«سأبدأ الريجيم غدًا»، «سأقرأ الكتاب الأسبوع القادم»، «سأبدأ الرياضة يوم السبت»، وغيرها، عبارات نرددها بيقين مطلق، وكأننا نتحدث عن مواعيد محددة في أجندة منظمة، لكن الحقيقة أن «غدًا» في قاموسنا ليس يومًا من أيام الأسبوع، بل مكان سحري لا نصل إليه أبدًا!
نعيش في عالم مليء بالنوايا الحسنة والخطط المؤجلة، نؤجل أحلامنا ومشاريعنا ونشاطاتنا المهمة إلى ذلك «الغد» الذي سنكون فيه أكثر استعدادًا، أكثر تحفزًا، أقل انشغالًا، وأوفر طاقة، «غدًا» سنكون نسخة أفضل من أنفسنا، نسخة منضبطة وملتزمة ومنجزة، أما اليوم فهو مجرد بروفة!
لكن هناك شيئا غريبا في هذا «الغد» المثالي، فهو دائمًا يبقى على بُعد يوم واحد منا، مهما مر الزمن، كأنه يجري أمامنا بنفس سرعة مشينا، فحين يأتي الغد الحقيقي، نجده مليئًا بنفس ظروف اليوم، نفس الانشغالات، نفس الأعذار، ونفس الرغبة في التأجيل!
الجميل أننا خبراء في إيجاد المبررات لهذا التأجيل، فنقول «الوقت ليس مناسبًا الآن»، «أحتاج لأكون في مزاج أفضل»، «دعني أنهِ هذا الأمر أولًا»، «سأبدأ في بداية الشهر القادم»، «أنتظر انتهاء الضغوط الحالية»، وكأننا ننتظر إشارة كونية تخبرنا أن الوقت المثالي قد حان، أو كأن هناك يومًا سحريًا ستختفي فيه كل العوائق وتصطف النجوم لمصلحتنا!
ما لا ندركه أن التأجيل أصبح عادة، نوعا من المخدر النفسي الذي يريحنا مؤقتًا من ضغط المسؤولية، فحين نقول «سأفعل ذلك غدًا»، نشعر وكأننا قد فعلناه فعلًا، نأخذ الراحة النفسية من مجرد التخطيط من دون الحاجة للتنفيذ!
لكن هذا التأجيل المستمر يخلق دورة مدمرة من الإحباط والندم، فكل يوم نؤجل فيه هدفًا، نراكم عليه وزرًا نفسيًا إضافيًا، ونصبح أكثر ثقلًا وأقل ثقة في قدرتنا على التغيير، وهكذا تتحول أحلامنا إلى مصدر للقلق بدلًا من أن تكون مصدر إلهام، وقد نتجنب حتى التفكير فيها لأنها تذكرنا بفشلنا في البداية.
الحل ليس في انتظار اليوم المثالي، لأن هذا اليوم لن يأتي أبدًا، الحل في أن نتصالح مع فكرة أن البداية تكون دائمًا غير مثالية، مليئة بالعوائق والتحديات والشكوك، لكنها مع ذلك تبقى.. بداية حقيقية!
أن تبدأ اليوم خطوة صغيرة واحدة، أفضل ألف مرة من أن تخطط غدًا لخطوة كبيرة لن تحدث أبدًا، فالحياة لا تنتظر الظروف المثالية، والنجاح لا يحتاج لموافقة مسبقة من الكون، ولا يشترط أن تكون في أفضل حالاتك لتبدأ.
ربما الوقت قد حان لنعترف بأن «غدًا» مجرد وهم جميل نختبئ وراءه من مواجهة «اليوم»، وأن أفضل وقت للبداية ليس غدًا.. بل الآن!
واقرأ أيضًا:
الذكاءات المتعددة / الذكاء العاطفي.. حين يصبح عبئاً!