أنا شاب في الخامسة والثلاثين من العمر، عربي مقيم في بلد خليجي، متزوج منذ خمس سنوات، ولدي طفل واحد، أنا جامعي وأعمل في شركة، ودخلي جيد والحالة مستورة. أردت طرح هذا الموضوع عليكم لما له من تأثير سلبي علي، ويمكن أن يكون له نفس التأثير على كثير من الشباب أيضا.
أولا: لا أدري إن كان ما أقوله يشكل حالة مرضية أو حالة صحية يحس بها كثير من الشباب غيري، ولكنهم يتعاملون مع هذا الإحساس بطريقة أخرى، وذلك باختلاف ظروفهم التي يعيشونها. أود أيضا الاعتذار سلفا عن طول كلامي وبعض ألفاظي، ولكني قصدت شرح الموضوع بأكبر قدر من التفصيل والوضوح لكي يكون هناك أكبر قدر من التحليل الذي يساعد في فهم الحالة وإعطاء الحل.
اسمحوا لي أن أدخل في الموضوع الآن:
لقد تزوجت منذ خمس سنوات، وعشت بدون زوجتي في الغربة ثلاث سنوات بعد زواجي بسنة واحدة، كانت فترة الزواج مليئة بمشاكل وتعقيدات، والآن استقرت الأمور شيئا ما، وخاصة عندما استقدمت زوجتي إلى هنا، حيث سفري وقد رزقنا الله بطفل قبل حوالي شهر.
الحقيقة أنا شاب أتمتع والحمد لله بإيمان في صدري كبير (مقارنة مع البعض حسب رأيي)، أحافظ على الصلوات غالبها في المسجد، وأحافظ على الزكاة والصيام، وأنوي الحج في أقرب فرصة إن شاء الله، بالإضافة طبعا إلى القيم والأخلاق الإسلامية العديدة الأخرى.
مشكلتي أيها السادة هي النساء..!!، وأود أن أفسر فأقول:
أولا: الحمد لله لم أقترف الزنا في حياتي أبدا، ولكني ومنذ زمن بعيد (مرحلة المراهقة وظروفها السلبية الخاصة بي) النظر عندي إلى النساء كثير، وطبعا أنظر إلى مواضع العورة منهن، أحدق في أجزاء معروفة في أجسام النساء بشهوة وتلذذ، وكنت أسترق النظر إلى بعض النساء من خلال البيت، وشاهدت بعض الأفلام السينمائية والفيديو.
وكنت أيضا في بعض الأوقات وأخجل أن أذكر هذا، ولكني أود أن أفضفض عن كل ما عندي لتعرفوا حجم مشكلتي كنت أضم بعض الأولاد أو البنات الصغار تحت عشر سنوات إلى حين قضاء شهوتي بلمس أجسامهم، وأمور أخرى كنت أفعلها أيضا لا داعي لذكرها، ولكن كل هذا قديم.
أيضا أرى الكثير من الصور الجنسية الخليعة على الإنترنت، وقد تعودت هذه العادة، وبدت عندي كثيرا عندما قدمت إلى هذا البلد، وبقيت لمدة ثلاث سنوات بدون زوجة أي غير مرتاح نفسيا، وأيضا لا أحد يسأل أين كنت ولا رقيب... ورغم أنه حدثت بعض المتاعب وبعض الإحراجات أحيانا بسبب هذه العادة في العمل إلا أنني لم أتركها، وحاولت التفنن في التقاطها مكانا وزمانا.
والآن وبعد أن هدأ روعي بعد إحضار زوجتي إلا أنه بعد فترة أصبحت شهوتي تتوق شيئا فشيئا إلى النساء خارج البيت، وبعد سنة تقريبا أصبحت أتوق إلى رؤية النساء والتلذذ بالصور والأفلام الجنسية القصيرة على الإنترنت، وأصبحت أشعر بشعور مشابه للذي كان يعتريني عندما كنت أريد الجنس وزوجتي بعيدة عني.
والسؤال المهم الآن والذي قصدته بكلمة إحساسي في البداية هو: لماذا أحس بلذة كبيرة جدا بمشاهدة النساء في الخارج والسعي لذلك وأتمنى المعاشرة الجنسية خارج الزواج... وبالمقابل لا أحس بذلك مع زوجتي، وكأن الشهوة حادت عن الزوجة، واتجهت إلى أي امرأة أخرى أريد أن أجربها من جديد وأشعر بدافع قوي تجاهها.
وقبل شهر وعن طريق العمل تكلمت مع بنت على التليفون، واسترسلنا بالكلام أكثر وتعرفت على اسمها وجنسيتها، وعاودت الاتصال عدة مرات بها، وفي يوم لاحق اتصلت بها وقلت لها: أنا قادم لآخذك بسيارتي، ونذهب نعمل جولة، وكان الوقت ليلا، طبعا كنا قد تكلمنا فيما سبق عن التلاقي والطلعة وظروفها و... فردت علي في ذلك المساء وقالت: "أوكي" وانتظرتها في مكان لمدة قصيرة وأتت وركبت السيارة وتحركت بها.
كانت هذه أول مرة في حياتي أخرج هكذا، ورغم يقيني بالمشاكل الرهيبة والمدمرة بالنسبة لي ولها والتي ستحدث إن شاهدنا مع بعضنا أحد يعرفنا، كانت رغبتي الشديدة في التجديد والتجربة والشعور بالانبساط أقوى (رغم أن هذه الفتاة لم تكن تشكل ولا حتى 50% من جمال زوجتي التي هي نعم الزوجة الصالحة بكل ما في الكلمة من معنى، فهي التي وقفت معي وساعدتني إلى أبعد الحدود في كل جوانب حياتي، وحلت لي كثيرا من مشاكلي)، لا أخبئ شيئا فقد وصلت بها إلى مكان لا أحد يعرف أبدا به، وكانت الساعة حوالي التاسعة والنصف ليلا وكان المجال (بالنسبة لي) مفتوحا كليا ولا أحد يرى شيئا.
