السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد تكون مشكلتي بالنسبة لكم قديمة، ولكنها جديدة في حياتي.. إنني على وشك الانهيار العصبي لما أمر به من أزمة نفسيه وحيرة من أمري، لقد أحببت، بل وصلت إلى درجة العشق الجنوني به، إنه شاب خليجي يدرس معي في الجامعة المختلطة، يكبرني بـ 7 سنوات؛ فعمري الآن 20 سنة..
بدأت علاقتي معه منذ سنة وأربعة أشهر، أما إن سألتم عن أهلي؛ فوالدي لا أشعر أنه والدي؛ فهناك حاجز بيني وبينه، واشتد حجم هذا الحاجز حينما علم أن الرجل الخليجي متزوج، ولديه طفلان، أما والدتي؛ فأراها مشفقة على حالي الذي وصلت إليه من الهم والبكاء المتواصل اليومي، وأغلب أهلي معارضون.. لمّا أفكر بعواطفي أراني لا أستطيع أن أفارقه؛ فقد أصبح هو حياتي وهوائي الذي أتنفس به، وروحي وجسدي..
قولوا ما تشاءون؛ فلن تستطيعوا أن تصفوا ما أحمله لهذا الإنسان من عواطف جياشة، تدخلت في كل حياته صغيرها وكبيرها حتى أصبحت مستشارة له يستشيرني في كل شيء.. تدخل أحد الأشخاص من أهلي، وبدأ يعالج الموقف، وأول ما بدأ به العلاج أخذ الهاتف الجوال من يدي، ويا ليته لم يأخذه؛ لأنه قطع متنفسي الوحيد معه، وكأن شخصا قطع الأكسجين عني، وأصبحت أشعر أن بيتنا أصبح كالجحيم بسبب تعلقي به واختلاف أهلي هل يزوجونني منه وأعيش معه في حياة الغربة بعيدة عن أهلي أم أنتظر الزوج الذي سيطرق بابنا والذي أخشى ما أخشى عليه أنه لا ولن يكون مثل حبيب قلبي؟
أرجوكم، ثم أرجوكم، ثم أرجوكم أن يكون الجواب سريعا؛ لأنني أشعر أنني أغرق وأحترق؛ فإنني في حيرة من أمري، أرجو أن يصلني الجواب سريعًا جدًّا، ولو استطعتم اليوم فهذا أفضل لي، وأسأل الله عز وجل أن يكون الجواب مقنعا بالنسبة لعقلي ومشاعري.
وجزاكم الله خيرًا على جهودكم المباركة..
أختكم المعذبة.
26/6/2025
رد المستشار
عزيزتي، إن كل حالة بشرية، سواء كانت نفسية أو اجتماعية أو غيرها، قد تكون بالفعل قديمة؛ لأن كل إنسان معرض لأن يكون في هذه الحالة، والوضعية أيضًا تكون جديدة؛ لأن كل فرد له خصوصية، وله طبائع خاصة في معايشته للمشكلة، ولكن التميز الحقيقي يكمن في قدرة الفرد على الخروج من مثل هذه الحالات بطريقة يتفرد بها هو، والتعبير عن المشكلة هو أحد المعطيات الأساسية لتشخيص الوضع.
أنت والحمد لله تستوعبين جيدًا أن ما أنت فيه هو مجرد أزمة وتقولين: إنك في حيرة، والأزمة لا تدوم أبدًا، أي أن لك استعدادًا، وقناعة كبيرة في تخطي المصاعب، ناهيك عن أن الحيرة تعني التردد بما يفيد أنك لست مثبتة في موقف تتحجرين عليه، بل إنك تحتاجين فقط إلى من يساعدك على الحسم في موضوع، كلُّ تفاصيله غير ملائمة لتلبية رغبتك على المدى البعيد، وإن كانت تلوح واحة قريبة، وأنت لا شك أنك تعلمين أن الحاجات والرغبات تتغير بالمؤثرات الخارجية، وأيضًا تتطور وتتبدل مع الزمان والمكان، أي مع التقدم في العمر، ومع الانتقال من موطن إلى موطن، وخلاصة القول إن الزواج أحصن للفرج، وأكثر استجابة للمشاعر الآنية، والعقل ينسّبه إلى عاقبة الأمور، وشرع الله يجمع بينهما.. هذا بعد ما وقع ما وقع، وإلا فالوقاية خير من العلاج، واجتناب المخالطة والخلوة كان سيغني عن كل هذه المواجع، والله المسدد في الاختيار.. "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"، فالإنسان يعتقد في لحظة معينة أن سعادته تكمن في شيء محدد ثم بعد أن تتغير الظروف يجد أنه قد جلب لنفسه الشقاء من حيث أراد لها السعادة، ولو أنه في حينه تحلى بالحكمة والصبر لكان أنجع له وأفضل.
