السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أحييكم على هذا الموقع المفيد الفريد، وأسأل الله أن يعينكم على مساعدتي، ومشكلتي كالتالي:
أنا شاب ذو 35 ربيع متزوج من سنة دون أولاد، أعمل بوظيفة إدارية، وأحضر في نفس الوقت لشهادة ماجستير في الطاقة الميكانيكية، ثقتي في نفسي منعدمة لأنني أحس بالفشل في حياتي وذلك ما يجعلني حزينا جدا، ينتابني خوف شديد وأحس أن هناك من يراقبني ويرصد تحركي ويتربص بي ليؤذيني.
بداية معاناتي تعود إلى أكثر من 10 سنوات يوم كنت طالبا بالجامعة هناك تعلقت بفتاة على قدر محترم من الجمال والأخلاق فشغفت بها وكانت كل أمنيتي أن أتزوجها ولا أخفي عليكم أن هذا الإعجاب نشأ منذ السنين الأولى من شبابي كونها كانت تدرس معي في نفس الصف إلا أنني حافظت على سري ولم أكشفه لأي كان بسبب انتمائي ثقافيا إلى الحركة الإسلامية فكنت أستهجن العلاقات المختلطة ولم يكن الباعث في معظم الأحيان إيماني بقدر ما كان استحياء من الآخرين، و لم أطلعها على الموضوع إلى غاية إقبالنا على التخرج من الجامعة ولاقيت حينها تجاوبا كبيرا من طرفها إلا أن تصرفاتي النابعة من معاناتي التي ذكرتها سابقا جعلتها تنصرف عني و تتزوج غيري،
هذا المصير ترك أثرا كبيرا في نفسي فانتابني اكتئاب و لم أكن أعي ذلك إلى أن جاء العام الذي نظمت فيه أول انتخابات رئاسية تعددية بالبلاد وبحكم انتمائي الحزبي كنت من المتحمسين للترويج للمرشح الإسلامي آنذاك، ويوم الاقتراع وداخل المركز حيث كنت ممثلا عن الحزب الذي أنتمي إليه شهدت فيه ضغطا كبيرا واعتداء صارخا تمثل في الشتم البذيء والتهديد ومحاولات الضرب من الجهة المستدرجة من دون سبب وجيه أو جرم وضيع، وبلغ بهم الأمر أن جاءوا بتلك الفتاة وزوجها وأخذوا يلمحون ويتوعدون،
ومر ذلك اليوم علي وكأنه سنة وترك في نفسي ضررا عميقا فأصبت بانهيار عصبي حاد فقدت فيه السيطرة على تصرفاتي وزاد من معاناتي المضايقات التي عشتها في الفترة التي تلت الانتخابات فاشتد خوفي وفقدت النوم ولم يعد في خلدي سوى صورتي وأنا أعذب أو أقتل من قبلهم وانعزلت كلية عن العالم الخارجي،
وبدأت بعدها رحلة العلاج بمضادات الانهيار (anti-dépressifs) والرقى الشرعية، شهدت خلالها انهيارات عصبية مماثلة للأول أخرها كان سنة 2001 وتحسنت حالتي بعد ذلك والحمد لله إلا أن الاكتئاب لا يزال يلازمني والخوف من أن هناك من يتربص بي لا زال يخالجني وإن مررت باثنين يتكلمان أو جالست الرفقاء في الشغل أسقط كل كلامهم علي وأقتنع في نفسي أنني المقصود من كلامهم وأن هناك من خطط لكل ما قالوه ليشد انتباهي ويبقيني على حذر دائم.
أنا اليوم أعاني كثيرا، ابتسامتي غابت لأمد بعيد، خوفي يلازمني، فشلي يؤرقني ويبكيني حتى عملي مقته وكلما تأهبت صباحا للذهاب إلى شغلي كنت وكأني أساق إلى حتفي. بعض ملامح شخصيتي منطوي. أعتزل العالم الخارجي لأيام هادئ، قليل الكلام. لا أقوى على المواجهة لإحساسي بالنقص أمام الغير وأفضل الانسحاب لأول صدام مع الغير.
لا أثق بنفسي وأيأس بعد المحاولة الأولى وأتوقع الفشل من البداية، أشرب الأدوية الموصوفة من الطبيب المختص إلى اليوم ولكن بجرعات منخفضة،
جزاكم الله خيرا.
24/11/2003
رد المستشار
الأخ السائل العزيز أهلا وسهلا بك وشكرًا على ثقتك بموقعنا، ما يفهم من إفادتك يشيرُ إلى طول المعاناة النفسية التي عايشتها وما تزال، ولعل قولك في ثاني سطور إفادتك (ثقتي في نفسي منعدمة لأنني أحس بالفشل في حياتي وذلك ما يجعلني حزينا جدا، ينتابني خوف شديد وأحس أن هناك من يراقبني ويرصد تحركي ويتربص بي ليؤذيني)، هذا القول إنما يشيرُ إلى بُعدين توصيفيين في الأعراض النفسية أحدهما هو الاكتئاب، والآخرُ هو الزور (أو البارانويا)، والذي يتعلق بالشك في نوايا الآخرين تجاهك، وإحساسك الذي يكادُ يكونُ ملازما لك بأن مؤامرةً ما تحاك ضدك، وهنا أنصحك بقراءة المشكلات النفسية التالية وتعليق المستشارين عليها على صفحة استشارات مجانين وذلك بنقر العناوين التالية واحدًا فواحدا:
الفصام الوجداني والمآل ما بين بين
أسمعهم ولكن من يصدقني: نحن نصدقك ولكن !