وبدأت بالكلام معها، وكنت أمهد لموضوعي بعض الشيء (كان في رأسي أن يكون هناك بعض المداعبات لها والقبلات، وربما مشاهدة أجزاء من جسمها، ولم يكن تفكيري يذهب إلى حد الزنا بها بالمعنى المعروف بالكامل، فقد كان تفكيري فقط ينحصر في امتلاك امرأة جديدة بين يدي، وقضاء شهوتي في أحضانها، وربما كل ذلك كان يستغرق ربع أو نصف ساعة) على كل حال فإن النتيجة كانت مفاجأة لي.
عندما وصلت معها إلى: "شو رأيك حابب اعمل شي هيك معاكي"، قالت "متل شو، قلت ..."، ففاجأتني بعد كل هذا التقدم والوصول والرضا بهذا الزمان والمكان والحالة التي نحن بها وقالت: "لالالالا"، فحاولت إقناعها ومراوغتها (كنت بيني وبين نفسي أتعجب من كلامي بكل هذه الجرأة معها، وكذلك أشعر بلذة في هذا الكلام) فقالت لا، فقلت "خلصيني بقا. خلاص يا... يلا عاد"، لقد كان هناك شعور لا أدري أي نوع من الثقة هو موجود بيننا، ورفضت وقالت خلينا نروح أحسن.
ومع مرور الوقت في الكلام، ومحاولتي التي اصطدمت بحاجز من الخيبة والحسرة والضيق قالت لي كلمة غيرتني وأوقفت إلى حد ما البركان الثائر في داخلي، قالت: أنا وثقت بك وأنت احترمني واحترم رأيي وخلينا نرجع، أيقنت أن لا مجال معها بالحسنى أبدا، ولم يكن وضعي يسمح بأخذ شيء بالقوة منها لأسباب كثيرة ومشاكل قد تحصل.
وهكذا عدنا بدون أي شيء ولا حتى لمست يدها وشيء ما تحرك في داخلي، وبدأت في طريق العودة بإلقاء محاضرة عليها في الأخلاق، وعدم تكرار هذه الطلعة مع أي شخص آخر وذلك من باب النصيحة من أخ لأخته، وأن تحمد الله لأن تجربتها الأولى كانت معي، وليس مع أي شخص آخر، ولو حصل لكان من الصعب جدا أن تنتهي هذه الحالة بكل ظروفها كما انتهت معي وكما أرادت هي، ومن ثم اعترفت باحترامي لموقفها وشكرها على أنه لم يحصل أي شيء بيننا مما كان بداخلي، وكان ذلك سيؤدي إلى غضب من الله أكبر بكثير.
وبعد يومين أو ثلاثة بدأت نار الشهوة الجنسية تتوقد من جديد (وتخنقني)، ولا أبالغ إذا استعملت هذه الكلمة، وأود التركيز على هذا الشعور الذي ينتابني بالضيق الكبير جدا، ولا أخبئ كان هناك إحساس بداخلي يقول كانت بين يديك، لماذا لم تأخذ شيئا؟ ذهبت الفرصة أنت لا تفهم، اتصلت بها وعرضت عليها اللقاء ثانية وثالثة، وحاولت ولكنها رفضت وقالت أنت قلت كلمة (إننا لن نلتقي مرة أخرى) وخلاص وربما أحست أن تلك الطلعة بعد كلامي لها كانت غلطا قد يكلف الكثير، ولم تأت أبدا وقطعت الاتصال بها.
ثم هناك موضوع آخر أود التطرق إليه سريعا، عن طريق الإنترنت تعرفت على بنت من بلد آخر أخذت أتصل بها على التليفون رغم ما يكلف التليفون من مال بسبب المكالمة الدولية، وشاهدتني زوجتي مرة، وأنا أتكلم معها في الساعة الثانية ليلا، وبعد مشاجرة بيننا اعترفت لزوجتي أنها بنت من بلد آخر تعرفت عليها عن طريق الإنترنت، باختصار تفهمت زوجتي موقفي ببكاء وذكاء رهيبين، ورق قلبي لها، وقالت "أوعدني أنك لن تعيد الاتصال بأي بنت وأن لا تتأخر في العمل"؛ لأنها أيقنت أن كل التأخير كان من أجل الإنترنت وليس العمل الزائد، مما كان يسبب الغياب الطويل ليلا حتى الحادية عشرة والثانية عشرة، وأحيانا أكثر التغيب عن البيت والتقصير بواجبات الزوجة والطفل في أغلب الأيام وخاصة في حالة المرض وفترة الحمل والولادة...
وإلى الآن أتصل بهذه الفتاة في أوقات متفرقة وأسترق الأوقات وأهدر المال على كلام فيه نوع من الغزل والجنس، ولكني قللت إلى حد كبير التأخير عن البيت، وما زالت عادة "الشاتنج على الإنترنت" ومشاهدة بعض الصور مستمرة، ولكني أود الابتعاد وفي كل مرة أعود مرة ثانية.
هل يمكن أن يكون لزوجتي سبب بدون قصدها في هذه المشكلة عندي، خاصة أني أشعر أنها فاترة جنسيا معي؛ أي أنها لا تثور، ولا تستشعر معي عند المعاشرة، بل أثور أنا وحدي وهي لا تثور في معظم الحالات إلا في النهاية طبعا عند القذف، وذلك يشعرني بالضيق والألم ولو أني لم أقترب منها لمدة طويلة، وأنا متأكد لو لم أقترب منها لشهر أو ربما شهرين أو ثلاثة فهي لا تطلب الجنس وصارحتها مرة بهذا الأمر ولم تبد اهتماما.
