أكتب إليكم مشكلتي آملة أن أجد الحل المناسب والسريع.. أنا طالبة في الجامعة، متدينة، من عائلة محترمة تخاف الله، وأنا أصغر واحدة في البيت والكل يدللني ويحبني جدًّا..
أهلي شيعة، ولكنني وأخواتي هدانا الله، فأصبحنا من أهل السنة، لكن دون علم الأهل.. قبل سنة ونصف تعرفت على شاب خلوق جدًّا ومتدين ويحبني جدًّا، وهو سُنيّ.. هذا الشاب صديق أخي المُقرب جدًّا إليه.. كنا نتراسل عبر البريد الإلكتروني ثم أصبحنا نتكلم عبر الميسنجر.
بعد خمسة أشهر من تعرفنا فاتح هذا الشاب والده وأخبره أنه ينوي أن يتزوجني. لكن المفاجأة كانت أن والده رفض رفضا قاطعا، وسبب الرفض أنه لا يريد لابنه الارتباط بشيعية. ومع أنني سنية، لكنه يرفض تقبل هذه الفكرة.
كلَّم الشاب أباه في الموضوع نفسه 5 مرات إلى الآن، ولكن دون فائدة.. كل مرة يرفض ولنفس السبب.. والده عنيد جدًّا جدًّا جدًّا، ونحن الضحية. ولم يكتف بالرفض، بل قال كلاما عني وعن أهلي أيضا.. بعد ذلك أصبح هذا الشاب لا يذهب إلى البيت إلا للنوم فقط. كان دائما في العمل، وأهله ليسوا مهتمين بذلك أبدا.
وقد أخبر هذا الشاب أخي بنيته ففرح أخي جدًّا، وأخبرني بذلك وأخبر أخواتي أيضا، وفرح الكل لهذا الخبر؛ لأن هذا الشاب محترم وطيب وذو سمعة جيدة.
كنت متفوقة في دراستي، لكن الآن أصبحت لا أهتم بأي شيء.. أهملت حتى صحتي. مع العلم أنني مصابة بارتفاع ضغط الدم وأنا في العشرين من عمري، وهو ليس وراثيًّا في عائلتنا.. أنا دائمة التفكير وأشعر أنني عاجزة عن فعل أي شيء، وقد تغيرت طباعي إلى الأسوأ (أصبحت عصبية جدًّا).
الآن أذهب لاستشارة طبيبة نفسية؛ لأنني حاولت الانتحار (ندمت كل الندم بعد ذلك على هذه المحاولة). وهو أيضا دائم المرض.. كل ما نفعله هو الانتظار. لكن إلى متى؟ أنا أحبه جدًّا، ولست مستعدة لأن أتركه مهما كلفني ذلك.
قبل شهرين أخبرت أمي بعلاقتي بهذا الشاب، والحمد لله تقبلت ذلك؛ لأن أهلي يعرفونه جيدا.. وهي كلّمته، مع أنها في البداية رفضت؛ لأنها لا تريد أن تزوج ابنتها من سُنيّ، ولكن عندما عرفت من هو وافقت.. مع العلم أن أزواج أخواتي كلهم من أهل السنة، وقد وعدتني أن تساعدني وتقنع أبي على الموافقة (أبي يحب هذا الشاب أيضا؛ لأنه دائم التردد على بيتنا).
أريد أن أعيش حياتي معه. وهو مستعد أن يتقدم لي وحده، لكن لا أعتقد أن أبي سيوافق على ذلك..
والآن، أرجوكم ساعدوني في حل مشكلتي، وأفيدوني بالحلول المناسبة التي تريحني وتريحه..
وجزاكم الله ألف خير. والسلام عليكم.
9/2/2025
رد المستشار
أختي الكريمة، كتب الله على الخلق أن يكونوا مختلفين "ولذلك خلقهم" كما في الآية الشريفة، ولكن هذا الاختلاف ينبغي أن يكون مقدمة للتنوع المحمود والتكامل الذي تنتج عنه عمارة الأرض، ولا يصح أن يؤدي إلى التنافر المذموم، والتناحر الهدام، والتعصب الأعمى الذي نعيشه في الكثير من مجتمعاتنا للأسف، رغم أن كل عصبية جاهلية مذمومة في الشرع، ويكفي تحذير الرسول عليه الصلاة والسلام للمتعصبين بقوله "دعوها أنها منتنة"، ليدل على سوء عاقبة هذه العادة الذميمة.
