إذا أحصينا نسبة الضعف الجنسي عند الرجال نجد أنها مرتبطة ارتباطًا طرديًّا بالعمر، ففي سنّ الستين نجد أن رجلين بين كل عشرة رجال يشكون من هذا الضعف وأن تلك النسبة تزيد إلى خمسة رجال بين كل عشرة إذا بلغ الرجل سنّ السبعين. والمشكلة تكون أكبر إذا كان ذلك مصاحبًا لمرض ارتفاع السكر في الدم "السكري"، حيث نجد أن الضعف يبدأ بالظهور في سنّ مبكرة، فبعض الرجال من مرضى "السكري" يبدؤون المعاناة قبل بلوغهم سنّ الأربعين، وكذلك نجد مثل هذه الشكوى المبكرة عند بعض الرجال الذين يتناولون أدوية معروفة بتأثيرها السلبي على عملية الانتصاب أو مركبات الكورتيزون التي تستخدم لعلاج بعض الأمراض، وكذلك مرضى الصَّرع الذين يتناولون الأدوية المهدئة بأنواعها المختلفة.
إذاً فالمرض في الأساس هو مرض لكبار السنّ، أي بعد سنّ الستين، ولكن قد يظهر لأسباب أخرى في سنّ مبكرة.
النفس، والملل
العجز..لأسباب نفسية:
والذي دفعني لكتابة هذا المقال ليس فقط هذه النماذج من الحالات، ولكن الحالات التي لا تعاني من مرض وليس عندها سبب عضوي، وهي ما زالت في سنّ مبكرة، وهؤلاء كُثُر - أقصد بذلك الضعف الجنسي المؤقت المصاحب لحالات التوتر والضغط النفسي والقلق وما شابه من أمراض العصر.
في العادة يكون الرجل في الأربعينيات من العمر، ويشكو من ضعف جنسي مفاجئ - قد يكون منذ أشهر أو منذ سنين - هذه الحالة من الضعف الناتجة عن هذا التوتر تتميز بكونها ليست ضعفًا متواصلاً بل نوبات من الضعف تليها نوبات من القوة، وهذا دليل قاطع على تشخيص الحالة بأنها ناتجة عن التوتر وليست ضعفًا حقيقيًّا ناتجًا عن مشكلة عضوية. ويكون سؤالي للمريض - إذا جاز التعبير – هو: هل مرَّ عليك في الشهر الماضي أو الأشهر الماضية التي عانيت فيها من الضعف أيام كان الأداء الجنسي فيها ممتازًا ؟ فيجيب: نعم، يوم كذا ويوم كذا.
وفي بعض الأحيان يكون السؤال بالإيجاب على وضع الانتصاب في الصباح الباكر، إذ إن البعض يجد حالة الانتصاب ممتازة في الصباح الباكر في حين يشكو عند الجماع من ضعفه، وهو دليل على أن التوتر هو السبب وليس مسألة عضوية. ورغم أن هذا المؤشر ليس ضروريًّا عند كل الرجال، فبعض الرجال لا يجد ذلك نهائيًّا بالرغم من أنه لا يعاني من أي ضعف، وبعضهم كان يجد الانتصاب الصباحي في فترة من فترات عمره، ولكن بعد فترة قد يتغير الحال، ولا يجد مثل هذا الانتصاب في الصباح بالرغم من كونه لا يعاني من شيء.
إذاً الانتصاب في الصباح ليس له قاعدة ولا قانون ولا سِنّ، وكل ما في المسألة هو أنه له دلالة إذا ما وُجِد، وليست له أية دلالة إذا فُقِد؛ لذلك أرجو أن تكون هذه المسألة واضحة للجميع.
الفتور ليس عجزًا:
النقطة الثانية التي أَوَدُّ توضيحها في هذا المجال هي أن كثيرًا من الناس يخلط ما بين الفتور الناتج عن الألفة والرتابة وعدم التغيير وبين الضعف الجنسي، وقد وضحت ذلك في مقالي السابق "حتى لا يتسرب الملل".