عن كل هذه القصص أود الإقلاع، ومع كل هذا الحرص أريد الإقناع، واعذروني يا إخوتي ويا أحبائي إذ إنه بدون توفر الإقناع صعب إن لم يكن مستحيلا الإقلاع، وسأسقط في شر أعمالي، ويزول القناع وأعرف أن ذلك لا يرضيكم فساعدوني.
جزاكم الله خيرا.. أخوكم: الحائر.
26/ 7/ 2004
رد المستشار
الأخ الحائر العزيز أهلا وسهلا بك على صفحتنا استشارات مجانين.
أحييك أولا على شجاعتك وعلى صحوة ضميرك المسلم، رغم كثرة غفلته، وأنت تعتاد المعاصي من حين لآخر، فالحقيقة أنني أرى في إفادتك هذه صحوة ضمير مثلما أرى رغبة في الخلاص من الفعل الذي يغضب الله، وتساؤلات تصل إلى حد لماذا يغضبه الجنس رغم أنه لذيذ؟ مثلما يفهم من تساؤلك عن لماذا يكتفي المسلم بالزوجات الأربع؟ وكأن هذا العدد قليل في نظرك! والحقيقة أن متعة المؤمن الحلال لا تغضب الله أبدًا، ولكن المشكلة الفكرية عندك أنت هي أنك لم تتعمق في فهم موقف الإسلام من المتع والشهوات، فهي دائما أبدًا مقرونة بالمسئولية والعدل.
لم يخرج إطار سلوكياتك منذ مرحلة المراهقة وحتى تزوجت عن إطار اليوميات العادية لشاب عربي قليل الالتزام حسبه أنه اجتنب الزنا، وأما ما دون ذلك فحدث ولا حرج، وهكذا قطاع كبير من شباب المسلمين نحمد الله أنك لم تكن في فئة من هم أدنى من ذلك التزاما.
وأما ما فعلته من تحرشات جنسية ببعض الصغار من الجنسين -سامحك الله- فأمر لا أظنه يقع ضمن أفعال الشاب المسلم العادي غير الملتزم؛ ولأنك لم تفصل فيه فإنني لن أفصل فيه أيضا ولكن فقط أحيلك إلى الرابطين التاليين من على موقع مجانين لتعرف منهما أن العواقب النفسية على المتحرش بهم لا يشترط أن تكون وخيمة كما يشيع بين الناس: الضرار الجنسي ليس دائما ضرارا!
التائب من الذنب كمن لا ذنب له
نصل بعد ذلك إلى ما حدث بعد الزواج، وخاصة في الفترة التي كنت فيها وحيدا دون زوجتك في دولة خليجية، لمدة سنوات ثلاث وأدمنت أثناءها النظر إلى أجساد النساء خاصةً المواضع المثيرة منها، وأتساءل هنا: وعلى أي شيء ينظر من لا ينعم الله عليهم بالقدرة على غض البصر؟ إنهم بالطبع ينظرون إلى هذه الأماكن، حتى إنني تذكرت بيت شعر كتبته أيام كنت طالبا في كلية الطب وأنا أنتقد الحجاب غير الملتزم بشروط الحجاب المعروفة (ألا يصف وألا يشف.. إلى آخره) وقلت فيها متهكما:
ما الذي تخفين عنا غير شعر قـلّ ما تـرفع أنظار إليه!
إذن فمعنى أن رجلا ما لا يغض بصره هو أنه ينظر إلى مواضع الفتنة في جسد المرأة، وليس إلى وجهها أو شعرها مثلا، أي ليس هناك ما يستدعي الاستغراب، وأما المهم فهو إدمانك مشاهدة الصور العارية ولقطات الفيديو على الإنترنت فهذه هي الطامة الكبرى التي ابتلي بها قطاع عريض من شباب أمتنا مع الأسف الشديد، وسبب ذلك هو أنها تفرض صورا وخيالات آخرين علينا، فما ينتج في نفسية المشاهد لممارسة ما أو وضع جنسي ما خاصة في ظروف إثارته هو:
أولاً: التضييق على الخيال النابع من شخصيته هو وخلفياته هو المعرفية، فمثلا ضمن إطار ثقافتنا -ودون التعرض لإفرازات ثقافة
وحضارة الغرب- ربما أبدع الزوج وزوجته أوضاعا لا يعرفها سواهما، وليس لأحد أن يشاهدهما وليس لأحد منهما أن يحكي لآخرين عن ذلك، وبالتالي تظل مساحة الخيال حرة بين كل زوجين دون حجر من أحد عليها.
وثانيا: الوقوع في أسر تصورات وتخيلات مثيرة مرتبطة بثقافة مبدعيها ورؤيتهم للمرأة والجنس والحياة وهي مختلفة أصلا عن ثقافتنا نحن، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وأحيلك هنا إلى مقال أخي الدكتور أحمد عبد الله: في الجنس وغيره أخطر مما يسمي غزوا، وكذلك إلى إجابته على موقع مجانين، تحت عنوان: الجنس والعولمة: الحلال والحل، وكان –وكل ذلك طبعا- على خلفية خبراتك الجنسية السابقة وانفلاتك وراء رغباتك، كان أن امتد الأمر معك وتطور إلى حد أنك أصبحت لا ترى في المرأة إلا الجنس، ولا ترى في حياتك أنت أهم منه كمتعة تصيبها في الدنيا.
وبينما تتساءل أنت عن تلك القوة الرهيبة والطاغية التي يملكها الجنس في حياتك، وتمدّ التساؤل إلى هل هي كذلك في الآخرين؟ وماذا تراهم يفعلون؟ أراك تضع يدك بنفسك على نقطة الضعف الكبيرة التي يتم من خلال فهمها والتعامل معها فتح باب العلاج الثقافي المعرفي النفسي لحالتك هذه، والذي لا مدخل له عليك إلا من دينك، لأن أي فهم آخر -غير دينيّ الانطلاق والتوجه- لن يرى مشكلة معك أصلا.
