صديقي الدكتور أحمد عبد الله...... قل لي بالله عليك كيف ينفق كل شخص مما عنده ما دام ليس عنده شيء في الأصل؟!
الكل يلوم الشباب، وهم لا يدرون عن معاناة الشباب شيئًا، وأذكر لك طرفًا من مسيرة حياتي، ولعلها تتشابه مع حياة كل شاب:
في الطفولة تفتحت عيناي على صفعات أمي كلما حاولت المراوغة بالكذب، فأصبحت أخشى الصفعة أكثر مما أستحي من الكذب، ثم بعد فترة رأيتها تلومني لأنني لم أكذب حين طلبت مني أن أفعل حين تتصل بها إحدى صديقاتها!!
أبي لا يصلي، وهو دائمًا يحثني عن الصلاة، وفي المدرسة تعلمنا أشياءً عن الدين وجدنا نقيضها في الشارع، مثل: وضع المرأة - مثلاً - بين الإسلام وممارسة المسلمين. المدرس يقول لنا في حصة الدين: إن العمل أمانة، والدين المعاملة، ولا يدخل الجنة نمّام، وهو ذاته بسلوكه يُناقض هذا، نحن نعيش وطأة التناقض بين القول الجميل والفعل الفاسد. وفي الجامعة اقتربت من إحدى الجماعات الإسلامية فصدمني ما تسميه يا دكتور "محنة المختلف"، فلا يوجد سوى رأي الجماعة، وما هي عليه، والباقي كفار، والصراع واضح؛ إذ لا مكان للإسلام إلا بالوصول إلى كراسي الحكم، أو دخول السجون، المرأة بكاملها عورة، والكلام معها - مهما كان موضوعه - يحتاج إلى كفّارة!!
والفتاوى مرنة حسب الظروف والمصلحة، والمتناقضات متجاورة ومتعايشة دون مشكلة.
يا دكتور أحمد،
الشباب ضائع لا يجد من يأخذ بيده، ويتلقى الصدمة تلو الصدمة، ولا يجد حتى من يقول له: سلامتك من الآه، وهو حين يسير وراء الآخرين، ويتورط في طريق غير سوي، يفعل ذلك لأنه لم يجد من يأخذ بيديه متفهمًا ومتفاعلاً، ومُعينًا.
الأوضاع التي يعيشها الشباب لا تؤدي إلا إلى اليأس والانحراف، أو العنف بصوره المختلفة، وضياع الأحلام مؤلم وعسير على النفس.
وفوق هذا كله أو وسط هذا كله جاءت انتفاضة الأقصى لتحمل المزيد من الألم والتناقضات في الإذاعات والبرامج والخطب الدينية، سمعنا أن الجهاد واجب، ومن لم يفعل فليتبوأ مقعده من النار، وفي التصريحات الرسمية سمعنا أن الحرب رذيلة مرفوضة لا ينبغي الاندفاع إليها!!
ذبح إخواننا في فلسطين، وما يصاحبه من تصريحات الأطراف المختلفة يصيبني بالتوتر والتشويش، ناهيك عن الألم، ألم العجز، والتناقض، وعدم القدرة على الفهم.
منذ أيام قالت لي سيدة عربية فاضلة: إن شباب العرب متسرعون، ولا فائدة تُرجى منهم فكلهم تخاذل. كنت على وشك الصراخ في وجهها: ماذا أورثتمونا غير الهزيمة والخزي والعار، والمتناقضات النفسية والاجتماعية والسياسية، أنتم صادرتم أسلحتنا وألسنتنا وحريتنا، فأصبحنا نجهل كيف يمكن التعبير والتغيير.
كفاكم كذبًا على أنفسكم، وعلينا...
وكفاكم تناقضًا، وكفاكم لومًا لنا.
28/7/2025
رد المستشار
الابن الكريم
هل قرأت في القرآن والأحاديث عن الفتن والابتلاءات التي هي من معالم التصور الإسلامي للحياة والكون والإنسان؟! هذه هي الفتن والابتلاءات يا أخي، وحساب الله للبشر سيكون على ردود أفعالهم، وحصاد أعمالهم في الحياة بمكوناتها جميعًا.
وأعترف معك بأن أوضاعنا مضطربة اضطرابًا شديدًا، وأن تخلفنا عن الإسلام وصل إلى مستويات شديدة الخطورة، والفجوة بيننا، وبين الحياة المعاصرة بما تطرحه من تحديات وتساؤلات، وما تتيحه من فرص وإمكانات من ناحية، وما ننشغل نحن به أفرادًا وجماعات، أنظمة وشعوبًا، هذه الفجوة تتسع باضطراد لولا بعض محاولات البعض منا، مما قد ينقذ القليل من ماء الوجه، لكن لا يعني صحوة بعد منام، أو نهضة من سقوط.
