لسنوات طويلة كانت حديقة الحيوان هي ثاني أكبر وأجمل حديقة حيوان في العالم وكان الناس يستمتعون ليس فقط بمشاهدة الأنواع النادرة من الحيوانات والطيور القادمة من كل غابات العالم ولكن يستمتعون أيضا بساحة هائلة وجميلة من الخضرة والأشجار والزهور فيقضون وقتا ممتعا خاصة في الأعياد والمناسبات.
شيئا فشيئا تدهورت أحوال الحديقة وانقرضت الكثير من السلالات الحيوانية والنباتية النادرة, وقل إقبال الناس عليها وتكررت أحداث خروج بعض الحيوانات المفترسة عن السيطرة وتهديدها لزوار الحديقة مما جعل الناس من خارج المدينة يعزفون عن زيارتها, وزاد على ذلك أن الحراس في الحديقة بدأوا في التحايل على الناس للحصول على المال مقابل التجول في الحديقة أو مشاهدة الحيوانات المهمة, بل وبدأوا في الاعتداء على كثير من الزوار إذا هم لم يستجيبوا لرغباتهم, ووقتها يدّعون أن الزائر حاول الاعتداء على بعض الحيوانات أو خرج عن آداب وسلوكيات وقواعد الحديقة, تلك الآداب والسلوكيات والقواعد التي لا يعرفها أحد على وجه التحديد, أو هي قابلة للتساهل الشديد أحيانا والتشدد الصلب في أحيان أخرى.
وفي أحد الأيام ثار رواد الحديقة على سوء المعاملة وتدهور الخدمة وقلة الحيوانات والنباتات والطيور, وطلبوا استرداد ثمن التذاكر وتنادوا بمقاطعة الحديقة حتى تتحسن أحوالها, وبعد شد وجذب ومساومات ومقايضات حاولت الإدارة تهدئة الناس ووعدتهم بإعادة النظر فيما يضايقهم .
وبعد مناقشات ومداولات على مستوى الإدارة ظهر رأي يبدوا أنهم استحسنوه , وهو أن مشاهدة الحيوانات لم تعد مطلبا للناس, وأيضا النباتات والأشجار لم تعد تسعدهم, لهذا قرروا تعزيز الحديقة بما يجذب الانتباه, وخلصوا إلى أن يستبدلوا أقفاص الحيوانات بأكشاك للأراجوزات, وهذا يعتبر عودة لفولكلور أصيل كان منتشرا في الستينيات وكان الناس يتجمعون حوله في المناسبات والأعياد, وهو ينقل الحكمة الشعبية الأصيلة في صورة فكاهية ومرحة, ولا مانع من بعض الحواة الذين يقومون بألعاب سحرية تبهر الناس, وجلسات تحضير للجان ثم صرفهم, وبعض المولات الصغيرة لزوم التسوق, وساحة للطعام, وحلبات للمصارعة والملاكمة وعراك الشوارع (الذي أصبح نوعا من الرياضة في الفترة الأخيرة).
ولكن اعترض أحد أعضاء مجلس الإدارة قائلا: ولكن هذه الأشياء أغلبها موضة قديمة ولن تقنع الشباب الذي يتجول بين الشاشات طول الوقت, شاشات الموبايل والتاب والأيباد واللاب والتليفزيون ويريد أشياء حديثة تشد انتباهه, فانتبهت الإدارة لذلك المطلب بأن تضع شاشات عملاقة في أركان الحديقة تعرض عليها ما تريد أن توصله الإدارة للناس من تعليمات وتوجيهات حتى لا يقع الناس في الخطأ وحتى لا يخالفوا تعليمات التجوال في الحديقة وحتى لا يسود الهرج والمرج مرة أخرى بسبب شائعات أو تحريضات أو آراء شاذة ومغرضة, ولا مانع من بعض الإعلانات التي تحمل صورا لفنانات وفنانين ولاعبي كرة وإعلانات بيبسي وماكدونالد, وأحاديث عن الانتصارات والإنجازات الوطنية.
وظهرت ثمة معضلة في الموضوع, وهي من أين نأتي بأعداد كبيرة من الأراجوزات لتعمل في الحديقة, إذ تحتاج الحديقة على الأقل لعشرة آلاف أراجوز, وتم عمل إعلان بسيط لوظيفة أراجوز وأراجوزة, وللمفاجأة تقدمت أعداد كبيرة وبعد اختبارات شكلية بسيطة تم تسكين الأراجوزات في الأكشاك, وعمل مسرح للعرائس على مساحة كبيرة في الحديقة, وبدأ العمل يوم عيد الثورة المجيدة.
في البداية فرح الناس بالأراجوزات وبمسرح العرائس والحواة والمتصارعين والمتعاركين, ووجدوا فيها ما يسلي ونسوا مشاكلهم مع إدارة الحديقة, وانصرفوا عن زيارة الحيوانات القديمة المتهالكة حتى بدت تلك الحيوانات هزيلة حزينة, ومرض الأسد وأصابته حالة من الخمول المزمن فلم يعد يتحرك في القفص, وأعلنت إدارة الحديقة عن سحبه ووضعه في مصحة للطب البيطري على أن يحل النمر مكانه في القفص, وتوقفت القرود عن القفز, وحط النسر على الأرض يشارك بقية الطيور طعامهم, وتوقفت العصافير عن الزقزقة, وتوقف الحمام عن الهديل, وانتشرت أنواع غريبة من الثعالب الصغيرة والذئاب المتحورة والكلاب الضالة والثعابين السامة.
وكان من المعتاد أن تسرح بقايا الحيوانات نهارا لتحدث حالة من الرهبة لدى زوار الحديقة وربما تتسرب لتفزع أهل المدينة, ثم يأتي المساء فتوقد مصابيح أكشاك الأراجوزات, ويفتح مسرح العرائس أبوابه, ويسهر الناس يشاهدون ويمرحون ويتبادلون النكات وينسون ما حدث لهم أثناء النهار, ويرقصون ويغنون ويشربون حتى تتثاقل رؤسهم فيسقطون في غيبوبة نوم لا يستيقظون منها إلا بعد الظهيرة ليعاودوا دورة حياتهم المليئة بالمفاجآت.
في البداية كانت الأراجوزات كلها تسخر من أفكار وعادات وتقاليد بعض الفئات وكان الناس يضحكون ويتلهون ويشمتون, ولكن بعد فترة ونظرا لكثرة الأراجوزات وتنافسهم على جذب الناس وتحقيق أعلى قدر من التذاكر, بدأوا يسخرون من بعضهم البعض, ويسبون بعضهم, والناس يتفرجون ويتلهون, إلى أن جاء يوم واستيقظ الناس على حريق هائل في الحديقة يعتقد أنه تم بفعل أحد الأراجوزات انتقاما ومكايدة لأراجوزات أخرى منافسة أو معادية, ولم تفلح جهود رجال المطافئ (المتأخرة) ولا سياراتهم (المتهالكة) وخراطيمهم (المثقوبة) في السيطرة على الحريق, وامتد إلى مساحات كبيرة في المدينة التي شعر أهلها بالحزن والندم الشديد, وخرجوا يطالبون بعودة حديقة الحيوان كما كانت.
واقرأ أيضًا:
أنا السيسي / مصر بعد الانقلاب: الأمن عاد، والخوف ساد! / الدم الرخيص / سيكولوجية الثورة