اكتئاب أم فصام وهل هناك احتمالات بارانويا ؟
الـزَّوَرُ (البارانويا) أنواع ، فأيّ الأنواع أنت ؟
الفصام المزمن وأعراضه السالبة م
إلا أن القوة التأثيرية التي يملكها كل من هذين البعدين النفسيين المعرفيين عليك وعلى سلوكياتك مع الآخرين يبدو أنها تختلف من وقت لآخر خلال حياتك، ورغم أن الاكتئاب هو التشخيص الذي قيل لك من قبل الطبيب النفسي الذي هو أقدرُ منا بالتأكيد على تشخيص حالتك ووصف العلاج اللازم (والدائم) لها، إلا أن اضطرابك ليس اكتئابا فقط، صحيح أن الاكتئاب موجودٌ بنسبةٍ ما وتتكرر عليك نوباتٌ شديدةٌ منه من وقت لآخر خلال حياتك، إلا أن بعد الشك في الآخرين يبدو غير مرتبطٍ دائما بالاكتئاب، فبينما كنت تحبُّ (وفي منتهى السعادة مع حبيبتك)،
وجدت تلك الحبيبة نفسها غير قادرة على الاستمرار في علاقتها معك بسبب معاناتك التي لم تكن سوى التفكير الزَّوَري Paranoid Thinking وقتها، لكنه حين يؤدي إلى تحطيم العلاقات الاجتماعية يصبح أقرب للوهام Delusion أي الاعتقاد الخاطئُ الراسخ في فكرةٍ غير صحيحة بالنسبة للآخرين بينما هي بمثابة اليقين بالنسبة لك بحيث تعاني بسببه وتتصرف على أساسه مع الآخرين، وهذا ما يتضح قي أكثر من عبارةٍ في إفادتك وفي أكثر من مرحلةٍ من مراحل حياتك، حتى أنه ما يزال إلى الآن كما يفهم من قولك:
(إلا أن الاكتئاب لا يزال يلازمني والخوف من أن هناك من يتربص بي لا زال يخالجني وإن مررت باثنين يتكلمان أو جالست الرفقاء في الشغل أسقط كل كلامهم علي وأقتنع في نفسي أنني المقصود من كلامهم وأن هناك من خطط لكل ما قالوه ليشد انتباهي ويبقيني على حذر دائم)، فالاكتئاب في واقع الأمر تحسن بدليل أنك تزوجت وتعمل وتواصل دراستك، إذن فهو وجود لأعراضٍ ذهانية تتمثل في الأفكار الوهامية التي تحاصرك، ولكن دون قدرٍ كافٍ من الاكتئاب يسمح لنا بوضع هذه الأفكار برمتها داخل تشخيص الاكتئاب الجسيم المصحوب بأعراضٍ ذهانية Major Depression with Psychotic Features.
إذن فنحن في تشخيص حالتك سنقف في مكان ما بين اضطراب الاكتئاب الجسيم واضطراب الفصام Schizophrenic Disorder. وأما ما يجعل تشخيص اضطراب الفصام غير كامل الانطباق عليك فهو ما استطعت تحقيقه في حياتك، إذ لا يبدو التدهور في التعليم أو الزواج أو العمل واضحا، ولا نستطيع التأكد من هل ذلك بسبب استمرارك على العلاج منذ أيام الجامعة أم لا، فأنت لم تذكر لنا بوضوح ذلك،
وبينما يؤدي اضطراب الفصام حين لا يعالج إلى تدهور في هذه المجالات كلها أو بعضها على الأقل، فإن ما يظهر في إفادتك هو فقط ما قد يؤدي إما إلى معاناة داخلية دائمةٍ بالنسبة لك أو إلى بعض الاضطراب في علاقتك بالآخرين، لكنه بالتأكيد غير معيق لك بشكل يسمح بتشخيص الفصام. معنى هذا الكلام هو أن أقرب الاحتمالات التشخيصية هو الحل الوسط الذي يلجأ له الأطباء النفسيون ويسمى باضطراب الفصام الوجداني Schizoaffective Disorder، وهذا الاضطراب يحمل مزيجا من أعراض كل من اضطرابات المزاج التي تظهر عندك في صورة الاكتئاب،
ومن أعراض الفصام التي تظهر عندك في صورة الوهامات التي تكون موجودةً مع وبدون أعراض الاكتئاب، وهذا التشخيص يجعل المآل المرضي بالنسبة لك أفضل، إلا أن ما فعلته من إنقاص للجرعات التي أمرك طبيبك بتناولها يجعلك تساهم في حدوث انتكاس لحالة الاكتئاب الذي يبدو أنه بدأ بالفعل كما تبين آخر فقرات إفادتك إذ تقول (أنا اليوم أعاني كثيرا، ابتسامتي غابت لأمد بعيد، خوفي يلازمني، فشلي يؤرقني ويبكيني حتى عملي مقته وكلما تأهبت صباحا للذهاب إلى شغلي كنت وكأني أساق إلى حتفي، بعض ملامح شخصيتي منطوي، أعتزل العالم الخارجي لأيام، هادئ قليل الكلام)، فهذه أعراض اكتئاب وأعراض انسحاب قد تكونُ ثانوية لأفكار الاضطهاد أو للاكتئاب، إذن فأنت تمر بنوبة جديدة من نوبات الفصام الوجداني.
والصحيح هو أن تراجع طبيبك النفسي، وأن تناقش معه معاناتك من أفكار الشك في نوايا الآخرين لأن إضافة أحد مضادات الذهان إلى علاجك قد تكون سبب الشفاء إذا قدر الله لك ذلك، لكن العلاج حسب ما أستطيع استنباطه من طول عمر اضطرابك لابد أن يكونَ لمدة طويلة أي خمس سنوات على الأقل وبالجرعات التي يحددها لك طبيبك المعالج، لأن تقليل الجرعة ليس في صالحك وأهلا وسهلا بك وتابعنا بأخبارك.