وسواس الصيام قضاء الصوم
السلام عليكم، أنا يا شيخي الفاضل عندما أردت أن أقضي ما علي من صيام في الصغر حددت أياما حسب ما أتذكر ثم بعد ذلك دخلت علي الوساوس من كل جانب حتى ظننت أن لم أصم يوما في حياتي، وبعد ذلك جلست شهورا أصوم ولا أكمل حتى قرب رمضان فأعدت صيام قضاء تلك السنة وبعدها جاءني وسواس غريب لم أعهده وهو وسواس أن بي شهوة لا أقدر على كبتها!
وهكذا صمت رمضان بهذا الشعور الشهواني حتى أكاد أشعر أني أفعل الحرام وأنا صائمة وأنا أصلي وأنا نائمة وأنا مع أهلي أو مع نفسي فقلت مع هذا الشعور والحركات التي أظن أن تفعل بي شيئا أنا صائمة ولكن سأعيدها، وعندما انتهى رمضان أردت أن أقضي ولكن هو هو الشعور يزيد لدرجة الجنون ولا ينقص إلا عندما يؤذن المغرب فصمت القضاء ولكن قلت لن أعيد ما قلت إنني سأعيد لأن الشعور هو هو.
فهل أعيد صيام رمضان كله الذي أحسست فيه بتلك المشاعر التي لا زالت ولم تذهب بالإضافة لوساوس في النية وفي المضمضة أنه دخل جوفي ماء حتى يخرج الدم من لساني، وأنا لست متزوجة ولا عندي ما يجعلني أشعر بهذا الشعور مع العلم أني اعتزلت الناس واعتزلت الحياة حتى العمرة لم أذهب لها بل حتى وأنا لوحدي يأتيني الشعور إنني الطفل يؤثر بي، الجدار يؤثر، شعور لا أريد ولا أرتضيه تعبت وانهارت قواي.
يئست من نفسي وحتى إن قلت لي يجب الإعادة هذا الشعور والذي أظن أنه يحرك بي شهوة لا يذهب ولا يأتيني إلا وأنا صائمة ويعلم الله عز وجل أنني عفيفة لا أريد الحرام ولا أبتغيه ويعلم الله عز وجل أخلاقي بشهادة من حولي.
تعبت والله تعبت وحتى ما صمت يأتيني وسواس أن صيامي خطأ في خطأ مع العلم أنني أقبلت على الله بكل جوارحي التي أجرها للحلال وتريد أن تجرني للحرام، ودعوت الله كثيرا وقد يسر الله عز وجل لي الصيام الذي لم أكن أصلا أستطيع أن أكمله ولكن مع نفس الشعور.
أرحني أراحك الله دنيا وآخرة وأكرر لست أريد هذا الوسواس ولا أرتضيه وهو لا يريد مفارقتي وأنا كنت مصابة بوسواس الصلاة عشر سنين والآن لي سنتان مع وسواس الصيام
وحسبي الله ونعم الوكيل.
19/1/2014
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته؛
أهلًا بك أختي الكريمة، وكان الله معك ويسر لك طاعاتك...
ما تشتكين منه لا يؤثر على الصوم بأي شكل من الأشكال، الأحاسيس والمشاعر أيًا كان محتواها لا تفسد الصوم، فتقبل الله طاعتك. وأما ماء المضمضة فيكفي إخراج الماء من الفم ولا يحتاج إلى تفٍّ ولا إلى تجفيف فم، ما تحسين به بعد مجّ الماء ليس سوى رطوبة لا تفسد الصوم. نأتي إلى النية وهي أسهل أمر في الصوم، إذا كنت تعرفين (في أي وقت بين المغرب والفجر) أنك ستمتنعين عن الطعام لأجل صيام ما (رمضان، كفارة، نذر، نافلة)، مجرد معرفة هذا يعد نية. هذا هو الجواب الفقهي باختصار.
لكن تبقى مشكلة الفكرة الوسواسية التي تقض مضجعك وتؤرقك، اقرئي جملتي جيدًا: "فكرة وسواسية" إذن هي لا تعبر عنك، ولا عن درجة التزامك وقربك من الله تعالى... إنما هي كما يقولون: (يلي يخاف من الجني يطلع له)، أنت مؤدبة زيادة عن اللزوم، تظنين أن أي فكرة جنسية تقع في ذهنك، ولو لثوانٍ ولو بغير إرادة، تظنينها خطيئة ومعصية، ولكن الأمر أهون من هذا بكثير، لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، فالتكليف متعلق بالقدرة، وشيء لا قدرة لك على جلبه ولا على دفعه، لا تؤاخذين عليه البتة، هو كأن لم يكن، ولا يعني أنك غير جيدة...، هذه المشاعر في حالتها الطبيعية غير الوسواسية لا تعدو كونها كمشاعر الجوع والعطش، فكيف إن أصبحت وسواسًا؟ هل تؤاخذين إن جعت أو عطشت؟ هل يفسد صيامك بمجرد الجوع والعطش؟
الجواب هو: لا في الأمرين. لكن لأنك تعطين لهذه الفكرة أهمية بالغة، وتخافين منها ومن ورودها عليك، فإنها تأتي وتلتصق في دماغك، وباعتبارها ليست فكرة مجردة ولكنها تختلط بالأحاسيس، فهي تجعلك تصدقين أكثر فأكثر أنها منك، وأنك أصبحت شهوانية، وأنك عاصية غير نقية، وأن الله غاضب منك!!!! وكل هذا غير صحيح!!
ولنفرض أن مشاعرك هذه مشاعر حقيقية غير وسواسية، تدعوك إلى الحرام، فإنك رغم شدتها وضغطها النفسي الكبير عليك، لم تستجيبي لها ولم تعملي حسب ما تمليه عليك!!
وهذا مدعاة للفخر والسرور، فهو يدل على ثباتك وقوة إيمانك، كما يفتح لك بابًا عظيمًا من أبواب الحسنات. وورد أنه كُتب إلى عمر رضي الله عنه (أي سأله أحدهم كتابة): يا أمير المؤمنين، رجل لا يشتهي المعصية ولا يعمل بها أفضل، أم رجل يشتهي المعصية ولا يعمل بها؟ فكتب عمر رضي الله عنه: إن الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم.
فالله تعالى جعل قلبك محلًا للتقوى بهذا الابتلاء الذي ابتليت به، وهو وإن كان وسواسًا، ونقول إنه مرض، ومن الشيطان، إلا أنه ابتلاء، لك على الصبر عليه الأجر الوفير، كمن يبتلى في صحته، أو في ماله، أو في غير ذلك...
فكلما شعرت بتلك الأحاسيس وهجمت عليك، افرحي بها كثيرًا... قدومها خير عليك وأنت لا تشعرين، باب أجر وأنت لا تعلمين!!
أسأل الله تعالى أن يتقبلك، ويعينك على الطاعة، ويذيقك برد رحمته وعفوه.
واقرئي أيضًا:
وسواس قهري في الوضوء والصوم والصلاة
وسواس في الصوم والطهارة والصلاة