فمثلا ستدور الردود الطبنفسية الغربية التقليدية في الرد عليك إلى أشياء مثل: وماذا يضايقك؟ إذا لم تفلح في تجربة مع امرأة جرب أخرى، ولكن إياك أن تهمل عملك أو زوجك أو أطفالك، فإذا استطعت الوصول إلى درجة مقبولة من التوافق بين انفلاتك واستجابتك لرغباتك وبين التزامك الوظيفي والأسري والاجتماعي فأنت لا غبار عليك (إنسان طبيعي).
ويراك دينك غير ذلك تماما فما رأيك؟ أنت بحاجة إذن إلى تفعيل ما تؤمن به دون وعي دائم منك بما يعني، وأقصد أن الله يراك، وإن لم تكن تراه فإنه يراك، أليس كذلك؟
ماذا تفعل أنت حين يواجهك مثل هذا النوع من الوعي؟ ألا تشعر بالخجل والخوف معا من الواحد الأحد الذي تعبده؟ لعلك ستقول له يوم القيامة:
(كنت أتوق إلى البنات بشكل جارف، وليس عندي ميل كبير للزوجة، وكنت مريضا مدمنا للبحث عن الجنس في الخارج بطرق عديدة، أتفنن في ذلك ولم أكن أستطيع ترك هذا الأمر، كنت أهرول وراء اللذة الجنسية، وأنسى العواقب المدمرة التي قد تعقب أي محاولة، ووالله كنت أحب الابتعاد والعودة إلى الحياة العادية التقية، ولا أقدر وأعود مرات ومرات، وأشعر أن كل شيء يغري بالجنس، ويذكر به وكانت للجنس قوة خارقة جارفة عليّ، وكان عدم تحقق الرؤية أو الاتصال أو الصور يسبب نوعا من الضيق في نفسي يكبس عليها ويخنقها، وكنت أسأل هل كل الناس يحسون مثلي، هل كلهم يتصرفون مثلي أم أغلبهم؟ وسألت حتى مشاكل وحلول للشباب على إسلام أون لاين وتأخروا علي في الردّ ثم أجابني وائل أبو هندي وأحمد عبد الله).
تخيل أننا نحن الثلاثة نؤمن بأننا سنقف هذا الموقف أمام الله، وستسأل أنت من بين ما تسأل عنه عن كل حرف كتبته لنا، كما سنسأل أنا وأحمد عن كل حرف كتبناه لك، ونحن ندرك ذلك دائما بفضل الله فهل تدركه أنت دائما أيضًا؟
يا أخي الحائر الفاضل هذه الضخامة التي يتميز بها موضوع الجنس في حياتك تطغى معرفيا وشعوريا على كل متعة، وهذا جزء مهم من السبب في مشكلتك، وهذا هو أيضا ما يرى أخي الدكتور أحمد عبد الله فيه ما يعطيه انطباعا عن حالتك بأنها حالة إدمان الجنس، والحقيقة أن مفهوم إدمان الجنس Sex Addiction هو مفهوم خرج إلى الساحة العلمية الغربية في الفترة الأخيرة، ويقصد به حالة أولئك الأفراد الذين تتمحور حياتهم حول الجنس، أو حول ممارسة جنسية معينة، بشكل يجعل اللهاث وراء الجنس والانزلاق في ممارسته قد تحوّل إلى شغل جـلّ حياة المريض، والذي يهمل كل شيء في حياته أسريا ووظيفيا واجتماعيا بسبب اندفاعه وراء الممارسة الجنسية مع أشخاص متعددين وفي كل مكان وكل وقت، ويصبح وصف الحالة بالإدمان تعبيرا عن التشابه بين ما تؤدي إليه العقاقير التي تسبب الإدمان في حياة مدمنها وبين النتائج التي تترتب على إدمان الجنس في مدمنه.
ويرى البعض في إدمان الجنس نوعا من الفعل القهري (من النوع الاندفاعي) Impulsive Compulsion، ويسمونه إدمان الجنس القهري Compulsive Sex Addiction، كما يرى البعض إدمان الجنس نوعا من العلاج الذاتي الذي يكتشف الشخص أن ممارسته تعطيه شعورا يحبه في نفسه ويخرجه من مشاعره السيئة ومن كروبه الضاغطة عليه في حياته، فيلجأ إليه مرارا وتكرارا إلى أن ينغمس فيه ويصبح مدمنا لذلك الشعور الجيد الذي يصاحب الممارسة إلى حد إهمال العواقب الوخيمة التي تحيط به من كل اتجاه في حياته، فهل مثل هذا الإنسان مدمن مريض أم مدمن ضال عن طريق ربه؟
وأنا أرى حالتك أبسط من ذلك بكثير في الحقيقة، فقد تكون مدمنا مشاهدة الصور ولقطات الفيديو الجنسية، وقد تكون مدمنا النظر إلى أجساد الفتيات، وقد تكون على علاقة بواحدة أو أكثر، وقد تتبادلان الجنس التليفوني إلى آخر ما ذكرت، وضربت أمثلة عليه في رسالتك، وقد تكون موسوسا بكل هذه الأشياء فلا تهتم بغيرها، وكل هذه مشاكل تتعلق بمتصل التحكم والتسيب أو القهرية الاندفاعية لكنني لا أرى الأمر في حالتك واصلا إلى حد أن نسميه إدمان الجنس.
