السلام عليكم
لي أخ يكبرني بعامين وهو مصدر تعاستي في هذه الحياة، وأكرهه من كل قلبي؛ لأنه آلمني منذ طفولتي من ضرب وسب وإهانة وألم وتعب نفسي وقهر نفسي لا يعلم به أحد، وهو حتى الآن بعدما أصبحت 21 عاما، وهو مسبب لي كابوسا في حياتي أراه كل يوم، ولا أحد من أهلي يقدر عليه، فهو متسلط كثيرا، مع العلم أنني فتاة مؤمنة بالله عز وجل، وأخافه وأحبه؛ لأنه معي دائما، ولكن بعض الأحيان يعجز الإنسان عندما يصل لمرحلة الانهيار.
وأنا لي تجارب كثيرة في حل مشاكل لأقربائي وصديقاتي، ولكني عجزت عن مشكلتي، وتعبت كثيرا، وأنا ما زلت طالبة جامعية ومتفوقة، فأرجو مساعدتي، وآسفة على الإطالة.
29/10/2022
رد المستشار
الابنة العزيزة، أهلا وسهلا بك على موقع مجانين، ونشكرك على ثقتك.
من الواضح أنك كتبت سطورك الإلكترونية هذه وأنت في حالة شعورية شديدة الوطأة على نفسك، فقد انتقل الشعور بالقهر والظلم من خلال السطور، واستطعت بالفعل وضعه في تلك السطور، والحقيقة أنك تفتحين ملفا نحن بالفعل بدأنا في الاهتمام به في مشاكل وحلول، وهو ملف الفتاة العربية في بيوتنا العامرة، تلك الفتاة التي تبدو وكأنها تعاقب؛ لأنها ولدت فتاة، ولست وحدك في ذلك بل الحال هو الحال في كثير من بيوتنا، إذ تعامل الفتاة في بلداننا من المحيط إلى الخليج (أدامها الله من المحيط إلى الخليج) بطريقة أخف ما توصف به هو أنها طريقة جائرة.
وفي نفس الوقت الذي تقهر فيه الفتاة، وينتقص من حريتها؛ لأنها أنثى، فيضيق عليها في اختيار أبسط حاجياتها، وفي انتهاج ما تختار لنفسها من طريق، غالبا ما يترك الولد لهواه فهو ذكر، وكأن كونه ذكرا يعني أنه الأفضل والأعلى مرتبة والأحق بالحرية، وبغض النظر عن ما لا يصح أن يغض النظر عنه، مثلا كالفرق في السن، أو في الأخلاق أو التفوق، فرغم أن أخاك هذا يكبرك بعامين فإن حالات أخرى نرى فيها تسلط الولد على أخته، رغم أنها أكبر منه، ونجد تواطئا من الأم ومباركة أو لا مبالاة من الأب بكل ذلك.
ومثلما يخاف الجميع على أنوثتها التي تتفتح دون أن يشرح لها أحد كيف يحدث ذلك ولا كيف تفهم جسدها وتتعامل معه، غالبا ما توضع القيود وتنفذ دون أن يتعب أحد نفسه في إفهامها لماذا أو حتى تعليمها كيف تتصرف وتسلك السلوك السليم الذي تحافظ به على نفسها، وهل هناك طريقة لكي تتعلم تمل مسؤولية نفسها وتكون قادرة على الاستقلال؟
إذن فإن ممارستنا العملية تشير إلى أن في بيوتنا كثيرات من الفتيات مضطهدات لا لشيء إلا لأنهن فتيات، وبينما بدأ تسلط أخيك عليك منذ الصغر، فإننا نراه في أكثر الحالات متزامنا مع البلوغ وفي تناقض صارخ مع ما قبل البلوغ، فكثيرا ما نجد تحولا دراميا في تعامل الأسرة مع الفتاة العربية عند بداية المراهقة، فتصبح كل الأشياء التي كانت حرة في حياتها مقيدة، وتوضع على انطلاقها القيود على القيود، فها هو الأخ يحتكر جهاز الكمبيوتر (وكثيرة هي البيوت العربية التي يوجد بها جهاز واحد لظروف اقتصادية)، ويحتكر الإنترنت، وها هو أيضا يحرم الأخت من أن تكون لها خصوصية، ويحدث ذلك وهي في عالم النت (أي عالم الخصوصية التي تكاد أن تكون مطلقة لمن يريد وبلا ثمن تقريبا)، لا فقط يحرمها من خصوصية الدرج أو الدولاب أو حقيبة يدها، وإنما أيضا من صندوق البريد الإلكتروني، ثم بماذا تشعر هي تلك الأخت المتفوقة الناجحة اجتماعيا حسنة الصلة بربها تشعر بأنه لا قدر الله سيقتلها إذا نحن بعثنا الرد على ذلك الصندوق المشاع؛ لأنه يستطيع دخول الصندوق الخاص بأخته لأنه المسؤول الأمني المكلف بها من قبل نفسه.
