إغلاق
 

Bookmark and Share

تعتعة: الفجوة تتسع بين الحكومة والناس!! ::

الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 10/09/2009


وهل هي ناقصة؟!
الحكومة، أية حكومة، وهي تدير شؤون الناس، تحتاج أن تتعرف على رأيهم، واحتياجاتهم: ما ينقصهم، وما يكفيهم، ما يغضبهم، وما يرضيهم، وهي تتحسس الطريق بشكل مباشر وغير مباشر إلى مخاطبة وعيهم الجمعي، وحدسهم التاريخي، ونبضهم المشترك، لتنجح في مهمتها ما أمكن ذلك.

هناك آليات حديثة لمثل ذلك تسمى قياس الرأي العام (وأغلبها مشبوهة)، وهناك آليات قديمة، مثل التخفي في ثياب شخص عادي لمعرفة أحوال الرعية (وأغلبها حكائية ملتبسة)/ ثم هناك أيضاً آليات علمية/معرفية أحدث فأحدث، أعمق وأصدق، مثل القراءة الموضوعية للتاريخ بدءاً بالأساطير، واستيعاب نبض دورات الحياة، واستلهام الحكمة من قوانين التطور، وما ينفع الناس، والتاريخ الحيوي، فالتاريخ البشري، وانعكاس كل ذلك في عموم الناس "هنا والآن"!!.

أنا لا أعرف كيف يحصل المسؤول عندنا عن معنى وحقيقة حركية الناس وتوجهات وعيهم الجمعي، وهو جالس على مكتبه، أو مستغرق في أرقامه، أو مستظهر علم تخصصه من كتبه؟ للناس حركيتهم الفطرية معاً، ولهم طقوسهم التاريخية الممتدة، وقوة حدسهم المخترقة، ومغزى تجمعاتهم الإيقاعية الحيوية. لعموم الناس، علاقتهم التلقائية بالطبيعة والكون، تنظمها الأديان غالباً، وتفسدها السلطات (بما في ذلك السلطة الدينية) غالباً أيضاً، كل هذا قد يأتي في المقام الثاني أو العاشر مقارنة بمهام الحكومة في القيام بتوفير رغيف العيش والمسكن والعمل والمواصلات والتعليم والعلاج... إلخ، إلا أن هذه الضروريات تتوفر -إذا توفرت- هي ليكون الناس ناساً، يجمعهم إلى بعضهم بعضاً ما خلقهم الله من أجله، لا يكفي لكي يعرف المسؤول الناس الذين يحكمهم أن يقرأ الأرقام الرسمية، أو يسمع للمعارضة، أو لتظاهرات الشارع، أو ينخدع بصندوق انتخاب هو أعلم بأحواله، ولا يكفي ما يصله من المنافقين أو الشتامين، أو المنتفعين أو الغاضبين، ولا حتى من "النت" (المدونات، والفيس بوك، والمواقع الخاصة)، كل هذه مصادر مهمة ومساعدة، قد تفيد في قرارات توفير الضرورة، أما حين يتصدون لإصدار قرارات تمس حدس الناس الجمعي، ووعيهم التطوري، وتاريخهم الثقافي، فعليه أن يتبصر أعمق، وأن يعرف أن هناك مستوى آخر للوجود البشري الجمعي، يكمن في أمعاء جوف الشارع، وهسيس ليل البيوت، وحفيف هدير التجمعات، ونبض الإبداع، وطقوس العبادات.

حين يريد مسؤول أن يتدخل في تنظيم أو تأجيل أو إلغاء أو تعديل مثل هذه الاحتفاليات الدورية الموسمية الجماعية التلقائية التاريخية الراسخة المسماة الموالد، عليه أن يعرف شيئاً جاداً وعميقاً عن هذه الظاهرة: تاريخاً، وحالاً (بالإضافة لصفتها الدينية وظاهر طقوسها). هل ذهب هذا المسؤول شخصياً إلى أي من تلك الموالد ليتعرف عليها؟ ولو مثل السفير الأمريكي فرانسيس دوني؟ هل تساءل لماذا يذهب أهل قنا للسيد البدوي، وأهل طنطا لسيدي عبد الرحيم القناوي؟ هل تصور مثلاً أنها "حج أصغر هل بلغه أن العلوم الأحدث تثق في قدرات الجسد المبدعة إذ يتناغم مع الطبيعة والكون، أكثر من ثقتها في أرقام منظمة الصحة العالمية؟ هل سأل التاريخ بدءاً من الأساطير عن توقيت ومغزى ظهور هذه الظاهرة، ومعناها، وتطورها، وجدواها في تشكيل "الوعي الجمعي الجديد" الذي هو أمل كثير من المبدعين عبر العالم لمواجهة "النظام العالمي الانقراضي الجديد.

