"هل هي سنة إلهية في الزواج؟"
مر فتى على جدار في طريقي إلى منزلي فكتب عبارة أقرؤها ذهابًا وجيئة، وفي كل مرة أقرؤها؛ أتبسم عن مقدار عمق (أدب الجدران) كما يحلو لبعضهم تسميته.
وهو أمر حملني يومها على جمع مادة ليست قليلة من الكتابات الجدارية، وتقديم قراءة تربوية توجيهية حولها، قدمتها لطلاب المرحلة الثانوية إذ كنت مرشدًا طلابيًا وقت ذاك 1425هـ -2005.
وحتى لا أطيل عليك في المقدمات دعني أخبرك بالنص الذي كتبه هذا الفتى "كل القلوب مستعملة"، لا أخفيك لم أتجاوز المفردة لأني عدت وغردت بها في أوائل سني حضوري في تويتر 2012وكان نص التغريدة يقول:
هل صحيح أنّ (كل القلوب مستعملة) وأين القلب البكر؟ حتى قلوب الأطفال مرت بتجربة حب لعبة يومًا ما قبل لعبته الحالية.
ولست هنا أريد أن أزهدك في حب من تحب فكلاكما أحب شيئًا ما قبل ملحمة حبكما هذه، ربما!!
ولكني أريد توجيه حدقة النّظر إلى سنة إلهية تتصل بالزوجية، وربما كانت مسألة تحتم على القلوب أن تبدل كل مرة محبوبها، لأن النّظام السنني الذي يطال القلوب لا مفر منه ولو حاولنا ذلك بكل ما أوتينا -والله أعلم-
فمثلا ربما كان من السنن الإلهية التي لا تتخلف حتى مع الانبياء إذا اشتد حبك الشيء ابتلاك الله فيه؛ لأن الله لا يرضى أن يشاركه أحد في قلب عبده المؤمن؛ فالله يغار. كما صح بذلك الحديث في البخاري ( إنَّ اللَّهَ يَغارُ) ([1]).
قال ابن القيم في روضة المحبين: "والله سبحانه وتعالى يغار على قلب عبده أن يكون معطلا من حبه وخوفه ورجائه وأن يكون فيه غيره؛ فالله سبحانه وتعالى خلقه لنفسه واختاره من بين خلقه كما في الأثر الإلهي: ابن آدم خلقتك لنفسي وخلقت كل شيء لك"([2]).
والسنة الإلهية التي نلفت إليها هنا، أنه متى ما انشغل قلب العبد بمحبوب غير الله تعالى أو تعطل عمل قلبه وجوارحه عن حب الله، أحدث الله لهذا العبد ذكرًا وأنثى ما يرده إلى ربه ويحدث الوحشة بينه وبين هذا المحبوب؛ لأن الله يغار على قلب عبده المؤمن!!
يواصل ابن القيم فيقول: ويغار على لسانه أن يتعطل من ذكره ويشتغل بذكر غيره ويغار على جوارحه أن تتعطل من طاعتهاـ ([3]).
وتأتي الوحشة والابتلاء مع محبوبك في الدنيا بنظام وسنة الحب الإلهية على العبد المسلم الذي يحبه الله والتي يوضحها ابن القيم بقوله:
وإذا أراد الله بعبده خيرًا سلّط على قلبه إذا أعرض عنه واشتغل بحب غيره أنواع العذاب حتى يرجع قلبه إليه، وإذا اشتغلت جوارحه بغير طاعته ابتلاها بأنواع البلاء وهذا من غيرته سبحانه وتعالى على عبده وكما أنه سبحانه وتعالى يغار على عبده المؤمن فهو يغار له ولحرمته فلا يمكن المفسد أن يتوصل إلى حرمته غيرة منه لعبده فإنه سبحانه وتعالى يدفع عن الذين آمنوا فيدفع عن قلوبهم وجوارحهم ([4]).
