الحرب الدائرة الآن بين إيران والكيان الصه....يوني (2025) مختلفة عن كل الحروب السابقة فالطرفان يفصلهما حوالي 1400 كيلومتر وبالتالي حيدت القوات البرية تماما ولم يكن العنصر البشري أو الدبابات على الأرض لهم وجود, واقتصر الأمر على الحرب الجوية: طائرات مسيرات، صواريخ، وهذه الحرب لا تتطلب قوة جسدية أو شجاعة جنود، وإنما تتطلب عقول وخبرات وعلم وتكنولوجيا وإدارة ومعلومات استخباراتية وقرارات مبنية على معلومات دقيقة، فهي بحق حرب لعب فيها العلم والتكنولوجيا الدور البارز، وهذا يجعلنا نراجع أهمية العلم والعلماء في حياتنا سلما وحربا، فالدولة تكمن قوتها في قوة علمائها القابعين في مراكز الأبحاث، ومصانعها التي تحول تلك الأبحاث إلى أدوات قوة تكتيكية واستراتيجية تفاجئ بها العدو ولا يستطيع التغلب عليها .
وهي أيضا حرب لعب فيها العملاء والجواسيس دورا هائلا، وقد كنا نعتقد أن زمن الجواسيس والعملاء قد ولى، وأن التكنولوجيا الحديثة طغت على العنصر البشري، وأن أي مكان على سطح الأرض، أو حتى في باطن الأرض يمكن تصويره ومعرفة أسراره، ولكن هذه الحرب أثبتت أن زرع الجواسيس والعملاء والخلايا النائمة في أرض الخصم يشكل عامل قوة رئيسية في الصراع ويمكّن من ضرب الأهداف الحيوية أو القيادات المؤثرة.
وبرزت الصواريخ والطائرات المسيرة كأسلحة حاسمة في الحروب الحديثة، وربما يتراجع دور الدبابات والعربات المصفحة، والتي يمكن اصطيادها بصواريخ أو مسيرات بمنتهى السهولة وبأقل قدر من الخسائر.
دخل الذكاء الاصطناعي على الخط، والذي يقود العمليات السيبرانية، وعمليات التشويش، والرسائل الخادعة لقادة الخصم وقواته عبر وسائل التواصل، وأصبحت وسائل التكنولوجيا الحديثة تشكل القدرة النوعية التي تتغلب على الجيوش الضخمة التقليدية ذات التسليح القديم القائم على المعدات الثقيلة والأعداد الضخمة من البشر، فربما سلاح نوعي إلكتروني خفيف يواجه أرتال زاحفة من الدبابات والبشر، ويحسم المعركة في زمن قصير.
لم تعد الجيوش تراعي حرمة للمدنيين كما كان في السابق، بل أصبح ضرب المدنيين والمناطق الآهلة بالسكان عملا عاديا من أعمال الحرب لا يخجل منه جيش ولا تنتفض له المؤسسات الدولية، حتى المستشفيات والمدارس وأماكن الإيواء تصبح أهدافا محتملة ولا يعتذر عن تدميرها أحد، ولا يحاسب عليها أحد، ويتم استخدامها لإذلال الخصم وإيلامه، وهي أيضا أهداف رخوة لا تكلف كثيرا في إصابتها، وهي تكسر الروح المعنوية للشعب المستهدف وتستعديه ضد قياداته.
لم يعد ضرب النساء والأطفال شيئا مستنكرا بشدة كما كان في الماضي، ولهذا تلجأ إليه الجيوش المتصارعة دون خجل لكي تكسر إرادة الخصم ولكي ترسل رسالة أن قسوتها ليس لها سقف، وأنه لا حصانة لأحد على أرض العدو.
والحروب الحديثة نظرا لعدم القدرة على حسمها بشكل نهائي فإن ثمة إغراء لمن يملك القوة النووية باستخدامها في حالة اليأس من النصر أو في حالة حدوث هزيمة ساحقة، وكأن السلاح النووي أصبح خيارا محتملا على الرغم من مخاطره الهائلة على الجميع.
لم يعد يصلح أن تعتمد على مصادر تسليح خارجية، خاصة وأن تلك المصادر يمكن أن تمتلك شفرة لتشغيل السلاح أو إيقافه، أو تمتلك عنصرا تجسسيا في هذا السلاح، وأن منتج السلاح ومصدره قد يتلاعب في تعويض قطع الغيار أو الصيانة، أو يتحكم في فاعلية السلاح، أو يعطي أسراره للخصم. ولهذا لابد لكل دولة أن تعتمد على إنتاج سلاحها النوعي والاستراتيجي الذي يناسب ظروفها، ويعطيها تفوقا نوعيا على أعدائها المحتملين، وأن تكون لديها خطوط إنتاج لتلك الأسلحة لتعويض ما يفقد، وأيضا قطع سلاح جاهزة لإصلاحها فورا إذا عطبت أو أصيبت أثناء الحرب.
هناك مبدأ يسمى: قوة الضعف وضعف القوة، بمعنى أن أي جيش حتى ولو كان ضعيفا قد يملك عنصر أو أكثر من عناصر القوة يمكنه من هزيمة جيش أقوى، والعكس صحيح نرى أن أي جيش مهما كان قويا يكون لديه ثغرات ونقاط ضعف، لو تم استغلالها بشكل مناسب من الخصم الأضعف يمكنه هزيمة ذلك الجيش القوي.
يلعب الإعلام التقليدي (خاصة التليفزيون)، وأيضا الإعلام الإلكتروني (وسائل التواصل) دورا مؤثرا جدا في الحروب الحديثة، وهناك فرصة الآن لنقل الحرب على الهواء مباشرة (صوت وصورة) لحظة بلحظة عبر وسائط إعلامية عديدة، وهذا يجعل الجمهور في كل أنحاء العالم يتابع سير المعارج بتفاصيل هائلة، وهذا يؤثر على الحالة المعنوية للجيوش المتحاربة. وأيضا هناك فرصة لنشر الشائعات والأكاذيب عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي تحول الدفة من طرف لآخر، وتؤثر على معنويات الطرف المستهدف وتحطم قراراته.
لم يعد للمنظمات الدولية دور مؤثر في الحرب أو السلم، وتحولت إلى مؤسسات فولكلورية، وأقصى مالها من دور، هو نوع من النصح أو الاستنكار، أو مطالبة الأطراف المتصارعة ضبط النفس.
واقرأ أيضًا:
التحرش بالأطفال / ترامب الجديد عاد لينتقم من أمريكا والعالم