أنا مسلمة ملتزمة والحمد لله، وأرتدي الحجاب منذ 14 سنة، ومشكلتي هي أنني ضد عمل المرأة وضد كثرة خروجها من المنزل. وقد أنهيت دراستي الجامعية، وحصلت على بكالوريوس الاقتصاد فقط كي أُسعد والديَّ وأُرضيهما.
وقد تقدم لي العديد من الرجال، ولكنهم ليسوا ملتزمين بالإسلام، فهم يدخنون ولا يصلون في المسجد، وقد أنهيت خطبتي لأحد الأقرباء في الأسرة، والآن أنا أعمل رغم أنني لا أقر مبدأ عمل المرأة، وذلك إلى أن يتقدم لي شخص مناسب وملتزم.
وسؤالي هو:
هل هناك مشكلة في عمل المرأة ما دامت لم تتزوج رغم ما يؤدي إليه من اختلاط أم يجب أن أبقى في المنزل؟
25/5/2025
رد المستشار
الأخت الكريمة:
أنا أشكرك لأنك تضعين في النقاش اليوم قالبين من القوالب النمطية –نسميها أحيانًا الأكليشيهات- والنقاش بأسلوب القوالب النمطية أوصلنا إلى كثير من الأفهام المغلوطة، والأسئلة المختلة، وهذه المغالطات تبدو سببًا من أسباب تعثر نهضتنا.
سؤالك يطرح قالب: "عمل المراة"، وقالب: "الاختلاط"، وهي صياغات يتكرر استخدامها دون تدقيق وتمييز لمحتواها رغم أن هذا التدقيق لازم لحسن التعامل بعد حسن التفهم للمعاني والألفاظ.
ما هو المقصود بعمل المرأة؟! وهل المرأة التي تجلس في بيتها لا تعمل؟! هل المرأة التي تكنس الشارع –مثلاً هي امرأة عاملة، والمرأة التي تكنس في بيتها لا تعمل؟!
هل المرأة التي تربي أولادها "لا تعمل"، والمرأة التي تربي أبناء غيرها في حضانة أطفال، أو حتى تربي الماشية في مؤسسة خاصة أو عامة هي امرأة عاملة؟!
مصطلح "عمل المرأة" مختل، ولا يعني شيئًا، وينبغي التدقيق فيه من هذه الناحية، ومن ناحية أخرى أيضًا:
هل تتساوى الأعمال والمهن؟!
هل الموقف من عمل مناسب وخفيف –خارج المنزل- مثل التدريس ثلاثة أيام في الأسبوع لمدة أربعة ساعات في النهار، هو نفس الموقف من العمل في بنك –مثلاً- من الثامنة صباحًا إلى السادسة مساء كل يوم، ومثل العمل كمضيفة طيران بما يقتضيه هذا من مبيت خارج المنزل، وارتحال مستمر.
هل هذه الأعمال كلها متساوية في مسؤولياتها، ومناسبتها بالتالي للمرأة الأم فنجمعها كلها تحت اسم: عمل المرأة؟!
هل العمل في مؤسسة دعوية مثلاً يتساوى مع العمل في ملهى ليلي؟!
لا يمكن القول بأننا مع أو ضد "عمل المرأة" هكذا بإطلاق؛ لأن هذه المقولة تبدو عندئذ مضحكة، ولا معنى لها.
ولكن يمكننا القول بأننا ضد العمل غير المناسب لظروف المرأة وتكوينها النفسي والجسدي من ناحية، وغير المناسب لظروفها أمًّا كانت، أو غير ذلك، وهو ما يختلف من امرأة لأخرى ويختلف من عمل لآخر.
ونستطيع القول: إننا مع العمل المناسب الذي يضيف إلى خبرات المرأة وتجاربها وشخصيتها، ويضيف كذلك إلى الأمة، الأمر الذي تحتاجه المرأة في أمومتها، وتحتاجه الأمة في حركتها، فالأم الجاهلة التي لم تدرس، والغافلة عما يحدث في مجتمعها، والحياة من حولها، هذه الأم ستخرج شخصيات مهزوزة جاهلة، ولن تكون في يوم من الأيام هي الملجأ الذي يحتضن الأطفال في مثل هذا الزمان المتغير الصعب.
وخير للمرأة التي لا تحب التعليم، ولا تريد العمل "أي عمل، وتفضل العزلة في بيتها –وهذا من حقها طبعًا- ألا تنجب أطفالاً؛ لأنها ستتعذب معهم، وتعذبهم إلا إذا أبقتهم هم أيضًا إلى جوارها في المنزل حماية لهم من الفساد والفتن التي ينبغي أن نعترف أنها كثيرة، وينبغي أن نتفق أن الانعزال عنها ليس هو السبيل الأنجح في مواجهتها.
