في البداية، أحببت أن أشكر هذا المجهود الرائع، جعله الله في ميزان حسناتكم...
أما بالنسبة لمشكلتي، فقد بدأت من الثانوية، كنت متفوقة دراسيا الحمد لله، وكنت في المركز الأول في المنطقة في الأول ثانوي والثاني ثانوي، أما في الثالث الثانوي فلا أعرف ما الذي حدث؛ بدأت أنعس بالصف ولم أستطع التركيز، وخلال السنة كانت تأتيني أفكار بشعة ومتشككة، وتغيرت نفسيتي حتى إن أعز صديقاتي قالت لي إنني حزينة طوال الوقت، وطبعا في الدراسة أصبحت القراءة صعبة جدا علي، أعيد وأكرر وكأني لم أقرأ شيئا، وكلما حاولت التركيز فشلت، وبعد انتهاء السنة خفت الحالة كثيرا.
بعد سنتين تقريبا أصبحت بالجامعة، وجاءتني الحالة مرة أخرى وقت الامتحانات، وأعتقد أنها اكتئاب حسب ما قرأت بالنت. كنت أحس طول الوقت بالحزن الشديد والقلق والتوتر، وكل شيء فعله أهلي لإفراحي زاد حزني أكثر، لأنني لم أكن أستطيع أن أحس بشيء.
ومع مرور الوقت خفت الحالة أيضا، وصارت تأتيني على فترات وتختفي، ولكني أصبحت بشكل عام أشعر بالتوتر لكن بدون ذلك الخوف الشديد، وبالحزن أحيانا. ومن البداية الأولى للحالة زادت معي الوسوسة بالتدريج على مر السنين، وأظنها وسواس قهري وأيضا حسب ما قرأت بالنت.
صرت أوسوس بالنظافة أحيانا، وبالطهارة أحيانا، وفي الصلاة بعدد الركعات والنية وهكذا.
في البداية لم يقتنع أهلي بالفكرة، أي إنه ليس اكتئابا، وأني لست بحاجة لطبيب نفساني، لكن بالنهاية اقتنعوا، ولكنني استصعبت الفكرة جدا؛ لأنه في مجتمعنا من الغريب جدا الذهاب لدكتور نفسي.
وطبعا زاد وزني، لكنني أنقصته خلال سنوات الجامعة، ثم عاد ليزداد قليلا، وطبعا كلما أحسست بتوتر أو حزن ألجأ إلى الطعام؛ لأنه الوحيد الذي يخفف هذا التوتر.
آسفة إن أطلت عليكم، وشكرا لإصغائكم والحمد لله رب العالمين.
13/7/2025
رد المستشار
فلتذهب عادات المجتمع الخاطئة للجحيم يا ابنتي...
فأنت تعاني -على الأقل منذ ثلاث سنوات-من مرض الوسواس القهري، وما يصاحبه عادة من اكتئاب وحزن مرضي يؤثر على النشاطات المطلوبة منك دراسيا وذهنيا ونفسيا واجتماعيا؛ فلا تفوق كما كنت، ولا راحة بال، ولا علاقات، ولا سعادة، ولا حتى حزن، وتتصورين أن "الوقت" هو طبيبك المعالج!
ولكن لا، فالمرض النفسي ليس وصمة، ولا يعني أن الإنسان مختل عقليا، وعلاجه هو أرقى علاج يقدم للإنسان، ففيه يتعلم كيف يفهم نفسه ويهذبها؟ وكيف يتعامل مع مشكلاته ويحسن قدراته؟ فتقوى إرادته ويخطط لحياته -بجانب الجزء الدوائي-، وبالتالي فلا مناص من الذهاب لطبيب نفساني يُعرف عنه أنه يعالج بالعلاج المعرفي السلوكي؛ ليعطي لك برنامجا علاجيا متكاملا، يشمل مناقشة المفاهيم والتدريب المهاري، وكذلك الدواء بجرعات يحددها حسب حالتك.