الضعف وأسبابه
مرض "السكري" والضعف الجنسي:
نظرًا لشهرة مرض "السكري" في التسبب في حدوث الضعف في الانتصاب عند الرجل، فكثيرًا ما يتوهم البعض حدوث الضعف بمجرد تشخيص وجود ارتفاع في سكر الدم، ويبدأ المريض ينتقل من عيادة إلى عيادة باحثًا عن علاج للضعف، ولا بد هنا من توضيح أمر، وهو أن بعض الأطباء قد يكونون سببًا في الإيحاء بمثل هذه الشكوى عند المريض، وذلك عندما يقوم الطبيب بالسؤال عن حالة الانتصاب في أول يوم يتم تشخيص مرض السكري، وإذا ما انتقل المريض لطبيب آخر يسأله بدوره السؤال نفسه، وهذا ما يجعل المريض يتشكك من أمره، ويشعر بالضعف وكأن الضعف صفة من صفات هذا المرض؛ لذلك يجب التوضيح بأنه ليس كل من يصاب بمرض "السكري" يصاب بضعف جنسي؛
إذ إن هناك بعض الرجال الذين ينظمون علاجهم ويحافظون على نسبة السكر في الدم لا يصيبهم مثل هذا الضعف أبدًا. أما الذين يصابون بالضعف المبكر نتيجة لوجود "السكري" فهؤلاء يصابون بالضعف بعد مرور أربعة عشر عامًا على بدء الإصابة وليس بعد شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين؛ لذلك فإن أي ضعف قبل عشر سنوات من الإصابة بالسكري تكون لسبب آخر مصاحب مثل السنّ أو التوتر أو بعض العلاجات المسببة للضعف كما أسلفنا.
ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن مَرْضَى السكري يستجيبون لكل أنواع العلاج المذكور لاحقًا وبجرعات أقل من المرضى الآخرين. أما بالنسبة لمادة الفياجرا فتصلح للعلاج في الأيام الأولى من الضعف، ولكنها تفشل في التأثير بعد ذلك؛ لأنها تحتاج إلى وجود أعصاب سليمة، وهذا ما لا يتوفر مع تقدم السكري، ولكن تبقى الحقن الموضعية تعمل بدون خلل.
مع سن الأربعين:
في هذه السنّ المبكرة يكون الضعف على شكل اضطراب وتقلب في الأداء بين الجيد والمتوسط، وإذا ما تم استثناء الضعف المصاحب للتوتر والقلق فإن معظم الحالات التي تعاني من الضعف في الأربعينيات من العمر تكون مصاحبة بتغيرات في مستوى الهرمونات في الدم وخاصة هرمون الذكورة "Testosterone" أو ارتفاع في هرمون الحليب " Prolactine"؛ ولذلك لا بد من الفحص المخبري الدقيق؛ لتبين السبب وإعطاء العلاج المناسب، وهي مسألة بسيطة إذا تم تحديد السبب بدقة.
الضعف الجنسي بعد الستين:
معظم هذه الحالات ينتج عن التغيرات الطبيعية المصاحبة للسنّ، أقصد بذلك تصلب الشرايين الذي يؤدي إلى ضعف تدفق الدم أثناء عملية الإثارة، مما يؤدي إلى ضعف في الانتصاب، وكما ذكرت سابقًا فإن نسبة الرجال المصابين بالضعف تزداد مع مرور العمر. ومن صفات هذا الضعف أنه يحدث بالتدريج، وأنه يزداد مع مرور الوقت. هذا الضعف هو الأكثر عند الرجال ويستجيب لمعظم طرق العلاج المذكورة لاحقاً.
التسرب الوريدي:
أحيانًا يكون الضعف ناتجًا عن التسرب الوريدي، بمعنى أن الأوردة تتسرّب منها كمية من الدم مساوية للكمية التي تدخل عن طريق الشرايين، حيث إن عملية الانتصاب هي عبارة عن تدفق في الدم إلى داخل العضو الذكري أكثر من الدم الخارج منه، مما يؤدي إلى شدة في الانتصاب، وهذا النوع من الضعف يقع في شكلين:
الشكل الأول: تسرب وريد ابتدائي، بمعنى أن المريض بهذا الضعف يشكو من ضعف انتصاب منذ البلوغ، وأنه لم يشعر في يوم من الأيام بانتصاب كامل.
الشكل الثاني: تسرب وريدي ثانوي ناتج عن إصابة للعضو الذكري أدت إلى هذا التسرب الوريدي، وفيه نجد أن المريض يشكو الضعف منذ أيام الإصابة الأولى. ومن الجدير ذكره هنا أن حالات ضعف الانتصاب المصاحبة للحالات الأخرى (التوتر، تصلب الشرايين…) تكون أيضاً مصاحبة بتسرب وريدي، ولكنه غير ناتج عن خلل في الأوردة، وإنما خلل في الأوامر العصبية المؤدية للانتصاب؛ لذلك فإن التشخيص الشعاعي أو التشخيص بالموجات الصوتية ليس قاطعاً في تحديد السبب؛ إذ لا تستطيع هذه الوسائل التشخيصية تحديد نوع الضعف بالرغم من وجود هذا التسرب.