وهذا كله ينبغي ألا يصرفنا عن رؤية المعطيات الإيجابية فيما لدينا من إمكانيات، ولأنني لست من أنصار الركون إلى التفاؤل المستريح، والتفاخر الفارغ غير المصحوب بعمل واجتهاد، فسأكتفي بذكر ناحية واحدة من الإيجابيات يمكن الاستفادة منها، والبناء عليها.
هذه الناحية هي هذه الانتباهة التي حدثت للشباب العربي في كل مكان، هذه الصدمة من الألم التي قصمت ظهر البعير فخرج يصرخ، ويطالب بالثأر، في الحقيقة... الشباب خرج ضد كل ما يعانيه مما ذكرت أنت بعضه، وتحفل صفحتنا بالكثير مثله وغيره.
الشباب قال: "نريد التغيير، ومستعدون للمقاومة"، ولكن لا يبدو أن هذا يكفي، أتدري لماذا؟! لأن الشباب يبدو مثلك متوجهًا إلى الآخرين من الكبار أو الأنظمة أو الإعلام أو... أو.
يتوجه إليهم باللوم، والمطالبة، وهذا خطأ قاتل، وتناقض كبير، وأنت تشكو من وطأة المتناقضات. كيف ترجو ويرجو الشباب أن يأتي الإصلاح، أو النهوض ممن كانوا - حسب رأي الشباب - سببًا في كل ما نعاني منه من مشكلات؟!!
ماذا لديهم ليعطوه فنسألهم، وماذا أبقوا لنطالبهم؟! لقد قالوا كلمتهم، وأدوا دورهم على النحو الذي يراه الشباب معيبًا، وجاء دور الشباب أن يقول كلمته، ويأخذ زمام المبادرة، وبدايتها ألا يتوجه لأحد بالمطالبة، وأن ينظر فيما يستطيع أن يفعله، معتمدًا على الله ثم على جهده هو واتصالاته وإبداعاته واجتهاداته.
الابن الكريم:
نحتاج إلى فهم سنة التغيير التي تحدثت عنها الآية التي ختمت بها رسالتك، ومن فهمنا لهذه الآية نعلم أن الله يتدخل لإقرار ما يختاره الناس لأنفسهم، فهل اختار الشباب أن يجلس يبكي على اللبن المسكوب، وما فعله به الكبار؟!!
تسألني كيف يعمل الشباب؟ وماذا يعمل؟ والكبار قابضون على كل المفاتيح، وأقول لك باختصار: إن تكوين الآراء، والأفكار ونشرها ومناصرتها، وتحريك المجتمعات والعقول الراكدة، والضغط السلمي، والتدافع الإنساني لإقرار ما يعتقد الإنسان أنه الحق، التغيير بهذا المعنى لا يحتاج إلى إذن من أحد، ولا يحتاج إلى انتظار إنما هي برامج واتصالات، وأفكار وتحركات يحتاج الشباب فيها إلى اكتساب مهارات ذهنية، وتعبيرية، عملية وإدارية، وهذه الخبرات متاحة مجانًا في عالم الإنترنت لمن يريد أن يعرف.
إما أن نجلس نقضم أظافرنا، ونجلد أنفسنا وأجدادنا، وإما أن ننطلق متجاوزين للعقبات والقيود التي تحاول تكبيلنا.
وتجاوز هذه العقبات ممكن عندما نحسن تشخيص المرض، ووصف العلاج الفعَّال والممكن، هذا هو التفكير الإيجابي النافع الذي إذا صاحبته ثقة بالنفس، وتنمية للقدرة على الفعل سيصنع المعجزات.
وبالمناسبة هذا هو معنى كل ينفق مما عنده، فهذه العبارة لا تعني إنفاق المال أو الماديات، بل تعني أن كلاًّ يعمل على شاكلته، فإذا لم يكن لدى الكبار إلا ما فعلوه فلا نتوقع منهم غيره، ولنسأل أنفسنا: ماذا لدى الشباب غير المرارة والشكوى، والحماس الطارئ؟!!
هل ننتهز الفرصة التي تتيحها الانتفاضة للمراجعة، والحركة الإيجابية أم سنتركها تتبدد، وهي بالفعل تكاد!!
أخيرا يا صديقي، ليس طوفان الأقصى هي السبب وراء هذه الأفكار المتدافعة، ولكنها مثل القشة التي قصمت ظهر البعير..... والبعير تثقله أحمال كثيرة.... وأخيرًا أقول: قبل أن نغلي اللبن لنطهِّرَه من الميكروبات، يجب أن يكون الإناء نظيفًا أولاً.
"إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم" وشكرًا لك.