يبدو أن الجالسين على المكاتب لا يعرفون ناسهم، وقد أعذرهم لضيق الوقت وظروف الأمن، ولكن إن لم يكن عندهم الوقت والأمان للنزول للناس في الموالد والحواري والأزقة، فضلاً عن أن يتمايلوا معهم في ذكر الله في الموالد والساحات، فلا أقل من أن يقرأوا كيف استوعب إبداعنا الحديث نبض ناسنا هذا، خذ مثلاً: "أيام الإنسان السبعة (عبد الحكيم قاسم) أو قنديل أم هاشم (يحيى حقي)، ثم لحس العتب (خيري شلبي)، أو حتى موجزاً لدراسة نقدية مقارنة تميز بين الغث والخبيث (أطروحة منشورة لكاتب هذه السطور).

ثم راح المتضررون يهددون بأن السيدة زينب –وليس هم- ستنتقم من المسؤولين عقاباً على تطاولهم عليها، وليس لانفصالهم عن ناسهم وهم يحملون أمانة حكمهم! ما هذا؟!.
وبعد، لا إنفلونزا الخنازير خطر صحي موضوعي (كما صرح مراراً وزير الصحة، ثم لا أدري كيف أخافوه!)، ولا آل البيت قادرون في قبورهم على الانتقام ممن يؤذي محبيهم، ولا هي فرصة للسلفيين المكتبيين لإثبات فساد الدين الشعبي وربما تكفير الملايين، لكنها إعلان جديد للفجوة الخطيرة التي تتسع باضطراد بين الناس والسلطات بأنواعها.

أما علاقة هذه الاحتفاليات الشعبية النابضة المتناغمة مع الأجساد، والذوات، والتاريخ، والطبيعة في لحن حركية الإيمان، وحدس الفطرة، ورحلات النمو والتطور، وبرامج "الذهاب والعودة" البيولوجية، و"الإيقاع الحيوي"، وتناغم الوعي الشخصي مع الوعي الكوني إلى وجه الحق تعالى، فلهذا حديث وأحاديث أخرى.

اقرأ أيضا:
تعتعة نفسية: المجنون لا يفعل مثل هذا!!! / تعتعة نفسية: كيف تعمل العقاقير النفسية (2) / الحق في الفرحة وسط المصائب، والأحزان!! / الزمن والتاريخ، ومعنى ما هو: أوباما / غزة، والبشرُ خلايا المخ العالمي الجديد!! / دعوة إلى: الوعي بما تملك (2/أ) / الحذاء الطائر، والبصقة العالمية، ومسؤولية الفرحة / نجيب محفوظ: بداية بلا نهاية / متواطئــون!!! / قبلات وأحضان، وسط الدماء والأحزان  / أتعلم من بني كيف أنهزم بشرف وشجاعة؟ / "دورية" محفوظ بين ملحمة الحرافيش، وملحمة غزةلكنّ دَسَّ السم في نبض الكلامْ: قتلٌ جبانْ  / تعتعة سياسية: هل أنت مثقف؟ / النظام العالَمي القَـبَـلي الجديدْ: آلهةٌ وأنعام!! / الوصايا العشر، لحكّام العصر، في بر مصر / تعتعة... الآخرون / تعتعة: لؤلؤة غامضة وسط كومة قش مشبوهة!! / تعتعة: معنى آخر لـ: "حسن نصر الله"!! / تعتعة: الوطن: وعيٌّ يتشكل!! إياكم أن يتخثَّرَ / تعتعة: تحديث أرجوزة: عن المفاوضات وخطة الطريق / تعتعة:‏ ‏هل ماتت الدهشة فينا من فرط الاستقرار؟ / تعتعة: أغنية إلى الله: حزنٌ جليلٌ، وشعبٌ جميلْ!! / اختزالٌ لا يليق برمضان وصومه! أنفلونزا الخنازير: بين الإرعاب والإلهاء...!!!  / أوباما-جاكسون: دوريان جراى، الأصل والصورة (3من3)

نشرت في الدستور بتاريخ 22-7-2009



الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 10/09/2009