هذه الحالة يتم تشخيصها عن طريق الحقن الموضعية، وفيه يتم التمييز بين التسرب الوريد الحقيقي والتسرب المصاحب للأنواع الأخرى من الضعف. ولعلاج حالات التسرب الوريدي الابتدائي نحتاج إلى عملية جراحية أو إلى وضع رباط مطاطي طبي يوفره الطبيب حول قاعدة العضو الذكري أثناء المداعبة، وهي طريقة بسيطة وفعالة.
طرق العلاج:
هناك عدة طرق للعلاج وتهدف جميعًا إلى أن يزيد تدفق الدم إلى العضو الذكري، ومن هذه الطرق:
1. الفياجرا: وهي الحبة الزرقاء وأخواتها التي يعرفها الجميع الآن لما صاحب إنتاجها من ضجة إعلامية، وكذلك لما لها من مخاطر إذا لم يتم الفحص اللازم للمريض قبل تناولها، فلهذه المادة أعراض جانبية مختلفة، ولكنها معظمها من النوع المحتمل إلا إذا كان الرجل من مرضى القلب ويتناول مركبات تعمل على توسيع الشرايين التاجية، ففي هذه الحالة يمنع من تناول الفياجرا منعا باتًّا.
2. اليوهمبين أو الجينزنج الكوري الأحمر: وهي مواد ذات فعالية في بعض الحالات وخاصة في بداية الضعف، وهي آمنة وليس له أعراض جانبية خطيرة، ولكنها لا تصلح لكل الحالات.
3. الحقن الموضعية: وهي حقن تُعْطَى في نفس القضيب بواسطة حقن ذات سنّ رفيعة جدًّا مما يجعل تناولها تقريبًا بدون ألم، وفيها تعطى المادة التي تعمل على توسيع الشرايين مباشرة إلى الكهوف الدموية داخل القضيب، مما يوسعها ويساعد على تدفق الدم اللازم للانتصاب الكامل. وميزة هذه الطريقة أن حجم المادة المستخدمة صغير جدًّا؛ نظرًا لأنها تعطى مباشرة في المنطقة المطلوبة، وإذا ما تسربت للجسم فليس لها تأثير يذكر بعكس المواد التي تؤخذ عن طريق الفم فإن تركيزها في كل الأنسجة يكون متساويًا مما يجعل آثارها الجانبية كثيرة. العيب الوحيد في هذه الطريقة هي كونها حقنة، وكما هو معروف فإن الرجال لا يفضلون الحقن كدواء.
وهناك مواد مختلفة تُعْطَى عن طريق هذه الحقن أشهرها مادة البابافرين والفينتولمين والبروستاجلاندين، ودائمًا ما يستخدم الأطباء خليطًا من هذه المواد جميعها. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن إبر الحقن الموضعية هي أقوى وأنجع طريقة لحدوث الانتصاب. ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن الطبيب يقوم بوصف الحقنة واختبار الجرعة المناسبة، ومن ثَمَّ يقوم بتعليم المريض كيف يتعامل مع الحقنة بنفسه وكم مرة مسموح بها أسبوعيًّا، وقد نحتاج إلى تعليم الزوجة ذلك الأمر إذا كان الرجل بدينًا أو إذا كان بصره ضعيفًا أو أسبابًا أخرى تعيق أن يقوم المريض بإعطاء نفسه بنفسه. وهنا أيضًا يجب التوضيح أن عملية إعطاء الحقنة الذاتية سهلة، ولا يحتاج من المريض إلا للمحاولة الأولى ليعرف أنها بسيطة وسهلة.
4. تحاميل صغيرة تعطى عبر مجرى البول: وهي تعمل عمل الحقنة، ولكن تنتشر إلى الكهوف الدموية من خلال الامتصاص وليس من خلال الحقن المباشر. ميزتها أنها سهلة الاستخدام، ولكنها غالية الثمن وضعيفة القدرة نسبيًّا.
5. الأجهزة المساعدة: وهي تستخدم في حالة فشل الوسائل الأخرى ونحتاجها في الحالات المُهْمِلَة التي أهمل صاحبها علاج نفسه مدة طويلة، وهي قليلاً ما نحتاجها؛ لأن الحقن الموضعية قد حَلَّت مكانها لما لها من نسبة نجاح عالية تفوق 99%. يتم تركيب الجهاز المساعد عن طريق عملية جراحية، ومنه أنواع مختلفة أفضلها أبسطها؛ وذلك لتقليل فرصة عطل الجهاز، ولكن لهذه الأجهزة مشاكل مختلفة وقد تكون خطيرة؛ لذلك لا نستخدمها إلا إذا فشلت كل الوسائل الأخرى.
6. في حالة وجود خلل في الهرمونات المسؤولة عن عملية الانتصاب يكون العلاج بتعديل هذا الخلل.