سألتني بعد ذلك عن احتمال أن يكون دور لزوجتك في هذه المشكلة، وزوجتك كما يفهم من كلامك زوجة صالحة أنعم الله عليك بها، وأنت تحملها مسئولية تشوه وعيك بسبب ما انزلقت وراء مشاهدته وتخيله من ممارسات جنسية مخالفة إلى حد كبير على الأقل لثقافتنا السائدة حاليا في معظم البيوت، ولو أنها كانت مشوهة الوعي لما شعرت أنت بمشكلة من ناحية الممارسة الحلال معها ولا شعرت بأنها باردة ولا بأنها لا تطلبك وترمي نفسها عليك مثل ما ترى في لقطات الفيديو والصور، لكنك لم تكن سترى فيها الزوجة الصالحة وغالبا كنت لن تجد في سلوكها هذا عاصما لك مما أنت فيه الآن وتود الخلاص منه، أنا أراها بريئة تماما في الحقيقة.
وأما الجنس الفموي وغيره من الممارسات التي أشرت إليها فإن لشيخنا الجليل الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي فتوى بشأن هذا الموضوع وهي إجابة تنم عن فقه الشيخ، إذ يقول: "بالنسبة لقضية الفم أول ما سئلت عنها في أمريكا وفي أوربا عندما بدأت أسافر إلى هذه البلاد في أوائل السبعينيات، بدأت أسأل عن هذه الأشياء التي لا نسأل عنها في بلادنا العربية والإسلامية، هم معتادون على التعري عند الجماع، طبعاً نعرف أن هذه مجتمعات عري وتبرج وإباحية، المرأة تكاد تتعرى من لباسها، فأصبح الناس في حاجة إلى إثارة غير عادية، نحن عندنا الواحد لا يكاد يرى المرأة إلا منتقبة أو محجبة، فأي شيء يثيره، أما هناك محتاج إلى مثيرات قوية، ولذلك لجئوا إلى التعرّي.
وقلنا: إن التعرّي لا شيء فيه من الناحية الشرعية وحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "احفظ عورتك إلا عن زوجك وما ملكت يمينك"، الآن في هذا الأمر إذا كان المقصود به التقبيل فالفقهاء أجازوا هذا، إن المرأة لو قبّلت فرج زوجها، ولو قبّل الزوج فرج زوجته، هذا لا حرج فيه، وإذا كان القصد منه الإنزال فهذا الذي يمكن أن يكون فيه شيء من الكراهة، ولا أستطيع أن أقول بالحرمة؛ لأنه لا يوجد دليل على التحريم القاطع، فهذا ليس موضعَ قذر مثل الدبر، ولم يجئ فيه نص معين، إنما هذا شيء يستقذره الإنسان، وإذا كان الإنسان يستمتع عن طريق الفم فهو تصرف غير سوي، إنما لا نستطيع أن نحرمه خصوصاً إذا كان برضا المرأة وتلذذ المرأة (والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) فهذا هو الأصل (يوسف القرضاوي - 2000).
ثم من قال لك إن الحياة الجنسية لم تكن مفتوحة عند العرب والمسلمين؟ ألم تقرأ طوق الحمامة لابن حزم؟ ألا تعرف أن الإسلام لم يحدد الزواج فقط بأربع، وإنما حرم الجمع بين أكثر من أربع في نفس الوقت يمكنك أن تتزوج عشرين، وربما أكثر، ولكن لا يجوز أن يجتمع على ذمتك أكثر من أربع في نفس الوقت، وسبب ذلك هو ما ذكرته لك في أول ردي عليك من أن المتعة حلال في الإسلام إذا ارتبطت بالمسئولية والعدل؟ ومن أجل هذه المسئولية والعدل والحرص على قدرة الرجل على الوفاء بهذين الشرطين وضع الحد الأقصى للنساء في عصمة الرجل في وقت واحد.
ألا ترى يا أخي أن تفعيل ممارستك للصلاة، وذكرك لله سبحانه وتعالى بحيث تصبح ذات أثر على حياتك جزءٌ من أهم أجزاء علاجك؟ ألا ترى معي أن فضلا كبيرا يكون في جعل صلواتك الخمس ناهيات لك عن الفحشاء والمنكر؟ وفي علاج نفسك لنفسك بتلاوة القرآن وبذكر الله عز وجل ألف فضل وفضل؟ ألا يكون ذلك تصديقا وتفعيلاً لقوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم "اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصّلاة إنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر اللّه أكبر واللّه يعلم ما تصنعون" (العنكبوت:45).
وكذلك قول سيد الخلق عليه الصلاة والسلام (صحيح المعنى وإن ضعف إسناده): (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له)، وفي رواية أخرى (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ويكون الوصول إلى ذلك بأن تقرأ أو تسأل عن كيفية تفعيل دور العبادات في تزكية الأنفس، وهو مبحث من أهم مباحث ديننا الحنيف.
إذن فما بين إدمان الجنس ووسواس الجنس -وكلاهما ضعف قد يأخذ الصورة المرضية- ترى حالك أو حالتك، وأرى أنا الأمر أبسط من ذلك، وإلا فمرضى أمتنا من الشباب أكثر من كل ما نتصور أو نتخيل، وحتى لو اختلفنا حول المسمى فإننا لن نختلف إن شاء الله حول العلاج، وسأسميه العلاج بالعبادات.
وأختتم ردي عليك متمنيا أن يكون قد سقط مني الكثير في هذا الرد؛ لأن من سيعقب علي هو أخي الدكتور أحمد عبد الله الذي تطفلت أنا على كثير من تجلياته وهو يتكلم معي وأناقشه ويناقشني على عجل أغلب الأحيان، ونحن نتأمل حال أمتنا، ونسأل الله الفوز بدور في جهادنا المدني على هذه الصفحة المباركة، فما سقط مني سيلتقطه أخي الدكتور أحمد عبد الله، وهو نعم الشريك في الأجر إن شاء الله.