إذن رغم أن منشأ التغير في التعامل الأسري مع الفتاة هو الخوف عليها فإن ضرر ذلك الخوف عادة ما يكون أكبر من فائدته، ونجد تنويعات عديدة من آثار ذلك لعل الأمثلة عليها تتضح إذا قرأت ما تجدينه في الروابط التالية:
إلا في البيت.. جريئة ومرحة ورائعة!
سيكولوجية الفتاة العربية
نفسي في أم غيرها: أخي بكل احترام وأنا بالجزمة
من أم أسطورة إلى امرأة غريبة: الأم العربية
أفش شعري فتقول أختي: ابعدي يا مجنونة!! متابعة
أفش شعري! صامتة وراغبة في الصراخ!
بدلا من البرد والخجل: أفش شعري ونصرخ معا
إلا أنه من الواضح أن علاقتك بوالديك وموقفهما من تسلط أخيك أفضل كثيرا مما اعتدنا أن نراه في أكثر الحالات، فهما يساندانك معنويا على الأقل، وأنت في ذلك أفضل من كثيرات، ولكنني لا أستطيع طبعا إغفال ما لطريقة تربيته هو (كذكر نعلمه نفش الريش بحق وبغير وجه حق) من أثر في بلورة تسلطه وسلوكه غير المحكوم، ولعل والداك دللاه في الصغر وهما يجنيان ثمرة ذلك اليوم، وإن كنت أنت أيضا تدفعين الثمن.
كمْ هو جميل أن تشعري أن الله سبحانه وتعالى معك دائما، فهذه نعمة لا تضاهيها في الأرض نعمة، وما أصدقك وأنت تقولين: (ولكن بعض الأحيان يعجز الإنسان عندما يصل لمرحلة الانهيار، وأنا لي تجارب كثيرة في حل مشاكل لأقربائي وصديقاتي، ولكني عجزت عن مشكلتي وتعبت كثيرا)، والواقع أنك عجزت عن حل مشكلتك؛ لأنك لن تستطيعي وحدك حل مشكلة تمثل مشكلة عدة أجيال من الشبان العرب فتيات وفتيات مفاهيمهم مغلوطة ومنقوصة ومشوهة، وكلهم صرعى ازدواجية المعايير، ويرون الحق بمنظار أعوج، كيف تعتقدين أنك ستغيرين الولد الشرقي الذي يتفهم الرجولة التي تَسأل ولا تُسأل، الرجولة التي تخطئ ولا تحاسب بينما تقعد بالمرصاد لأخطاء الإناث، وكأن الرجولة تاج فوق رأس الولد ورِثه عن أبيه، بينما أخته هي من يتعلم تلك الرجولة فيه، ويمارس دور "سي السيد تجريبيا على أخته" فهو رجل البيت خاصة في غياب والده.
وينسى الجميع في غمرة الأهمية المعطاة للذكور أن الإسلام الحنيف عندما فضل الرجل على المرأة كان ذلك داخل نطاق العلاقة بين زوجين، وبما أنفقوا، وبما فضل الله بعضهم على بعض، ولكن داخل نطاق الأسرة لكي تستقيم الأخيرة لا لأن الرجال على رءوسهم ريش أو تيجان، ولكن علاقة الولد بأخته ليس فيها تفضيل لذكر على أنثى، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "النساء شقائق الرجال".
ابنتي العزيزة، لا أعدك إلا بالتسرية عنك، ومحاولة مساعدتك على أن تتسامي فوق انفلاتات أخيك التي تبغضينها، وأن تجعلي من استشعارك لوقوف الله جانبك دافعا دائما للعمل والمثابرة حتى تثبتي جدارتك بأن تكوني الأفضل، وحتى تتمكني من تكوين نفسك وبناء كيانك الثقافي المعرفي فهذا أولى، أنصحك بالانضمام إلى مجموعات العمل المدني، وأظنها بدأت تمارس أنشطة كثيرة في بلدكم الحبيب.
وأهلا وسهلا بك دائما ، ومرحبا بك رفيقة على موقع مجانين، فتابعينا وشاركينا ، واسألي ألف مرة ومرة فأنت أختنا في الله، وإن شاء الله نظل معك.