السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد
أقيم مع زوجتي وأولادي في إحدى الدول الخليجية منذ فترة طويلة، وفي هذا العام تمكنت زوجتي من الحصول على عقد عمل لأخيها الذي قارب الخمسين وتمكن بموجبه من الحضور إلينا، وقد استضفته في بيتي إلى أن تمكن من الاستقلال بمسكن خاص به.
بعد ذلك لاحظت أنه يداوم على الاتصال بأخته التي هي زوجتي يوميا دون انقطاع ووجدت نفسي غير متقبل لذلك، وأصبح الموضوع مصدر ضيق يومي لي ولم أعد أتحمله، وقد ذكرت ذلك الأمر لزوجتي فقالت: وماذا في ذلك أخ يسأل عن أخته، فقلت: ليس كل يوم، أنت تعيشين في صحراء بمفردك ومن الأجدى له أن يتصل بزوجته كل يوم ويدعنا في حالنا،
علما بأنه مدعو عندنا جميع أيام الجمع والمناسبات وعلما بأن سبب ضيقي من ذلك الأمر قد يكون مرجعه إلى خشيتي من أن يكون ذلك مع مرور الأيام مدعاة لإفساد زوجتي علي، أو أن يطلع على أمورنا الخاصة من زوجتي بقصد أو بدون قصد، وأمور أخرى.
والآن: ما هو الحل السليم لمعالجة هذا الأمر كله؟
وجزاك الله كل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
25/7/2025
رد المستشار
عندما قرأت رسالتك أدركت على الفور، أنك مقيم منذ فترة لا تقل عن ست سنوات في هذه الدولة "الخليجية" وربما أكثر بكثير من هذه المدة؟!! فأنت لم تذكر طول الفترة. وربما تسألني لماذا أقول هذا؟!
أقول لك: لأن الإنسان الذي تضطره الظروف للعمل أو الدراسة بعيدًا في ذويه يمر بتغيرات في مشاعره وطريقة تفكيره كالتالي:
1- في أول سفره يكون شديد الشوق لأهله حزينا على فراقهم يبحث حوله على من يذكره بهم ويكثر الاتصال بأهله، ويتلمس أخبارهم أولاً بأول وتستمر هذه المرحلة لفترة، ثم....
2- يبدأ في الاندماج مع المجتمع الجديد، ويتعرف عليه، وينشغل في محاولات التأقلم مع الواقع الجديد، فيشغله ذلك عن أهله بعض الشيء فيتابع أخبارهم كل فترة وتستمر هذه المرحلة بعض الوقت، ثم....
3- ينصهر في المجتمع الجديد ويذوب داخله، وينفصل عن أهله وجدانيًا وعاطفيًا، ويعوض هذا الفراغ بأسرته الصغيرة إذا كان متزوجا ويصب فيها كل المشاعر وينغلق على أسرته، ويجعلها محور حياته، وإذا كان أعزبَ فيجد مع الوقت من يشاركه أحاسيسه ومشاعره، سواء أفراد أو جماعات، وتجده يتكلف الاتصال بالأسرة الكبيرة، والأصدقاء القدامى كل فترة وبمشقة!! وتدريجيًا يجد نفسه إذا سافر لبلده الأصلي يتكبد مشقة كبيرة في التواصل والتفاعل مع الأهل والأصدقاء، ولا تكون المدة كافية لترميم علاقات فقدت دفئها بمرور الزمن والانشغال.
4- وينطبق هذا الأمر على الرجال أكثر من النساء، والنساء عاطفيات بطبعهن فيسهل عليهن المحافظة على دفء العلاقات نسبيًا عن الرجال.
وعذرًا أطلت عليك... ولعلك لم تجد بعد إجابة سؤالك، ولكن لو فكرت معي لوجدت أنك قد قطعت الشوط لنهايته، فأسرتك الصغيرة وعملك هما محور حياتك وأنت منغلق عليهم، تقلقك وتخيفك أية علاقات أخرى، لأنك اعتدت هذا الأسلوب لسنين، في حين أن أخا زوجتك ما زال في بداية الطريق، فهو يشعر بالغربة والحنين للأهل، ويجد في اتصاله بأخته بعض السلوى والسكن خصوصًا أن تكلفة الاتصال بها أقل من اتصاله (بأهله).
ناهيك عن أنه رجل تعود على حياة مليئة بالعلاقات والأنشطة المختلفة، وبعد الانتقال لبلد آخر فلا يستطيع التكيف فيها بسهولة، ولعلك بعد كلامي هذا تلتمس بعض العذر لأخي زوجتك في كثرة اتصاله، خاصة أنني أعتقد أن هذا لن يستمر طويلاً، بل لعله يقل كثيرًا إذا حضرت زوجته وأولاده.
وللموضوع جانب آخر يحتاج منك لبعض النظر، وهو أنك مهما طالت بك الغربة عن بلدك سترجع لها، فهذا ما يحدث غالبًا، وبالتالي فستعود لنفس نمط الحياة القديم، للعلاقات الواسعة وللأسرة الممتدة وللعلاقات المتداخلة، فوجود هذا القريب واتصاله وزياراته سيجعلك عند العودة أكثر استعدادًا للتكيف مع المجتمع، ووجوده فرصة للتذكير بما كدت تنساه من أسلوب الحياة في بلدك.
أما ما يزعجك من خوفك أن يعرف خصوصيات البيت فبإمكانك لفت نظر زوجتك لهذا بأسلوب لطيف، وأما اتصاله فإذا كان هناك إمكانية أن يتصل في أوقات تكون فيها خارج المنزل فربما كان هذا أكثر راحة لك، كما لا أرى أن وجوده سيفسد عليك زوجتك، فإني لا أحسب صلة الرحم مفسدة بل هي معينة على تحمل الأعباء، إلا إذا كان هناك ما لم تذكره لنا...!
صدقني أنت تحتاج لمحاولة التكيف مع هذا القريب، وأن توطد علاقتك به، وتعتبره كصديق، ولا تشعر أنه مفروض عليك، فهذا أفضل بكثير لك وللجميع. وأعلمنا بالأخبار.