* يضيف د. أحمد قائلا:
أخي الحائر:
أهلاً بك ومرحباً وأنت تنشر أمامنا جميعاً صفحة مطوية عن معرفة ومصارحة الكثيرين، ومن نجاحات صفحتنا هذه أنها تأتي بمثابة تشجيع للناس على ذكر ما يعيشونه حقيقة لا نفاقاً ومداراة، ولا تزويقاً للكلام أو ادعاءً للمثالية أو لما هو غائب من سلوكيات أو أفكار نهتف بها كثيراً، ولا يطبقها منا أحد ـ تقريباً ـ ولعل رسالتك تكون دافعاً لغيرك لنتعرف جميعاً على حقيقة واقع الحياة الجنسية في مجتمعاتنا بعيداً عن التزوير أو التهويل أو أقنعة الصلاح المكذوب، وتداول الحقائق هو أول خطوة على طريق التعامل الصحيح مع الواقع تعريفاً ومعرفة بالصواب، وعلاجاً لما هو خطأ بعون الله.
وأسئلتك التي منها:
هل كل الناس يحسون مثلي؟؟ هل كلهم يتصرفون مثلي أم أغلبهم أم..؟؟! كيف يستطيع الرجال الملتزمون التقيد والضبط للغريزة؟! هذه الأسئلة يجيبك عنها الناس من خبراتهم، وهذا للرجال كما للنساء، وشكراً مقدماً لكل من يكشف لنا عبر تجاربه الشخصية جانباً مجهولاً من حياة أهلنا فنعرف عن حق، ونتعامل عن معرفة صحيحة.
لكنني أستطيع أن أجيبك على خلفية كوني رجلا، وطبيبا متخصصا، ومهتما بشئون النفس والجنس، وتصورات البيئة التي أتحرك فيها حول القضايا الإنسانية والاجتماعية، والجنس منها بلا شك.
ولكي نفتح ملف الجنس في حياة الرجل العربي دعني أقول لك مبدئيًّا:
1- كثيرون مثلك يعانون من "مشكلات" في تلبية حاجاتهم الفطرية بالغريزة الجنسية قبل وبعد البلوغ، ولأن إشباع هذه الغريزة بالنكاح الحلال هو أمر قد يتأخر غالباً إلى حد الثلاثينيات من العمر -للأسف الشديد- فإنه تشيع ممارسات من قبيل التحرش بالأطفال، وقضاء الشهوة عبر نشاطات منحرفة، أو ليست هي الأصل الطبيعي، وأحياناً يظل تأثير هذه الخبرات عالقاً بالذهن من ناحية الشعور بالحرمان والذنب، وتراكم الطموح إلى الأكل حتى التخمة بعد طول التجويع، وكلاهما -أي التخمة والتجويع- حالة سلبية تضر الجسد، كما تضر النفس في حالة الحرمان من الجنس أو التخمة به كما سنشرح لاحقاً.
2- ورغم الحرمان من الجنس، وربما بدافع منه، ومن ظروف كثيرة محيطة يدخل الكثيرون في دائرة "المشاهدات" الحية في المجتمعات التي تقبل وتتيح الفرصة لحركة النساء بلباس كاشف، وفي كل المجتمعات جاءت الوسائط الأخرى لتنقل صورة العورات والممارسات الجنسية صوتاً وصوراً ثابتة أو متحركة لنصبح أمام ضغط آخر كبير باتجاه إثارة الشهوة وإشعال الغريزة التي لا تحتاج أصلاً إلى إشعال!!
وبالتالي بدلاً من أن تكون في حجمها الطبيعي بلا كبت أو إفراط أو إغراق يتضخم حجم وهاجس الغريزة الجنسية بفعل ثنائية: الكبت / الإثارة، ويبدأ الرجل تحت "تأثيرات" الحرمان القديم، والإغراق في المشاهدات التي تتسلل عبر عينيه لتحتل تفكيره ونفسه.. يبدأ الرجل في البحث عن "غامرات" عاطفية أو جنسية في البيئة المحيطة، والتي توسعت مساحتها بفعل وسائل "الاتصالات" الحديثة، كما في حالتك.
3- ولا يفيد الزواج كثيراً في الاشتباك مع هذا المسار، سواء من ناحية تصورات الزوج أو أحلامه فهو تحت تأثير ما يرى من صور حية أو عبر الوسائط الاتصالية يبحث عن أجساد معينة، وممارسات معينة هي بالجملة دعائية وتمثيلية ومصنوعة أكثر مما هي حقيقية أو إنسانية أو واقعية، فأنت مثلاً تبحث عن امرأة تفعل معك كذا وكذا... كما شرحت في رسالتك، وتنتظر هذا من زوجتك التي خلفيتها الجنسية بالأصل متواضعة غالباً كما هو الحال في مجتمعاتنا، وأقسم لك وأنت في تشوشك وترددك هذا -أن زوجتك لو طلبتك للفراش أو فعلت بعض ما تقول أنت إنك تطمح إليه، لشككت فيها وفي عفتها وأخلاقها؛ لأنها بهذا ستكون مخالفة للشائع الذي هو الجهل والمداراة، واصطناع الحياء، واعتبار الجنس شيئاً خارجاً أو سخيفاً أو واجباً ثقيلاً، أو هكذا ينبغي أن نقول أو تقول أو تظهر كل زوجة، فهذا من ميراثنا الثقيل، فهل أنت مختلف في عقليتك عن محيطك؟!
4- ولا أريد أن أتطرق أكثر إلى التاريخ الجنسي لزوجتك، والذي ذكرت أنت منه لقطتين تظهران بؤس هذه الزوجة المسكينة من ناحية تلبية رغباتها وحاجاتها، فأنت تزوجتها عاما، ثم تركتها ثلاثة أعوام كاملة عاشت هي فيها بدونك، وبدون جنس، بعد أن ذاقته بالزواج لمدة عام فصارت زوجة مع إيقاف التنفيذ؟!
