عدم النجاح في أي شيء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنا شاب عمري 20 سنة، أعاني من عدم التوفيق في حياتي بصفة عامة سواء الدراسة أو العمل أو حياتي الشخصية، رغم أنني أصلي وأصوم وأحاول قدر الإمكان الابتعاد عن الحرام أو بمعنى آخر ما لا يرضي الله، وأسعى لفعل الخير والأشياء التي يحبها الله... مع أنني ألاحظ أن البعض لا يصلي وبعيد كُليَّا عن طريق الله ومع ذلك موفقون وأمورهم مُيَسَّرة.
أرجوكم أن تعطوني الحل فأنا أعمل كل شيء بجهدي، ولكن ما من نتيجة (ليس هناك أي توفيق ولا حظ، ولا أحس حتى بفرح، ولا أبرع في أي شيء).
أصحابي أصبحوا في الجامعات في السنة الثانية والثالثة، وأنا ما زلت في مكاني أحلم وأحلم وأكابر وأقول بداية العظماء فاشلة، ولكن أنا أضحك على نفسي.
أريد أن أنجح في الدراسة، أريد أن أتفوَّق في شيء... لقد مللت جداً جداً حتى أنني بدأت أفكر في الانتحار لأن حياتي ليس لها أي معنى، حتى الله لا يريد أن يُنَجِّحني.
أنا أستغفر دائماً وأتوب كلَّما أعمل ذنوباً، ولكن هذا هم كثير جداً لم أعد أحتمله... يا ترى ما الذي عليَّ فعله؟
وشكراً.
2/11/2020
رد المستشار
أهلا بك يا عزيزي.... بياناتك التي دونتها تقول أنك مغترب فهل هذا صحيح؟!
في كل الأحوال فإن المعلومات الشحيحة لا تعطينا صورة صحيحة أو مكتملة عن الظروف والتفاصيل.
أتعلم حاليا علاجا هو جديد في منطقتنا العربية، ويربط بين عدم إشباع الاحتياجات الإنسانية الأساسية في الطفولة، والمواقف التي تتعرض لها في سنوات الحياة الأولى، وبين نمط ردود أفعالنا، وسلوكنا، اختياراتنا لاحقا، ومثل علاجات أخرى كثيرة أحلم بتوفير معلومات كافية عنها للجمهور العربي لأن الإنسان العربي غالبا لا يفهم نفسه، ولا يبدو واعيا بعالمه الداخلي، ولا نظامه النفسي ومكوناته الداخلية وتفاعلها مع ظروفه الخارجية، وبدلا من السعي والاجتهاد في تحصيل هذه المعرفة، وبناء هذا الوعي يتخبط في تعليق بؤسه على شماعة القدر، ويبحث عن الله ليقوم عنه بأعباء وجوده، ومسؤوليات إنسانيته، وأنت لم تذكر إذا كنت قد راجعت طبيبا نفسانيا.
والله قد خلق الإنسان والأكوان ورتب لها قوانين وسنن، وفقه هذه القوانين والسنن يغيب عن التعليم الشائع في مدارسنا وجامعاتنا، كما تغيب عن محاضن التربية والتكوين في مقابل تضخيم هائل لصور مضحكة ، ومبكية، ومؤذية تربط النجاح والفشل بقوانين أخرى مخترعة، أو هي تعمل في مساحات أخرى!!
الشرائع والعبادات مثلا هي نظام مركب للنفس وللمجتمع، وهي ليست مجرد واجبات تؤدى وينتج عنها مباشرة النجاح في العمل، والنصر على الأعداء دون إعداد عدة، ولا إتقان صنعة، ولا دأب، ومواصلة سعي، واستدامة مراجعات، وتعلم من الأخطاء!!!
الالتزام بالعبادات خير كبير، واتصال هام بالله في وجود النية، والشعور، والوجدان الحاضر في الذكر والدعاء، وحتى الحركات، والعلاقة بالزمن، والطبيعة، والمكان، والبشر المحيطين!!
لكن هذا كله لا يحل محل علوم الوعي بالذات والمحيط، وأسئلة الوجود وفنون الحياة، والإبحار فيها، وخبرات الممارسة بما فيها تجارب النجاح، ودروس ما يسمى فشلا، وأتفق معك أن علوما مثل الفلسفة، والتصوف، والعلوم الروحانية، والاجتماعية، والإنسانية تكاد تكون مغيبة تماما، وليست في المتناول، لكن جهودا كبيرة مبذولة الآن في تقريبها وتيسيرها.
من أين تبدأ؟! ووصلني أنك مللت..... ربما يفيدك أن تبحث عن مرشد روحي، أو خبير نفساني، أو حتى إنسان أكثر منك تجربة، وتراه ناجحا، ومحل ثقة ليسلط معك الضوء على سبل الحياة، ويفك معك شفرات السعي الموفق فيها، وربما تحتاج إلى دواء نفساني.
وكل من يجد نفسه يغرق في بحر الحياة فمن واجبه أن يبحث عن مدرب، وتدريب سباحة، وبسرعة.... وطالما أنك وصلت إلى موقعنا هنا فإنه يمكنك الاطلاع على عصارة تجارب وخبرات السائلين والمستشارين مما يثري وعيك، ولعله ينير أمامك بعض السبل.
