الربيع من جديد
حكمة الطبيعة أن تبقي الربيع بعيداً برونقه وثوبه الأخضر عن قسوة الشتاء وزمجرة رياحه، وعواصفه وأعاصيره.
لا يلتقي الربيع بتلال الورد المتناثرة، وحشائش الأرض اليانعة، وأسوار يبنيها لحبر القلوب، فتعزف بقلمك عن فصل لا يعرف سوى العطاء.
الشمس الخجولة وبقايا سحب متناثرة، وأرض ترتدي حٍلل من جميلة المُحيا وتبث الزهور ريحاً زكية، كأنها حقبة من الجنة تكسو الأرض، حقبة للعشاق ولكتاب الأوراق.
جنان معلقة، وبسمات متناثرة، وجمال لا يحتاج لريشة فنان فهنا فسيفساء متكاملة، لوحات لا تنتهي، السماء تكتسي الأزرق، الأرض تتدثر بالأخضر، وتتزين بمئات الأنواع من الزهور، أسراب فراشات ضاحكة، ونحلات تقبل الزهور بعشق لتنتج شهدا يفوق الجمال جمالاً.
للربيع لغة لا يتقن سماعها سوى من يسمع صوت نمو الورد، تخاطب الشجر، لمسات الهواء لورق الشجر، وأتقن تلك اللغة فيغمرني الربيع بزرقة سَمائه، ولطف سحابه، وخضار أرضه، وأسراب فراشه.
أبني أكواخ الطفولة بمخيلتي، حيث الربيع والبراءة ونقاء القلب، أصمت لحوار الورد ولنقاش النحل ولربما عتاب الشجر ولاصطدام ناعم بين سحب تغازل القمر، كيف لا ترى الربيع يغمرني بكل خلية بكياني، يضخه التاجي من أعلى خلية برأسي لأخمص قدمي.
أفرط بالأمل، يكتسيني ويثير ضحكاتي، ويلون نظرتي، ويرسم بسمتي ....فيضان من دماء زكية يضخها القلب تحمل روائح الزهور وترسم الحياة يانعة بكل خلية.
وأتساءل كيف لا تسمعون للبلابل تشدو؟ للورد ينمو ؟ للقمر يستفيق برقة؟ للشمس تشرق بخيلاء .
تبدو الأيام وردية بلا توقف والسعادة مفرطة، ولك أن تتخيل عَجب من حولي، ما حل بقاطبة الحاجبين.... سيدة الشتاء ومحبة العواصف الهوجاء، من قلب يسكن بين ساكني القبور، لحي يدور ويتحدث ويثور بضحكاته ومغامراته ونبض حياته.
من أرملة سوداء إلى فراشة ملكية تتبدل العقلية وتتصبح عاشقة مغرمة بالربيع، لا يتوقف الحديث بعد صمت دهور ولا تسكت الضحكات بعدما نسيت معنى الثبور، من قلب حال قاسية القلب وصاحبة الأعاصير، متفجرة اللسان، قاذفة كرات اللهب، سيدة الجحيم لسيدة تتحدث يقطر الشهد اللذيذ.
من أحال الشتاء لربيع، أحدثكم عن نواقلي العصبية الغربية وما هي فاعلة بي، تُحلق بي عاليأً وموسيقى ناعمة ترقص طرباً لها كل سحابة مطرية وترسل لها تحية كل نجمة فضولية، نصل عنان السماء وتُرسم أطياف سبعة حولنا.
ونواقل عصبية أخرى تهوي بك صريعاً من الأعالي للقاع، تسحق عظامك وتجتث قلبك، وتعيدك لتعاشر الأموات بصمتك ونظرتك.
أخشى أن يعود الشتاء، ويعم المساء ولا تخرج سيدة المجرة لتمشي بخيلاء .....أخشى على نفسي من نفسي.
إنها ثنائية الجحيم
واقرأ أيضاً:
صباح يشرق فيه حبيبي / شبح كاتبة / عندما يغتال الربيع