أما عن الاختلاط فهو أيضًا مصطلح غامض ومراوغ، ولا يعني شيئًا واضحًا محددًا.
نحن هنا مثلاً في مكتب هذا الموقع على الإنترنت تعمل معنا مجموعة من الإخوة الفضليات ممن ينافسن الرجال في الجدية والاجتهاد بغض النظر عن أن العمل يحتاج إليهن، وبعضهن تحتاج إلى العمل فهذه مسألة أخرى.
الصلاة جماعة على وقتها، والحجاب الشرعي هو الزي الرسمي، والمناخ طيب حيث الأبصار مغضوضة، والألفاظ محسوبة، والعلاقات تقوم على أساس الأخوة في الله،
والولاية بين المؤمنين والمؤمنات:
"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف …." فهل نجمع هذا المناخ، أو نساوي بينه، وبين مناخ مؤسسة تتبرج فيها النساء، ويتهتك فيها الشباب، بلا حياء أو صيانة لحرمة، أو حدود للتعامل، أو ضوابط للعلاقة، ونسمي هذا وذاك "اختلاطًا".
هل يمكن منطقًا أن نطلق هذا المصطلح على هذين النقيضين لمجرد وجود الرجال والنساء –هنا وهناك- تحت سقف واحد؟!!!
مرة أخرى يا أختي أقول لك: حبذا العمل المناسب لظروف المرأة قبل أو بعد الزواج أو الإنجاب أو حتى بعد تربية الأطفال، واستقلال كل واحد منهم ببيته.
لا الجلوس في البيت مطلوب ومحمود لذاته، ولا الخروج –أي خروج- ولا "الاختلاط" مرفوض مهما كانت المصلحة.
إنما ننظر ونوازن المصالح والمناخ، والمطلوب والممكن والمناسب لامرأة معينة ذات خلفية، وظروف معينة قد لا تناسب أخرى… وهكذا، إن أمامنا حصادًا مريرًا لتجربتين متناقضتين عاشتهما أمتنا ففي الستينيات والسبعينيات خرجت المرأة للتعليم ثم العمل تحت شعارات معينة، ودون حساب لمصلحة الأسرة، واحتياجات الأبناء غالبًا، واختارات الأقلية البقاء في البيوت، ثم بعد ذلك عادت موجة تطالب بالجلوس في البيت؛ لأن التعليم والعمل –هكذا مطلقًا- مرفوض أو مكروه أو حتى حرام.
وأعتقد أننا في حاجة إلى درس عميق لحصاد هاتين التجربتين دون أن نكون ملزمين بتكرار إحداهما، ومع ملاحظة أن أهم معالم الحصاد أن المجال العام اليوم، وبخاصة في بعض التخصصات، أصبح حكرًا على نساء لا يمثلن الوجه الحقيقي لهذه الأمة بتراثها وقيمها، أو لنقل: إنهن يمثلن شريحة محدودة من نساء هذه الأمة، أما الأغلبية فتائهة تتخبط في شبهات وتساؤلات مغلوطة عن أكليشيهات ملغومة وغير مفهومة من قبيل "عمل المرأة" و"الاختلاط"، وممارسات متخبطة داخل البيت وخارجه.
هل تراني أجبت عن سؤالك؟!
إذا أردت إجابة مباشرة ومختصرة أقول لك: "مع وضع ما تقدم في الاعتبار":
لا بأس من العمل المناسب –من حيث الوقت والجهد والمناخ- للمرأة بحسب ما يناسب ظروفها المادية والأسرية، وتكوينها الشخصي والعلمي، وطاقاتها وقدراتها على البذل والجهد، ولا يمكن وضع إجابة موحدة ونموذجية تصلح لكل النساء في كل زمان ومكان وظروف، وأوجه نظرك أيضًا إلى أن المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والثقافية والسياسية هو أمر هام من باب الوظيفة أو الاهتمام، وقد تكون هذه المشاركة فضيلة، وقد تكون مباحة، وقد تكون فريضة فحين يدخل العدو –مثلاً- بلاد المسلمين تخرج المرأة للجهاد ولو دون إذن زوجها، ويمكن القياس على هذا بوعي وتوازن…
وشكرًا لك مرة أخرى.
واقرئي أيضًا:
اختلاط وملابس فاضحة: يوميات الزيت والزعتر