7. في حالة تناول الأدوية التي لها تأثير سلبي على الانتصاب فمن الضروري سؤال الطبيب عن بدائل لهذه الأدوية بحيث لا يكون لها مثل هذا التأثير السلبي أو إيقافها إن أمكن، وإذا لم يكن ذلك ممكنًا فإن الحقن الموضعية تكون أفضل علاج.
8. الحالات التي تتناول أدوية مهدئة مثل حالات الصرع أو ما شابه من حالات، فغالبًا ما تبدأ مثل هذه العلاجات في سن مبكرة أي قبل الزواج وحبذا لو انتبه الآباء إلى أن الأبناء في مثل هذه الحالات لديهم مشكلة في تأسيس أسرة، وعليهم ألا يشعروا بأنهم قد قصَّروا في حق أبنائهم بعدم دفعهم للزواج، ولكن إذا تَمَّ شفاء الحالة وتوقف العلاج فهنا لا توجد مشكلة وسوف يعود الشاب إلى وضعه الطبيعي الذي لا يحتاج معه إلى مساعدة.
أما الأزواج الذين يصابون بمثل هذه الأمراض بعد الزواج فلا مانع من استخدام الحقن الموضعية بعد التأكد من عدم وجود خلل في الهرمونات وخاصة هرمون الحليب (البرولاكتين).
البروستاتا:
هي غدة موجودة أسفل المثانة وتشارك في تكوين جزء من السائل المنوي (حوالي 1 ملم). هذه الغدة من الأعضاء التي يَكْمُن فيها الالتهاب ويستوطن لمدة طويلة جدًّا، وقد يكون العلاج من هذا الالتهاب مستحيلاً في بعض الأحيان. يصيب التهاب البروستاتا كل الأعمار صغاراً وكبارًا، وقد يكون الالتهاب شديدًا بحيث يشكو المريض من أعراض مختلفة مثل الألم أثناء التبول أو الانتصاب أو أثناء القذف، وكذلك تكرار التبول وصعوبة التحكم فيه وخاصة ليلاً، وقد لا يظهر لالتهاب البروستاتا أية أعراض واضحة.
ولا يوجد علاقة مباشرة بين التهاب البروستاتا والانتصاب إلا إذا كان هناك ألم شديد مصاحب لعملية الانتصاب، مما يؤدي إلى تراجع الانتصاب بسبب وجود هذا الألم الحادّ؛ ولذلك يجب تصحيح الفكرة العامة التي تربط بين التهاب البروستاتا والضعف الجنسي وخاصة إذا كان الالتهاب بدون أعراض شديدة.
ومن الواجب ذكره في هذا المقام أن هناك بعض الأشخاص يصابون بالضعف الجنسي الناتج عن القلق إذا أحسَّ بأن شيئًا ما غير عادي في منطقة الأعضاء التناسلية، وبعض من زارني كان يشكو من الضعف الجنسي بسبب وجود بقعة بيضاء على جلد العضو الذكري، وهكذا إذا علم بعضهم أن هناك التهابًا في البروستاتا، فإن النتيجة هي توتر يؤدي ليس إلى ضعف في الانتصاب فقط بل عزوفًا كاملاً عن الزوجة وهبوطًا شديدًا في الرغبة، وكلها علامات توتر وقلق لا أكثر ولا أقل؛ ولذلك فإن هذا الجزء من الضعف يقع تحت باب الضعف الجنسي الناتج عن التوتر والقلق.
علاج الضعف الجنسي الناتج عن التوتر والقلق:
يضم هذا الباب مجموعة كبيرة من الحالات تختلف في السبب الذي أدى إلى التوتر، وتشمل فيما تشمل العجز الجنسي ليلة الزفاف إضافة إلى النماذج المختلفة التي ذكرت في هذا المقام.
ويكون العلاج بالشرح والتوضيح حتى يطمئن المريض لطبيعة السبب، وقد نحتاج إلى استخدام بعض الأدوية المهدئة، وأحيانًا نحتاج إلى الحقن الموضعية لما لها من أثر فعّال يعيد الثقة للرجل. ومن الجدير ذكره هنا أن الفياجرا (الأسطورية) لا تصلح في كثير من هذه الحالات.
* استشهد د. عمر فراونة هو وعائلته في 15 أكتوبر 2023 خلال ضربةٍ جوية نفذتها القوات الجوية الإسرائيلية على منزله الكائن في حي تل الهوى جنوب غرب مدينة غزة، وذلك خلال الرد الإسرائيلي على عملية طوفان الأقصى.
واقرأ أيضًا:
العلاقات الزوجية.. أيام الامتحانات / التزامن الجنسي بين الزوجين