وركز معي الآن لنفهم ابتلاء الله لطائفة ممن يحبهم:
وقد اشتهر أن ابتلاء الله تعالى خليله إبراهيم عليه السلام بذبح إسماعيل عليه السلام لأجل فرط حبه، وابتلاء الله تعالى نبيه يعقوب عليه السلام في يوسف عليه السلام لأجل فرط حبه.. وهنا يحق لنا أن نتساءل، إذا كان حب الولد يحدث معه كل هذا الابتلاء العظيم، فكيف لا نتساءل هل ما يحدثه الله من مشكلات صادمة بين الزوجين المحبين لبعضهما سببه عمل هذه السنة الإلهية التي لا تتخلف؟
ولكأن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يجيبنا كيف كان الحب الزائد من أحد الزوجين يجلب لهم تحرك تلك السنة في روايته لحب مُغيث لبريرة، الحب الذي تعجب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال لعمه العباس رضي الله عنه: "يا عَبَّاسُ، ألَا تَعْجَبُ مِن حُبِّ مُغيثٍ بَرِيرةَ، وَمِن بُغضِ بَرِيرةَ مُغيثًا!" ([5]). ومغيث كان يسير خلفها في سكك المدينة ويبكي لفرط الحب.. وهي تتأبى عنه، لأن القانون الإلهي اقتضى أنّ الله يغار على قلب عبده وأمته!
ولو تأملنا فإن بعض الأزواج يحبون بعضهم حبا مفرطًا وعلامة كونه يزاحم حب الله تعالى أن هذين الزوجين يحصل بينهما من النفرة والمشكلات ما يستعصي على الفهم، لأنهم يصرحون للمستشارين أنهما يحبان بعضهما غاية الحب.!!
ونستفيد من كلام أهل العلم هنا أن كل زوجين يحب أحدهما الآخر حبا يزاحم منزلة حب الله لابد أن تعمل السنة الإلهية بينهما لأن الله يغار على قلبيهما أن يزاحم الله فيهما أحد.. ولهذا صحت الدعوة إلى أن نبحث كيف يهيمن حب الله على قلوبنا؟
في تواصلي مع بعض الزملاء لقراءة هذه المقالة قبل نشرها، ذاكرني أحدهم بقصة لشاب تزوج فتاة، وكان هذا الزوج مثقفًا ووسيما صاحب ذوق فأحبته زوجته حبا عظيمًا، ومع مرور الأيام أزعجه تعلقها المفرط وأصبح ينهاها عن مبالغتها في حبها المفرط ، وسبحان الله -ما أشبه الليلة بالبارحة- وبالفعل تحركت هذه السنة بينهما وطلقها بعد مشكلات طويلة عريضة.
ولعلك أخي القارئ الكريم تحتفظ في ذاكرتك بشبيه هذه القصص والأخبار، التي تدعونا إلى الاتزان في الحب؛ فالله يغار على قلوب عباده وإمائه!
أيها الزوج.. أيتها الزوجة.. قلوبكم المحل الأول لنظر الرّب، فانتبهوا لعدم الاتزان في حبكم، فإنه يجلب ما يهدد هذه العلاقة، فالله أولى بك من كل أحد مهما بلغ من الأهمية لديك، ولعمري لو أعملنا مثل هذا لهدأ كثير من التوتر الاجتماعي الذي ابتلينا به في هذا العصر.. والله أعلم.
أيها الزوج.. أيتها الزوجة.. الله أولى بقلوبكما والقصد القصد تبلغوا والهدي الهدي تبلغوا..
أيها الأزواج اقتلوا بعض حب أزواجكم في قلوبكم على مقصلة الاتزان. فسنة الله هنا لا تتخلف!!
المراجع:
([1]) رواه البخاري حديث (5223)
([2]) روضة المحبين ونزهة المشتاقين، لابن قيم الجوزية، ص304
([3]) المصدر السابق
([4]) المصدر السابق
([5]) رواه البخاري حديث (5283)
واقرأ أيضًا:
الحب الإلهي / ألف باء علاقات زوجية