ويبقى أن أقول لك عدة نقاط تخص مرضك وبعض المعلومات الهامة حتى تجدي هذا الطبيب:
* اعلمي أن علاج الوسواس القهري يحتاج لوقت ومثابرة وانتظام في جرعات الدواء؛ لأنه يتميز -خاصة بعد أول شهرين أو أكثر من العلاج- بأنه "يتقنع"؛ حيث يتصور بعض المرضى أنهم صاروا أفضل؛ لأن أعراضه هدأت أو اختفت، ولكنه في الحقيقة يختفي من مساحة ليظهر في مساحة أخرى؛ لأنه ما زال موجودا، كما حدث بالضبط معك حين انتقل من العقيدة للنظافة، فلتثابري على الفترة التي سيحددها الطبيب.
* يمكنك تحدي الوسواس بثلاثة أشياء، كلما مارستها بإصرار ومثابرة كلما تقلص بإذن الله تعالى وهي:
- "التطنيش" ولا أقصد مقاومة الفكرة، ففي الوسواس كلما قاومت الفكرة كلما ازدادت شراسة؛ ولكن أقصد أنها حين تداهمك لا تقاوميها ولكن دعيها وشأنها، واشغلي بالك حينها بأي عمل "ذهني" وليس بدنيا، ولكن ذهني لتشغلي بالك فيه.
- "العلم" بمعنى أن تعلمي ما أقره العلم الثابت، والذي يخص فكرة الوسواس لديك، فتعلمي أن الفقه أثبت بدلائله القاطعة أن ما دام العضو تم جريان الماء عليه فقد تطهر، وأن الاستنجاء قد تم بسريان الماء، وأن الله سبحانه لا يؤاخذ مريض الوسواس القهري حين تأتيه الأفكار التي تخص ذاته سبحانه، أو حين يهيأ له أنه لم يتم الركوع أو السجود؛ لأنه يقع تحت عنوان "ليس على المريض حرج"، ولقد أثبت العلم أن الوسواس القهري مرض نفسي ليس له علاقة بالإيمان أو وسوسة الشيطان، ومن تمام علاجه هو كما قلت "التطنيش"؛ حتى تعودي لحالتك الطبيعية فتطمئني.
وأخيرا شغل وقت فراغك، فلا تتركي لديك وقتا لا تفعلين فيه شيئا؛ لأن وقت الفراغ هو أشهى غذاء للوسواس القهري.
* الاكتئاب كالدائرة محكمة الغلق، وإذا تركناها تغلق على نفسها فنبذل جهدا كبيرا حتى نكسرها، وكلما كسرناها كلما شعرنا بأننا نتنسم الهواء من جديد ونفيق، وهذا هو دورك كلما داهمتك نوبة الاكتئاب، اكسريها حتى لا تزداد درجته ويصعب التعامل معه بمرور الوقت، وكسره بأن تقومي بما كنت تقومين به من أعمال أو ترفيه أو أي نشاط تحبينه من قبل النوبة، حتى وإن كنت لا ترغبين أو لا تشعرين بشيء، فوجودك داخل أنشطة ووسط بشر "بالتكرار" يساعد على تقليل حدة النوبة، وهذا حتى تتواصلي مع طبيب.
أما بخصوص إقبالك على الطعام، فهو وسيلتك للخروج -أو لإنقاص- حدة الاكتئاب فيقل توترك وضيقك، ولكن في النهاية يسبب لك وزنا زائدا فتصابي باكتئاب لزيادة وزنك، فتضيقي بقائمة الممنوعات لتعودي لوزنك، فتخرجي طاقة الضيق في الطعام مرة أخرى، وهكذا في دائرة لا تنتهي، والعلاج هنا هو أن تقومي بالتدريب على وسيلة أخرى تساعدك على تنفيس طاقة الحزن والتوتر كالرياضة مثلا، أو ممارسة هواية أو ترفيه أو غيره، وأتصور أن هذا البديل سيكون موجودا في البرنامج الذي سيقدمه لك طبيبك... هيا لا تتأخري فالعمر يفوت، وكفاك ما فات.
واقرئي أيضًا:
وسواس ثقيل الظل: 25 سنة حبس
استشارة سرية!
كيف سأتوب؟
....... إيمان على الهامش