فهل المطلوب من المرأة أن تكون جهازا للمتعة يعمل بالأزرار!! تضغط على أحد الأزرار فتعطيك إثارة وغنجاً وأنوثة متدفقة طاغية، ثم تضغط على آخر فتتوقف الماكينة لمدة ثلاث سنوات كاملة في انتظار الاستقدام، ثم تضغط على زر ثالث فتحمل وتلد، ثم تعود سيادتك إلى زر الأنوثة والإثارة والجنس فتضغط عليه، وتذهب بعد ذلك تندهش لماذا زوجتي فاترة جنسيًّا؟! لماذا هي باردة؟!.. لماذا لا تعمل الماكينة؟!
هذا فضلاً عن إهمالك إياها بعد قدومها فلا تبحث أنت عنها إلا بين الحين والحين لتحقيق الإشباع الجزئي الذي تقول إنك تحصل منها عليه!
وتتأخر بالعمل لمشاهدة العاريات، وتتصل بالهاتف الدولي لتمارس الجنس بالهاتف فتجرح أنوثتها وإنسانيتها، ولعل الرسائل المباشرة وغير المباشرة تصلها منك كل يوم متسائلة ومندهشة ومتعجبة تصفعها وتؤذيها بأنها: لماذا فاترة وباردة وغير مثيرة؟!
ألا تعرف يا أخي الجامعي أن البشر ليسوا ماكينات، وأنها من لحم ودم وأعصاب، كما أنت كذلك، وأن لديها رغبات وحاجات، ولكنها تحتاج إلى البيئة الآمنة المناسبة الدافئة لتخرج وتنطلق، وأنك لم تبذل إلا أقل القليل لتوفير هذه البيئة؟!
5- ولعلها هي أيضا لديها أحلام وأشواق مثل الأخت التي كتبت لنا تقول: "سأطلب الطلاق؛ لأن من حقي أن أجد إنساناً يحترم أنوثتي وإنسانيتي، ويحبني ويعطف علي بوصفي كائناً آدميًّا، وليس مجرد أداة لمتعته وقتما يريد!!"
ولو تأملت أنت ووضعت نفسك مكانها فربما تفهم أن حرمانها منك ومن الجنس لمدة أعوام كان قاسياً ومدمراً لمشاعرها ورغباتها، ولو أتيحت لها هذه الفرصة لوصفت لنا كيف أنك أنت أيضا تؤثر عليها عاريات الإنترنت، وعاهرات الهاتف، وتترك فراشها بارداً خاملاً إلا من بول طفلك وصراخه، ومعاشرتك إياها من آن لآخر، وبين هذا وذاك لا غزل ولا تقدير، ولا شيء مما تفعله مع الأخريات لتحصل على الجنس، وكأن هذه المقدمات حلال على الجميع، وحرام على زوجتك؛ لأن الجنس مع زوجتك مجاني بحكم الزواج، ومع الأخريات هو مدفوع في المكالمات والمجاملات، فهل هذا عدل يا جامعي؟!
وكم منا يفعل هذا وهو عنه غافل أو متغافل؟! وهل هذه هي
مقتضيات الإيمان الذي تقول أنت ويقول أغلبنا إنه يتمتع به؟! بئس الإيمان هذا الذي لا يردع صاحبه عن ظلم ذويه وأقرب الناس إليه.
6- غريزة الجنس لدى البشر أجمعين وهي تثور بالكبت، وتثور بالإشعال والمهيجات والمؤثرات، ومنها الصور التي تقول إنك "تعودت" عليها، والإثارة المستمرة ستطلب إشباعاً مستمراً، وزوجتك لن تسعفك إما بسبب جهلها الجنسي أو بسبب إنهاكها مع الصغير الأول، وخبراته الجديدة ومتطلباته، وإما بسبب خجلها، أو كرد فعل على سلوكك أنت معها، وربما بهذه الأسباب جميعاً، وربما أيضا؛ لأن ما تطلبه أنت أصلاً إنما هو زائد عن الأصل بسبب الإثارة المستمرة التي تشعلك وتشغلك بالتالي عن كل ما سوى الجنس من اهتمامات وهوايات، بل وعن عملك، وكل حياتك، وهو ما يقترب بحالتك من الإدمان المرضي لمشاهدة الصور العارية فتشعر أنك مختنق حين لا تحصل على "الجرعة" من آن لآخر، وتشعر بدوام المشاهدة أنك مخنوق؛ لأنك مكبوت تريد أن تمارس ما تراه.
وهذه هي الحلقة المفرغة التي فيها تدور أنت وغيرك وكثيرون، ولو ضاجعت كل نساء الدنيا، ولم تبق منهن إلا واحدة، ونظرت إليها وإلى محاسنها لتمنيت أن تعاشرها هي أيضا من باب التجريب والتجديد، وهذا الشعور طبيعي وموجود أصلا، فما بالك وأنت تثيره بمشاهداتك؟!
7- أطلت عليك وعلى قرائنا، ولكن رسالتك تهمني فيما تفتحه من موضوعات متعددة قد لا تتاح الفرصة لتغطيتها في كل وقت، ولكنني سأكتفي بما سبق في الشأن الخاص بك، وأحاول أن أجيبك باختصار عن أسئلتك فيما يتعلق بالشق العام:
٠ الحياة الجنسية في الإسلام مفتوحة جدًّا مقارنة بأديان أخرى متشددة، ومقارنة بواقعنا الذي تحكمه أعراف وتقاليد بالية غالباً، فلم تكن توجد أية مشكلات جنسية ـ تقريباً ـ في المجتمع الإسلامي الأول، أي لم يكن هناك رجل شاب يريد نكاحا ولا يجد، إلا فيما ندر، في المجتمع الإسلامي الأول، وكان الزواج سهلاً ميسوراً مثنى وثلاث ورباع، وكانت المرأة أيضا محترمة ولها رغباتها وحقوقها، فكانت تطلق وتترك هذا لتتزوج ذاك، ولا تبقى إحداهن دون زوج إلا برغبتها، ولا يهجرها زوجها ويسافر لسنوات بسبب ظروف عمله، أو غير ذلك مما نعيشه من انحرافات.