أفهم أن أحداثا مرت في تاريخنا أدت إلى الاختلاف الفقهي والسياسي، وتعددت المذاهب والمدارس والرؤى، وفي الخلق من يغالي ويتطرف، وفيهم من يعتدل ويتوازن، والتحيز إنما يكون للحق وللحكمة من أي وعاء خرجت وحيثما كانت، فهي ضالة المؤمن أنى وجدها؛ فهو أحق الناس بها.
ولذلك أعترض مبدئيا على وصف تحولك من اتباع مذهب الشيعة إلى السنة بأنه هداية بعد ضلالة، فالتجاوزات السلوكية المذمومة والقائمة على جهل بأصول الشريعة، وأدلة الأحكام، والمرتبطة بتصورات ساذجة وتحزبات بدائية حمقاء.. هذه الممارسات لا تخلو منها صفوف الشيعة والسنة، وينبغي بذل الجهد في محاصرتها، والعودة إلى الأصول الثابتة، والعلم المحترم، وهناك تضييق الفوارق، وتصبح المسائل وجهات للنظر معتبرة لا مجرد جنون أرعن، وحقد أهوج، وكراهية مكتومة عمياء، ومشاعر عدائية، تخطئ حين تنطلق بين الإخوان.
وإنني أبتهل إلى الله مع عقلاء الطرفين أن يأتي اليوم الذي يتسع فيه أفق الجميع فيستوعبوا بنضج أن الخلاف فطرة، وأن جوانبه موضوعات للدراسة، لا أسلحة للتراشق السخيف الذي بدد وما زال يبدد الطاقات، ويفسح الطريق لشياطين الإنس والجن تتسلل من الشروخ وتزيدها اتساعا بجهل الجاهلين، وحماقة السفهاء من الجانبين.
ولا نعتقد أن الدعوة إلى وحدة بلهاء هي الحل في مواجهة هذا الإهدار الذي نعيشه، وإنما نتطلع إلى السير قُدمًا على طريق التفاهم والتناغم والتشارك والتعاون في أمور كثيرة تحتاج إلى ذلك، وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، ولنتفاضل فيما بيننا بالتنافس في الخير والبذل، والتقوى والعمل الصالح.
أقول هذا بمناسبة تكرار أسئلة عن الزواج مع الاختلاف المذهبي، رغم أن حالتك مختلفة، فحقيقة الأمر أنكما متفقان مذهبيا أنت وفتاك، ولكن الأهل لا يعلمون.
أو لعل أباه يعرف، ولكنه لا يقتنع.. والحل ليس هو الانتظار، ولا هو الانتحار يا أختي الكريمة هداك الله وعافاك؛ فهذه جميعا حيل الضعفاء، ولستم كذلك بإذن الله، ومع الالتزام بالهدوء والأدب، والصبر والدأب وطول النفس فإن الحل هو الضغط المتواصل على الطرف الذي يرفض هذا الارتباط- وهو هنا والد فتاك- وتوسيط المشايخ، وأصحاب الفضيلة من العلماء، والعقلاء ذوي المكانة من السنة قبل الشيعة.
وأنا أحتال لك؛ فليكن منطقهم في إقناع والده: أن هذه الفتاة في وسط عائلة- هداهم الله- كما تعرف، ويا طويل العمر نحن نريد أن نكسبها في صفنا، والمرأة على مذهب ورأي زوجها، فكيف ترفض مثل هذا الخير الذي سيجعلك تسدي إلى الإسلام خدمة عظيمة، وهكذا.. ولا أحسبه إلا مستجيبا إذا تكاثرت عليه الجهود الحكيمة، وتابعينا بأخبارك.
ويمكنك مراجعة مشاكل سابقة شبيهة منها:
الزواج مع رفض الأهل.. الاختلاف مذهبي
زواج الاختلاف المذهبي... هل دقت ساعة العقل
سنة أم شيعة هناك أسئلة أهم