لم أكن وأنا بذلك الزمن البعيد وقد طرقت أبواب العقد العشرين بأني أفتتح إحدى بوابات الجحيم.
صديقي الكبير العالم وائل، سحقت الدنيا أحلامي الصغيرة باكراً لكني محاربة، عادة ما أخوض معاركي الداخلية والخارجية وأكسب الكثير وأخسر الكثير.
عندما أعياني المرض طرقت باب طبيب كيميائي، كتب لي وصفة دون سماع قصة السقوط للقاع فالعيادة مكتظة وتبدو قصتي وآلمي رواية لا تستحق الذكر.
لم أجد من يستمع لألم يعتصرني مرات ومرات، فآثرت الصمت وابتلاع حبوب كثرت أعدادها وانعدم مفعولها.
كمحاربة، نزعت قناع المرض وارتديت ثوبا باسما نجحت وحققت الكثير، رحلة الكفاح سيدي كأم وحيدة رحلة قاسية أشبه بطريق الآلام، وجدت بعض السلوى ببعض الكتب وشخصياتها ولربما دمجت نفسي كشخصية هنا وهناك أما العالم الخارجي أقسى مما تتخيل وقلبي الهش لا يعرف سوى المحبة، لم يُدخل يوما بقاموسه الكره ولم يتجرع يوما حب الانتقام، تماما كزهرة يافعة بالربيع، اغتالها الشتاء بقسوته.. من محاربة يانعة غضة كأغصان الربيع، كالزنابق لكن بأفواه البنادق، حان الوقت لاستراحة محارب.
بعقدي الثالث رأيت الكثير، أنجزت الكثير، فشلت مرات ونجحت مرات.
كل معضلة وقفت لها بقوتي وصمودي، لكن معركتي الخاسرة مع الإدمان، المعركة الدائرة منذ سنين مضت، أخيرا أرفع لها الأعلام البيضاء.
أعيى إدماني الأطباء، وأهان كرامتي هذا الداء، بات مقدسا وأولوية على قائمة السيدة البائسة.
بشجاعة أدخلت نفسي لمصحة لإيقاف هذا الجنون، لكني أخسر معركتي الأخيرة مرة أخرى، يقتلني الذنب ولأقلل شعور الذنب أعود لأتجرع المزيد في طريق الموت.
وائل يا صديقي لا ألوم طبيبي الذي وضعني على بداية الطريق، فأنا قارئة وأعطاني الخالق بعضاَ من العلم، لكن نفسي وما أدراك ما نفسي وجدت الطريق الأسهل لكل يوم يحمل ألما أو صداعاً قاتلا.
وائل يا صديقي ماذا تقول لامرأة تحتضر، لم تعد الدنيا بجمالها وبريقها يسعد قلبها الهش، لم يعد منظر شروق الشمس ذلك المشهد الجليل الذي ينثر السعادة بقلبي المسكين يسعدني، كنوز الأرض وبل نجوم السماء وبريقها، ضحكات طفل وابتسامة من حبيبة الروح أمي باتت أمور لا تعني لروحي شيئا.
خسرت معركتي يا صديقي، وأنتظر الموت بجرعة زائدة ومضاعفات خطيرة.
أعتذر لك يا أمي لطالما وجدتني أشبه بكائن منقرض لربما ديناصور أبى الانقراض وحارب للنهاية.
أعتذر منك يا أبي ابنتك التي ورثت منك حبها للأدب الإنجليزي وحاورتك ساعات طوال تخسر هذه المعركة.
يبقى الأهم فلذة كبدي، وتوأم روحي، وصديقي الصغير والفتى الذي أصبح رجلاً بأفعاله وأقواله، أحبك يا مقلة العين ونبض الفؤاد، أحبك يا سحابة الصيف، ونجمة السماء، أحبك يا نقاء الثلج، يا بريق الشهب المحلقة في الفضاء.
تذكر أنت أعيادي، ورصيد ضحكاتي، أنت جنتي ورداء ضمني برفق وحب.
تذكر أنت ملهم قلمي، وحديث كلماتي، يا من تسكن كل شريان، وتتربع بقلبي كسلطان.
علمتك بأن الغفران فضيلة، فاغفر لي رحيلي، يبقى أن أنفرد ساعات طوال بخالقي، طالبة الرحمة، إلهي أسألك بأسمائك الحسنى بأن ترفق بي، وترحم قلبي، وأنت تعلم وأنا لا أعلم، أنت خالق وأنا من خلقك، لا أملك سوى أملي برحمتك وعظمتك.
ألهم أمي وأبي الصبر والسلوان، فلا أستحق دمعة من دموعها الثمينة ولا غصة ألم من قلبه الكبير.
ولدي الوحيد، أعظم هدية في هذا الكون الفسيح، أسألك يا إلهي بقوتك وعظمتك بأن تحميه يا خالق الكون تبارك اسمك سبحانك ما أعظمك.
تمنوا الرحمة لروحي الضائعة.
روح ضائعة
واقرأ أيضًا:
قهوة قلبي سادة / شبح كاتبة / الربيع من جديد