ومع الوقت لا يراها سوى سحابة صيف مرت وانتهت، وما كان علينا أن نقيم الدنيا ونقعدها، ومع ذلك يجب أن نتعامل مع الوضع بواقعية، بغض النظر عن ضرورة استشراف ما هو آت؛ لأن المستغرق في عاطفية مشبوبة لا يرى شيئًا سواها.
أختي، يبدو أن شخصيتك قوية، تتصف بالإصرار والإلحاح، وجديرة بالثقة؛ مما يجعل الشخص الآخر يستشيرك في أدق أموره، والأهم هو رغبتك في الموازنة بين المشاعر والعقل، كل هذا يجعلني أستغرب أن تسقط مثل شخصيتك في الانهيار العصبي، أو العشق الجنوني؛ لأن هذه الحالات متطرفة، وبعيدة كل البعد عن الاعتدال، وعن سلامة تقدير الأمور، ونحسب أن لغربتك وضعف روابطك الأسرية دورا كبيرا في هذا.
الذي لم تتم الإشارة إليه في سؤالك هو: هل هذا الرجل يرغب في الزواج منك؟! وهل يتمسك بك على أساس حبه لك، وبحجم حبك له، أم ماذا؟!
على العموم، إذا كان الأمر كذلك، فليس للمتحابين أنجح من الزواج، والتعدد جائز في الإسلام مع توافر شروطه: كضمان القدرة على النفقة على بيوت كلا الزوجتين، وضمان العدل في العلاقة معهما.. والزواج في إطار التعدد تنتج عنه عدة صعوبات نفسية واجتماعية واقتصادية، فعلى المقبل على الأمر أن يستعد له، أو أن يقلع إذا كان لا يقبل هذا الواقع؛ فما هو موقفه؟!
لهذا السبب، ولأسباب أخرى يمتنع الآباء عن تزويج بناتهم للرجل المتزوج ذي الأطفال.. فالأم مستشارة للبنت والأب وليها، وشرعًا "لا نكاح إلا بولي"، ناهيك عن أن الوالدين لهما خبرة في الحياة، وهم أكثر حرصًا على مستقبل الأبناء.
ونكرر لك- أخيرًا- ما نقوله في مثل حالتك: إن الوصول إلى رضا الأهل يحدث، ولو بعد صعوبة ومحاولات، ولكن الأهم هو التحقق من سلامة الاختيار من الاندفاع الذي يجلب الشقاء، ويفتح أبوابًا أخرى لجحيم في البيت الجديد الذي حسبت أنه سيكون حلم حياتك، فحاولي الابتعاد لفترة عن ضغوط أهلك بالرفض، وفورة مشاعرك بالاندفاع.. انقطعي عنه لفترة باتفاق مسبق، وأعيدي النظر في المسألة برمتها، واستخيري الله سبحانه، واحسمي أمرك، واتخذي قرارك بشأن المستقبل، وكل اختيار في حالتك ستكون له عواقبه وآلامه؛ فانظري أيهما تستطيعين تحمله، والتعامل معه: الفراق أم الإصرار على هذا الارتباط؟
أخيرا برجاء مراجعة مشاكل سابقة لنا قريبة الشبه بمشكلتك ومنها
رفض الأهل ليس أهم الجوانب
أحببت متزوجًا، وليس من القبائل
الزواج الثاني.. قيد على قيد
كوني على صلة بنا، وتابعينا بأخبارك.