ووجود صحبة مساندة تدعمك وتقبل حيرتك هو مما يفيد ويساند، وليكن دعاؤك لله أن ترى نفسك والأشياء والأحداث بنوره لتختار أفضل، وتسلك أقوم، وتابعنا بأخبارك.
التعليق: بعد بسم الله الرحمن الرحيم أسأل الله _عز وجل_ أن يجعل لك من اسمك نصيباً وأن يُصلحَ لك دينك ودنياك، وأَوَدُّ أن أُحَيِّيك يا أخي "صلاح الدين" على أنك مازلت تحرص على النجاح وتسعى خلفه رغم ما مررت به وتظنه أنت فشلاً (مع أنِّي لا أراه كذلك). وإن كانت الكلمة الصحيحة هي الإخفاق وليس الفشل الذي يعني الضعف .
من خلا الفقرة الأولى من رسالتك أرى أن لديك مغالطة فكرية تدل على فهم غير دقيق لقاعدة الأسباب والنتائج، لكن لا بأس دعنا نستبين ذلك سوياً:
1_ الله _عز وجل_ حين وضع نظام الكون جعل لكل نتيجة مجموعة من الأسباب تقود إليها وتعمل على تحقيقها إن نُفِّذت بالشكل الصحيح... دعني أوضح لك الأمر بشكل أفضل: أنت إذا أحسست بالجوع وأردت أن تصل إلى الإحساس بالشبع تذهب لتأكل، أليس كذلك؟ إذن فالأكل "سبب" ونتيجته "الشبع"... وإذا أردت أن تحصل على درجات مرتفعة (نتيجة) فعليك أن تبذل أسبابها من الاجتهاد في المذاكرة، والاستمرارية، والتدرب على الأنواع المختلفة من الأسئلة، والمراجعة قبل الامتحانات، وغير ذلك من أسباب التفوق.
2_ من خلال النقطة السابقة أنا وأنت نستطيع أن نرى بسهولة أنك تسعى لتحقيق هدف أو نتيجة معينة لكن تبذل أسباباً مُصمَّمة لتقودك إلى نتيجة أخرى، فالصلاة والصوم والابتعاد عن المحرمات كلها أسباب تقودك إلى رضا الله عنك وتحصيل الحسنات ودخول الجنة _بإذن الله_ ومع ذلك فكل هذه الأسباب والأفعال (المحمودة طبعاً) لا تصلح ولا تكفيك وحدها لتحقيق النجاح على صعيد الدراسة أو العمل أو الأسرة، ولتحقيق هذه النجاحات ابحث عن أسبابها بنفسك أو اسأل عنها من تعتقد أنه نجح فيها وحقق ما تسعى أنت لتحقيقه، ثم ابدأ فوراً باتِّباع تلك الأسباب، وأخبرنا إن كنت ستنجح وتحقق ما تريد أم لا... أسأل الله لك دوام التوفيق.
3_ لكي أساعدك أكثر في فهم النقطة السابقة إليك الآتي: لكي تنجح في العمل مثلاً عليك أن تحرص على تطوير نفسك على المستوى الفني والمهاري، وأن تحسن التعامل مع مديرك وزملائك، وغيرها من مقومات النجاح في العمل... كذلك لكي تحظى بعلاقات أسرية جميلة ومتزنة عليك أن تحرص على التودد من عائلتك والحديث معهم ومشاركتهم في الأحزان قبل الأفراح والمشاكل قبل الإنجازات.
4_ بعد كل ما سبق ألا تظن أنه من الغريب أن تتمسك بأسباب النجاح الديني فقط وإهمال غيرها حتى عندما تودُّ تحقيق نجاحات على أصعدة أخرى؟ أليس من الأولى لك أن تبحث عن الأسباب الحقيقية كما فعل زملاؤك الآخرين الذين تتعجب من نجاحهم وتقدمهم (دنيوياً) رغم أنهم أقل منك تديُّناً؟... الحقيقة هو أن حالك أنت هو ما يثير التعجب وليس حالهم، والسر بكل بساطة أنهم يبذلون الأسباب الصحيحة لتحيقيق النتيجة المرجوة (على خلافك أنت)، وكذلك عليك أن تتعلَّم وتفعل.
أما عن زملائك الذين تظن أنهم سبقوك وأنجزوا أكثر منك فلا أظن أنك ينبغي أن تهتم بهم إلى هذا الحد الذي يرهقك... أليس من الممكن أن تكون أهدافهم ووجهاتهم مختلفة عنك، وبالتالي من المنطقي أن تكون طُرُقُهم وخُطُواتهم وتوقيتات وصولهم مختلفة عنهم؟ إذن لماذا تؤذي فكرك بالمقارنات المستمرة معنهم؟!... غاية ما أقصده يا صديقي أن هذا عمرك وهذه حياتك، لذلك طالما أنك تنفقهما في التعرف على نفسك وعلى العالم، وتسعى دائماً للنجاح والإنجاز فلا تنظر إلى ذلك على أنه وقت ضائع أو عمرٌ مُهدَر حتى لو تخلَّلهُ العديد من السقطات والإخفاقات... هكذا ينبغي أن تُتَرجِم الأمر.
أخيراً: أتمنى أن أكون قد أحسنت فهمك، وصدقت في نُصحِك، وأنا كلي شوقٌ أن أسمع منك مجدَّداً فاحرص على أن تشاركنا جميع ما يسعدك أو يُضِيرُكَ مهما بدا لك تافهاً أو صغيراً.
أحمد عصام الدين