أخي الأكبر كان السبب
السلام عليكم... جهود مشكورة ومأجورة إن شاء الله. أنا اسمي محمد، ولدت لعائلة من ستة أفراد (أب وأم وأختان وأخ)، ترتيبي بين إخوتي كان الثالث، وضعنا الاقتصادي متوسط ولله الحمد، عائلتنا متدينة والحمدلله حيث كانت طفولتي في مراكز تحفيظ القرآن، اثنان من إخوتي يحفظون كتاب الله، لم أواجه أية مشاكل أو اضطرابات في صغري، كانت حياتنا هادئة وطفولتنا جيدة وممتعة، لكن بحكم العرف والتقاليد كان الأخ الأكبر هو المسيطر، كنت أخشاه أكثر من أبي، دائماً ما كنت بموضع الاتهام والشك أمامه، إن فعلت خيراً لا ألقى خيراً، وإن فعلت شراً لقيت أضعافه، يحل له ما لا يحل لي من الخروج مع الأصدقاء وما إلى ذلك، كنت دائماً الطرف الخاسر في أي جدال أو نقاش معه أمام الوالد.
حاولت الاستقلال بنفسي في المدرسة حيث كنا ندرس سوية، حاولت فرض السيطرة في المدرسة على أقراني، نجح الأمر بالفعل وأصبح الكل يحسب لي ألف حساب في الصف، كنت "مشكلجي" أفرض رأيي وأتنمر أحيانا، أدخل في كثير من المشاكل والمنازعات التي لا دخل لي بها، لم أكن أخاف من أقراني ولا ممَّن هم أكبر مني، أذكر أني دخلت مشكلة مع شاب بضعف عمري وطولي وقتها، لم أشعر بالخوف ولم أتراجع بينما كان أخشى ما خشيته وقتها هو أن يعرف أخي الأكبر بالموضوع.
زاد الأمر كثيراً عند مغادرة أخي لمدرسة ثانوية قريبة وبقائي في المدرسة الأساسية، كنت وقتها بشخصيتين: الطالب المشكلجي المتنمر في المدرسة، والحمل الوديع المحترم في المنزل، وكان هذا الأمر مقبولاً لدي واستطعت العيش معه.
بقي الحال على ما هو عليه إلى أن حصل معي موقف بسيط وتافه بنظر الغير ولكني أتذكره جيداً، وقد غيَّر هذا الموقف كل شيء لدي، كنا يومها أنا وأخي الأكبر وأبي في طريقنا إلى المسجد لأداء صلاة العصر، لمحت اثنين من شباب الحارة مع بعضهما على جانب الطريق، وكان من طبعي "المشكلجي" أني إذا نظرت إلى شخص لا أُزِيح نظري عنه حتى يفعل هو ذلك، أومأ احدهم لي بإصبع يده الأوسط ثم ضحكا سوياً، أقسمت في نفسي أن أتصنع دخول المسجد ثم أخرج لأفعل ما أجيد فعله (المشاكل طبعاً)، ولم أنتبه أن أخي الأكبر كان يراقب كل شيء ونهرني أمام أبي بشدة بدون ذكر تفاصيل، وعندما سأله أبي عن الموضوع لم يجب، وعنفني أبي وقتها من دون معرفة السبب.
لأول مرة أحسست بالخوف فعلاً، وبعدها تغير كل شيء، لم أعد أُقحم نفسي في أي مشكلة، وأصبح يرتفع نبضي بشدة عند أي موقف، مع تعرق ولعثمة في الكلام، لم أعد أجرؤ على إطالة النظر في وجه أحدهم بعدها، حاولت كثيراً فعل ذلك لكن بدون جدوى.
مضى على هذه القصة أكثر من 16 عام، وتوفي والدي وأخي _رحمهما الله_، ولازلت أعاني من نفس المشكلة، حتى لو حاول أي طفل رمي لعبة عليَّ أُغمِض عيني وأشيح بوجهي خوفاً، وأرمش بشدة عند الجزار أو اللَّحام أثناء تقطيع اللحم بضربات قوية بالساطور، وأصاب بما يشبه نوبات الهلع "panic attack" عند الوقوف على أي مشكلة أو مشادة كلامية.
حاولت أن ألعب ألعاباً قتالية للتغلب على الأمر ولكن دون جدوى، وأفتقد تلك الجزئية من شخصيتي بشدة وأود استرجاعها بأي طريقة...
أفيدوني بارك الله فيكم.
27/10/2020
رد المستشار
شكراً على مراسلتك الموقع.
ذلك الجزء العدائي من شخصيتك القديمة كان يتناقض تماماً مع الجزء المسالم في البيت... تعرضت لموقف ما في منتصف عقد المراهقة، ووضعت جانباً ذلك الجزء الذي كان تحدياً للوالد والأخ الأكبر _رحمهما الله_.
صراحةً الجزء العدائي من شخصيتك الآن لا فائدة منه، و ليس هناك من تتحداه.
من جانب آخر تظهر اضطرابات القلق، وتنخفض عتبة للإنسان للشعور بالخوف والرهاب، والأدق تجنب الأزمات قدر الإمكان.
هناك قلق اجتماعي مزمن، ومن الصعب القول أن السبب كان الموقف الذي تشير إليه في الرسالة.
ربما زيارة طبيب نفساني واجبة، ولكن في نفس الوقت عليك أن تسعى إلى تنظيم تواصلك الاجتماعي ورفع لياقتك البدنية والتزام التعليمات الصحية حول التعامل مع القلق، وتقبل أنك إنسان مسالم شخصيته وصلت مرحلة النضوج.
أنت الآن في بداية العقد الرابع من العمر، وهناك تحديات عدة أمامك عليك أن تواجهها وتنطلق صوب تحقيق أهدافك الشخصية دون الرجوع إلى شخصية متناقضة متأزمة طفولية.
وفقك الله.