استراتيجيـة اجتماعيـة جديدة / لغز مذبحه بني مزار / تحليل علمي للتجارب المصرية واللبنانية / صالون خليل فاضل الثقافي