وعرف المجتمع المسلم دائماً أشكالاً من الزواج الشرعي، ولا يوجد اختلاف إلا فيما يخص الزواج المؤقت سلفاً -كما عند الشيعة- أما أي زواج يحقق الأركان الشرعية فكان شائعاً حتى لم يكن هناك مشكلة "قضاء وطر" في المجتمع المسلم، ولكنني مثلك أرى واقعاً مختلفاً اليوم.
٠ الجنس فعل إنساني واجتماعي، وليس علاقة جسدية فقط، وهو في الغرب ليس مفتوحاً إلا في إطار بيئة وثقافة محددة، وللأمر أعراف هناك وطقوس وثقافة ومسئوليات، وليست المسألة اعتباطاً أو عشوائية أو كما نتصور بتسطيح الفهم للغرب وحياته.
والراحة مثلاً التي تتحدث عنها هناك مرتبطة ببقية الحزمة الثقافية والاجتماعية الموجودة والتي تتمحور حول ما يسمى بالحرية الجنسية، حيث لا ضابط ولا قيد إلا رغبة الطرفين، فهل توافق أنت على بقية مكونات هذه الحزمة فيكون من حق زوجتك تجريب رجل غيرك؟! وممارسة حريتها الجنسية كما تريد أنت أن تمارسها؟! أم أنك تريد أن تأخذ من النمط الغربي ما "يحررك" أنت فقط؟! أما زوجتك فلا؟!
الطاقة الإنسانية الحيوية ورصيدها في النفس محدود، وهي تنصرف في الأنشطة المختلفة للإنسان، وإدمان الجنس يبدد هذه الطاقة فيكون مرضاً مثل الحرمان منه، وربما أخطر، فالمحروم من الجنس قد يتسامى فوق شهواته -ولو إلى حين، ويستثمر طاقته في إبداع أو إنتاج معرفة أو آداب أو فنون، ولكن مدمن الجنس ضائع، ومستنفد فيما يقوم به، كما أنك مستنفد، ولكن في مجرد الخيالات والتمنيات!!
وصدق العرب حين قالوا:
"من تعود أفخاذ النساء لم يأت بشيء".. أي من إنتاج أو إنجاز أو ما شابه لأن طاقة إبداعه تتبدد عبر فرجه المنهمك في الممارسة، وعقله المستغرق في التفكير بها، وهذا عند الإدمان.
٠ الجنس نشاط جميل، وله قوة خارقة جارفة كما تصف أنت، ولكن الاستغراق في هذا النشاط وحده يضر من نظرة العين إلى حبس النفس بحرمانها من أنواع اللذة الأخرى، وهي كثيرة.
وقلتُ من قبل وأكرر لك أنني رجل أحب الجنس مثلك، ومثل أغلب الرجال، ولكنني أحب السفر، وللسفر لذته، وأحب المعرفة، وأحب عملي، وأحب الاجتماع بالناس، وأحب الفنون الراقية، وأحب الصلة بالله سبحانه من قبل ومن بعد، فهل تتفضل أنت وتنصحني كيف أحصل على كل هذه اللذات، والعمر محدود، والطاقة محدودة؟!
أنا مثلك أريد أن أقيم علاقة مع كل جميلات العالم، ولكن بالله عليك متى أقوم ببقية الواجبات، وأحصل على مذاق بقية اللذات؟!
وأنا أعرف أنني مثلك لا أريد أن أكون حيواناً جنسيًّا، ولكن قل لي كيف يمكن تحقيق هذه الموازنة والانسجام إلا بوضع الجنس وأنشطته في حجمها وسط أنشطة الحياة الأخرى فلا كبت ولا إثارة بالنظر، ولا مغامرات فاشلة، ولا إدمان للصور، وهذا فارق كبير بين ثقافتنا وثقافة الغرب، فالجنس في أصل ثقافتنا وديننا هام ورائع ولذيذ، ولكنه ليس كل الحياة، ولا أهم ما فيها، ولذلك كان الإغراء الإلهي بجنس أفضل وألذ في الآخرة لمن أحبوه في الدنيا، ولكن ضبطوه وانضبطوا لتحقيق الغايات الأخرى من العيش في هذه الدنيا، وهي خلافة الله في الأرض.
وأخيراً يا أخي الكريم فإن زوجتك تحتاج إلى تعليم وتحرير لرغباتها، وهذا في يديك إذا تعلمت أنت وعلمتها، وأفسحت لها بهدوء وتدريج سعة المجال للتعبير عن مشاعرها وخيالاتها ورغباتها، أو تدفع لها أجرة الاشتراك في دورة متخصصة لتعليم الجنس للمتزوجات، وهو ما بدأت فيه بعض أخواتنا المتخصصات.. جزاهن الله خيراً، وأرجو ألا تستغربها أو تقمعها أو تشك فيها حين تتحرر من قيود نشأتها، وأقنعة تغافلها.
ولمن يريدون حل مشكلة الجنس في مجتمعاتنا أن ينزلوا لتغيير المجتمع بعاداته وتقاليده وثقافته الحالية المشوهة ليعود إسلاميًّا بحق، ومتوازناً بصدق.
وفي انتظار خبرات الآخرين في الإجابة على أسئلتك.
أشكرك من كل قلبي على صدقك وثقتك بنا.