مجتمعاتنا مُستعمَرة ومُستعبَدة، والمُستعمر والمُستعبد هو الماضي الذي يقبض على عنقها ويخنق أنفاسها، ولا توجد أمة مُستعمَرة بماضيها مثل أمتنا!
ويبدو أن هناك قوى تدفع لترسيخ وتعزيز هذا الاستعمار وتمريره وتغرير الأجيال واستغفالهم وإيهامهم بأن الماضي رائع جداً ولا يمكنهم أن يأتوا بشيءٍ قريب منه، فهم في انكسار وانتكاس ورقدة عدم لا حياة بعدها، فالماضي المُرصَّع بالنجوم المضيئات قد ولَّى ومعه ذهبت إرادة أمة وتطلُّعات أجيال.
ولا يمكن الجزم بأن الذي يدور في أروقة أيام الأمة غير مُوجّه ومُبرمَج ومُخطَّط له، وقد لعب المستشرقون دوراً كبيراً في دفع الأجيال بهذا الاتجاه التدميري للحاضر والمستقبل. وعندما ننظر أحوالنا على مرّ العقود منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم يتضح انغماسنا بالاجترار الوسواسي لماضينا، وإمعاننا بتضخيم صور رموزه، والانتقال بهم إلى مصاف الآلهة العظام، بعيداً عن الواقع المدروس والمعقول.
فما هي فائدة الماضي؟ المجتمعات تعتبر بماضيها وما اعتبرنا، وتتعلم منه وما تعلمنا، وترجع إليه في أزماتها ومُلمَّاتِها وما فعلنا، فكأن مجتمعاتنا دواليب ناعور تمتلئ وتسكب ما فيها، وما أنبتت زرعاً ولا روت أرضاً.
الماضي تحوَّل إلى تركة ثقيلة تُعطِّل عقولنا وتقصم ظهورنا وفقاً لما هو مُخطَّط ومرسوم للاستيلاء على وجودنا وثرواتنا.
ومن الواضح أن أمتنا مَلعُوبٌ بها وعليها، ومأخوذةٌ إلى حيث يريد الطامع بها، وهو يجتهد في دحرجتها لتسقط في بالوعة رغباته وتطلعاته، وقد تبرمَجت الأجيال لتكون قِوى ذاتية الحركة تساهم في تحقيق مصالح الآخرين فيها.
فكراسي الأمة الحاكمة أدوات لتحقيق أطماع الآخرين بأنواعهم وقدراتهم الإقليمية والعالمية، ولا يوجد مَن يفكر بمصالح وطنه ومواطنيه بالفعل والعمل، لكنهم يُلَقَّنون بأقوالٍ لتأكيد بقائهم في الكرسي وتحقيق إرادة أسيادهم والمؤازرين لسلوكياتهم المناهضة للوطن.
فهل نستطيع التحرر من هذا الاستعمار المبيد؟
واقرأ أيضاً:
أمة الأصول تاهت في الفصول \ الطائفية والعنصرية \ واقعٌ منخور